الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

الصحابي ابو عامرالاشعري/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د. صالح العطوان الحيالي

الصحابي ابو عامرالاشعري
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 20-12- 2019
أبو عامر الأشعريّ، عم أبي موسى الأشعريّ. اسمه عبيد بن سليم بن حَضّار بن حرب، من ولد الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عُريب بن زيد بن كهلان بن سبأ كان من كبار الصّحابة ذكر الواقدي: بأنه من مهاجرة الحبشة بعد حلفه في مكة مع سعيد بن العاص،
عن أبي موسى الأشعريّ، قال: لما هزم الله هوازن يوم حُنين عقد رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم لأبي عامر لواء على خيل الطلّب، فطلبهم وأنا فيمن طلبهم معه فأدرك أبو عامر بن دريد بن الصِّمّة فعدل إليه ابن دريد فقتل أبا عامر وأخذ اللّواء، فشددْتُ على ابن دريد بن الصّمّة فقتلته، وأخذت اللّواء وانصرفت بالنّاس. فلما رآني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَحمِلُ اللّواء قال: "أَبَا مُوسَى: قُتِلَ أَبُو عَامِرٍ"؟ قلت: نعم. قال: فرفع يديه يدعو لأبي عامر يقول: "اللَّهُمَّ عُبيدَكَ أَبُو عَامِرٍ، اجْعَلْهُ فَوْقَ الْأَكْثَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
سرية اوطاس
ـــــــــــــ
هي سرية قادها أبي عامر الأشعري في السنة 8هـ في أعقاب غزوة حنين وقبل غزوة الطائف ضد الفارين من جيش هوازن والذين كان في قيادتهم دُريد بن الصّمة.
حدثت المعركة في منطقة يقال لها أوطاس وأوطاس واد معروف يقع بين حنين والطائف
سبب ارسال السرية أنَّ هوازن لما انهزمت في غزوة حنين ذهبت فرقة منهم، بما فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري، إلى الطائف فتحصنوا بها، بينما توجه بنو غيرة من قبيلة ثقيف نحو نخلة، وسارت فرقة أخرى فتحصنوا بمكان يقال له أوطاس، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الأشعري
لما انصرف من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول الله ﷺ أبا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري. ووقع في الأصل أن أبا عامر ابن عم أبي موسى الأشعري قال في النور وهو غلط، وإنما أبو موسى ابن أخي أبي عامر. فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال: أي تكافؤوا فيه، وبارز أبو عامر تسعة، ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد، أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبى فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه فيقتله. ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر، أي فإنه قال له أسلم فأبى، فقال: اللهم اشهد فقال: اللهم لا تشهد وفرش يديه، فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه، فعاد إلى أبي عامر فقتله ثم أسلم وحسن إسلامه ، وكان إذا رآه يقول: هذا شريد أبي عامر.
قال: وعن أبي موسى الأشعري قال: جئت لأبي عامر وفيه رمق فقلت: يا عم من رماك؟ فقال: ذاك، وأشار إلى شخص من القوم، فقصدته فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت؟ فثبت، فاختلفنا ضربتين فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم فنزعته، فقال: يا بن أخي بلغ النبي ﷺ مني السلام وقل له يستغفر لي، وقال: ادفع فرسي وسلاحي له انتهى، فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله.
وقبل أن يموت أبو عامر استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له. وفي لفظ: أن أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه، ورماه آخر فأصاب ركبته فقتلاه، وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما: أي وفتح الله عليهم، وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا.
ولما رجع أبو موسى إلى رسول الله ﷺ وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله ﷺ وقال: «اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة» أي وفي رواية: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس» ودعا لأبي موسى أي فقال: «اللهم اغفر له ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما».
أمر رسول الله ان يجمع السبي والغنائم الذي اخذها المسلمين من غزوتي حنين وأوطاس أن تجمع، فجمع في منطقة يقال لها الجعرانة إلى أن فرغ من غزوة الطائف وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرون ألفا والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، وكان على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا . قال : فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي - ويعرف بابن الدغنة وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناخ به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ، فقال له دريد : ماذا تريد بي؟ قال أقتلك . قال : ومن أنت؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي . ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئا ، قال : بئس ما سلحتك أمك ، خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ، ثم اضرب به ، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب - والله - يوم منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة قال : لما ضربته فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء . فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا . ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها ، فمن ذلك قولها :
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا فظل دمعي على السربال منحدر لولا الذي قهر الأقوام كلهم
رأت سليم وكعب كيف تأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة
حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر فقتل ، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه فقاتلهم ، ففتح الله عليه ، وهزمهم الله ، عز وجل ، ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته فقتله وقال :
إن تسألوا عني فإني سلمه ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه
قال ابن هشام وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه ، أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة إخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي . فكف عنه أبو عامر فأفلت ، فأسلم بعد ، فحسن إسلامه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال : " هذا شريد أبي عامر " قال : ورمى أبا عامر أخوان; العلاء وأوفى أبناء الحارث من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه ، وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما ، فقال رجل من بني جشم يرثيهما :
وإن الرزية قتل العلاء وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك كأن على عطفه مجسدا
فلم ير في الناس مثليهما أقل عثارا وأرمى يدا
وقال البخاري : ثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه . قال أبو موسى : وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته ، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته . قال فانتهيت إليه ، فقلت : يا عم ، من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال : ذاك قاتلي الذي رماني . فقصدت له فلحقته ، فلما رآني ولى ، فاتبعته وجعلت أقول له : ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكف ، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ، ثم قلت لأبي عامر : قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم . فنزعته فنزا منه الماء . قال : يا ابن أخي أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ، وقل له استغفر لي . واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ثم مات ، فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل ، وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه ، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله : قل له : استغفر لي . قال فدعا بماء فتوضأ ، ثم رفع يديه فقال : " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " . ورأيت بياض إبطيه ، ثم قال : " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " أو " من الناس " . فقلت : ولي فاستغفر . فقال : " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما " قال أبو بردة : إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما . ورواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن أبي براد عن أبي أسامة به نحوه .
المصادر
ـــــــــــــــ
1- الاستيعاب في معرفة الاصحاب
2- اسد الغابة في معرفة الصحابة
3- الاصابة في تمييز الصحابة
4- سبل الهدى
5- زاد المعاد
6- البداية والنهاية
7- السيرة الحلبية
8- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
9- السيرة النبوية -ابن اسحاق
10- السيرة النبوية - ابن هشام
11- صحيح البخاري
12- مغازي الواقدي
الصحابي ابو عامرالاشعري
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 20-12- 2019
أبو عامر الأشعريّ، عم أبي موسى الأشعريّ. اسمه عبيد بن سليم بن حَضّار بن حرب، من ولد الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عُريب بن زيد بن كهلان بن سبأ كان من كبار الصّحابة ذكر الواقدي: بأنه من مهاجرة الحبشة بعد حلفه في مكة مع سعيد بن العاص،
عن أبي موسى الأشعريّ، قال: لما هزم الله هوازن يوم حُنين عقد رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم لأبي عامر لواء على خيل الطلّب، فطلبهم وأنا فيمن طلبهم معه فأدرك أبو عامر بن دريد بن الصِّمّة فعدل إليه ابن دريد فقتل أبا عامر وأخذ اللّواء، فشددْتُ على ابن دريد بن الصّمّة فقتلته، وأخذت اللّواء وانصرفت بالنّاس. فلما رآني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَحمِلُ اللّواء قال: "أَبَا مُوسَى: قُتِلَ أَبُو عَامِرٍ"؟ قلت: نعم. قال: فرفع يديه يدعو لأبي عامر يقول: "اللَّهُمَّ عُبيدَكَ أَبُو عَامِرٍ، اجْعَلْهُ فَوْقَ الْأَكْثَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
سرية اوطاس
ـــــــــــــ
هي سرية قادها أبي عامر الأشعري في السنة 8هـ في أعقاب غزوة حنين وقبل غزوة الطائف ضد الفارين من جيش هوازن والذين كان في قيادتهم دُريد بن الصّمة.
حدثت المعركة في منطقة يقال لها أوطاس وأوطاس واد معروف يقع بين حنين والطائف
سبب ارسال السرية أنَّ هوازن لما انهزمت في غزوة حنين ذهبت فرقة منهم، بما فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري، إلى الطائف فتحصنوا بها، بينما توجه بنو غيرة من قبيلة ثقيف نحو نخلة، وسارت فرقة أخرى فتحصنوا بمكان يقال له أوطاس، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الأشعري
لما انصرف من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول الله ﷺ أبا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري. ووقع في الأصل أن أبا عامر ابن عم أبي موسى الأشعري قال في النور وهو غلط، وإنما أبو موسى ابن أخي أبي عامر. فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال: أي تكافؤوا فيه، وبارز أبو عامر تسعة، ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد، أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبى فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه فيقتله. ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر، أي فإنه قال له أسلم فأبى، فقال: اللهم اشهد فقال: اللهم لا تشهد وفرش يديه، فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه، فعاد إلى أبي عامر فقتله ثم أسلم وحسن إسلامه ، وكان إذا رآه يقول: هذا شريد أبي عامر.
قال: وعن أبي موسى الأشعري قال: جئت لأبي عامر وفيه رمق فقلت: يا عم من رماك؟ فقال: ذاك، وأشار إلى شخص من القوم، فقصدته فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت؟ فثبت، فاختلفنا ضربتين فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم فنزعته، فقال: يا بن أخي بلغ النبي ﷺ مني السلام وقل له يستغفر لي، وقال: ادفع فرسي وسلاحي له انتهى، فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله.
وقبل أن يموت أبو عامر استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له. وفي لفظ: أن أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه، ورماه آخر فأصاب ركبته فقتلاه، وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما: أي وفتح الله عليهم، وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا.
ولما رجع أبو موسى إلى رسول الله ﷺ وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله ﷺ وقال: «اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة» أي وفي رواية: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس» ودعا لأبي موسى أي فقال: «اللهم اغفر له ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما».
أمر رسول الله ان يجمع السبي والغنائم الذي اخذها المسلمين من غزوتي حنين وأوطاس أن تجمع، فجمع في منطقة يقال لها الجعرانة إلى أن فرغ من غزوة الطائف وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرون ألفا والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، وكان على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا . قال : فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي - ويعرف بابن الدغنة وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناخ به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ، فقال له دريد : ماذا تريد بي؟ قال أقتلك . قال : ومن أنت؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي . ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئا ، قال : بئس ما سلحتك أمك ، خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ، ثم اضرب به ، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب - والله - يوم منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة قال : لما ضربته فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء . فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا . ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها ، فمن ذلك قولها :
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا فظل دمعي على السربال منحدر لولا الذي قهر الأقوام كلهم
رأت سليم وكعب كيف تأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة
حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر فقتل ، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه فقاتلهم ، ففتح الله عليه ، وهزمهم الله ، عز وجل ، ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته فقتله وقال :
إن تسألوا عني فإني سلمه ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه
قال ابن هشام وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه ، أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة إخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه . فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي . فكف عنه أبو عامر فأفلت ، فأسلم بعد ، فحسن إسلامه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال : " هذا شريد أبي عامر " قال : ورمى أبا عامر أخوان; العلاء وأوفى أبناء الحارث من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه ، وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما ، فقال رجل من بني جشم يرثيهما :
وإن الرزية قتل العلاء وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك كأن على عطفه مجسدا
فلم ير في الناس مثليهما أقل عثارا وأرمى يدا
وقال البخاري : ثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه . قال أبو موسى : وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته ، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته . قال فانتهيت إليه ، فقلت : يا عم ، من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال : ذاك قاتلي الذي رماني . فقصدت له فلحقته ، فلما رآني ولى ، فاتبعته وجعلت أقول له : ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكف ، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ، ثم قلت لأبي عامر : قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم . فنزعته فنزا منه الماء . قال : يا ابن أخي أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ، وقل له استغفر لي . واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ثم مات ، فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل ، وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه ، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله : قل له : استغفر لي . قال فدعا بماء فتوضأ ، ثم رفع يديه فقال : " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " . ورأيت بياض إبطيه ، ثم قال : " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " أو " من الناس " . فقلت : ولي فاستغفر . فقال : " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما " قال أبو بردة : إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما . ورواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن أبي براد عن أبي أسامة به نحوه .
المصادر
ـــــــــــــــ
1- الاستيعاب في معرفة الاصحاب
2- اسد الغابة في معرفة الصحابة
3- الاصابة في تمييز الصحابة
4- سبل الهدى
5- زاد المعاد
6- البداية والنهاية
7- السيرة الحلبية
8- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
9- السيرة النبوية -ابن اسحاق
10- السيرة النبوية - ابن هشام
11- صحيح البخاري
12- مغازي الواقدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق