الجمعة، 21 أغسطس 2020

المراة المسلمة والحضارة/بقلم الكاتب الاديب الراقي /الشاعر المبدع/د. صالح العطوان الحيالي - العراق

المراة المسلمة والحضارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 7-اب 2020
كان لبزوغِ شمس الإسلام، في الجزيرة العربية خاصة وفي المعمورة عامة، أثرٌ واضحٌ في دفع المرأة لتأخذ مكانها الطبيعي في الأسرة والمجتمع البشري على السواء، بعد أن عاشت ردحًا من الزمن مغمورة مقهورة مسحوقة، في بعض المجتمعات - كالمجتمع العربي الجاهلي - وسلعة ممتهنة ومرتعًا للشهوات في مجتمعات أخرى - كالمجتمع اليوناني - فلما بزغ نورُ الإسلام على أهل الأرض، أخذَت المرأة مكانها الحقيقي والفطري في الأسرة والمجتمع بكل جرأة، لا تبالي بالنظرات السلبية التي كانت تَرمقها من أهل الجاهلية، سواء جاهلية العرب في الجزيرة العربية، أو جاهلية الأمم الأخرى التي كانت تتخبَّط في ظلمات بعضها فوق بعضٍ.
ساهمت المرأة المسلمة مساهمة فعالة في الحركة العلمية منذ عصر النبوة إلى الوقت الحالي، فبرزت نساء عالمات، وفقيهات، ومحدثات، ومفتيات، وأديبات، وشاعرات، وفي مجالات الطب والصيدلة والعمل الخيري، والكتابة والدعوة والتعليم،وبناء المداس ودور العلم، ووقف الكتب والمصاحف وغيرها
من سماحة الإسلام وتكريمه للمرأة، لم يفرق بين تعليمها وتعليم الرجل والنصوص كثيرة من هديه صلى الله عليه وسلم قولا و فعلا، فجعل صلى الله عليه وسلم : “طلب العلم فريضة على كل مسلم” . فالخطاب الشرعي حث على التعلم، والتحصيل العلمي، وهذا الخطاب عام يشمل الذكور الإناث مع مراعاة الضوابط الشرعية المعروفة عند أهل العلم، المعلقة بالفروق بين الجنسين.
وقد اهتم المصطفى صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء، وأولاه عنايته، حيث سألت النساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهن يوماً يعلمهن فيه، فأجابهن لذلك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً يلقهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن : “ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها، إلا كان لها حجاباً من النار”، فقالت امرأة : واثنين، فقال : “واثنين”
كانت النساء تحضر مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصلين الصلوات بالمسجد، ويحضرن الجمعة والأعياد فيسمعن ويحفظن، كما كانت الكثيرات من النساء في عصر النبوة يعرفن القراءة والكتابة، ولعل أول امرأة عرفت الكتابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم هي الشفاء بنت عبد الله القرشية .
ومنها تعلمت حفصة أم المؤمنين الكتابة بإقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن الشفاء قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا عند حفصة فقال لي : “ألا تعلمين هذه رقية النملة (النملة قروح تخرج في الجنبين) كما علمتيها الكتابة؟” .
وأول مثال على حرص المرأة المسلمة على التعلم، نراه ماثلاً في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فها هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قد اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة له؛ لتكون معلمة لنساء العالمين قاطبة، فرباها تربية علمية تثبت اهتمام الإسلام بتعليم النساء، فقال الزهري : “لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل”
لم يثبت تاريخيا أن النساء المسلمات لم يتعلمن الكتابة والقراءة، بل الثابت أنّهن كن يعرفنها من الجاهلية، وليس في الإسلام فقط، وهو الذي ركز كثيرا على العلم، وتشتهر أم المؤمنين حفصة بذلك وغيرها من النساء.
ومن الذين اشتهروا بحسن الخط وجودته، وليس بالكتابة فقط، عائشة بنت أحمد القرطبية التي قال عنها المؤرخون : “إنه لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها علما، وفهما وأدبا وعزا، كانت تمدح ملوك الأندلس، حسنة الخط، تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب، وتعنى بالعلم، ولها خزانة علم كبيرة،
تكاد المصادر التاريخية، وكتب التراجم والطبقات تجمع على أن المرأة المسلمة، تعلمت علوما شتى، وأتقنت بعضها، وتخصصت في بعضها حتى أصبحت لا تعرف إلا بذلك الفن الذي أتقنته، ويعود ذلك إما لاهتمامات شخصية، أو بتوجيه من الأهل : الوالد، أو الزوج.
وأكثر العلوم التي كانت محل اهتمام المرأة عبر العصور التاريخية مشرقا ومغربا، العلوم الشرعية : القرآن الكريم، الحديث النبوي، الفقه، والتفسير، القراءات، العقيدة، والتصوف، العلوم اللغوية : من نحو وصرف وبلاغة، والتاريخ، بالإضافة إلى الطب و الفلك و الرياضيات و التمريض و الحساب و غيرها
ول مدرسة ارتادتها النساء للتعلم هو المسجد منذ عصر النبوة، كما كانت حجرات أمهات المؤمنين منارات للإشعاع العلمي والثقافي، فكن يستقبلن النساء، اللواتي يسألن عن أمور دينهن أو يتحملن الحديث والعلم الشرعي بالسند، أو يتعرفن عن أمور تخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ العلم عن عائشة – رضي الله عنها – لوحدها حوالي (299) من الصحابة والتابعين، منهم (67) امرأة.
وهؤلاء كلهم يقصدونها في بيتها، الذي كان مدرسة و جامعة لمختلف العلوم، أما أم سلمة التي اشتهرت بالفقه، فقد روى عنها كثير من الصحابة والتابعين بلغوا حوالي (101)، منهم (23) امرأة.
وتطورت أماكن التعلم مع تطور الحضارة الإسلامية، واختصاص كل مؤسسة بمجال معين، فنشأت المدارس، وكان للنساء مدارس خاصة بهن للتعلم، وخاصة في الحواضر الكبرى، بغداد والشام ومصر والأندلس والمغرب، ويدل على هذا كثرة أوقاف النساء على المدارس ولا يعقل أن توقف امرأة على مدرسة لا تخصص جزء منها أو جناح منها لتعليم للبنات.
أن العديد من مدارس البنات التي كانت تعرف بـ (دور الفقيهات) كانت منتشرة في الكثير من أحياء المغرب، وأن بعض الوجيهات كن يشرفن عليها، انطلاقا من رغبتهن في تعميم المعرفة ونشر الخير والفضيلة في المجتمع.
المصادر
1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب – ابن عبد البر
2-الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر العسقلاني
3-الأعلام : قاموس التراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين – خير الدين الزركلي
4-أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة أنموذجا) – رقية طه جابر العلواني
5-أعلام النساء – رضا عمر كحالة
6- البداية والنهاية – ابن كثير
7- تاريخ ابن خلدون المسمى كتاب العبر و ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر
8- تاريخ حلب المسمى بنهر الذهب في تاريخ حلب، الغزي
9-تاريخ دمشق، الحافظ ابن عساكر
10- تاريخ مختصر الدول، ابن العبري

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق