الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

قصيدة بعنوان((غزوة مؤتة االبداية))بقلم الكاتب الاديب الراقي /الشاعر المبدع/د صالح العطوان الحيالي - العراق

غزوة مؤتة االبداية الأولى لفتح بلاد الروم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق 10اب 2020
من أشهر الغزوات التي غزاها المسلمون في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الميمون هي غزوة مؤتة أو سرية مؤتة كما يطلق البعض عليها
غزوة مؤتة أو سرية مؤتة، جرت الغزوة في جمادي الأول من العام الثامن للهجرة (أغسطس 629 م)
سبب هذه المعركة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى، فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قِبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً، ثم قدمه فضرب عنقه. وقد كان قتل السفراء في تلك الأزمنة من أشد أنواع الجرائم على الإطلاق، وهو دلالة صريحة على إعلان الحرب، بلغ هذا الخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، فغضب غضباً شديداً، وجهز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل مسلم وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع مثله قبل ذلك إلا في غزوة الخندق.
وقد اعطى الراية لزيد بن الحارثة ثم امر ان تعطى لجعفر بن ابي طالب اذا ما استشهد زيد ثم الى عبدالله بن رواحة رضي الله عنهم اجمعين
أعظم معركة دامية خاضها المسلمون في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم -، وشكلت البداية الأولى لفتح بلاد الروم، وكان النبي قد أرسل رُسله إلى ملوك العالم ليدعوهم إلى الإسلام، ومن بينهم ملك بصرى في الشام، أرسل إليه الصحابي الحارث بن عمير الأزدي، ولكنَّ عامل الروم على البلقاء اعترض طريق حامل الرسالة وقبض عليه وقتله، وقد كان قتل الرسول في تلك الحقبة من الزمن من أشنع الأفعال، وعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخبر واشتدَّ عليه الأمر، فأمر بتجهيز جيش من ثلاثة آلاف مقاتل، وعين زيد بن حارثة قائدًا على الجيش، وإن قُتل يستلم القيادة جعفر بن أبي طالب، فإن قُتل جعفر فيأخذ القيادة عبد الله بن رواحة، وأمرهم أن يذهبوا حيث قُتل الحارث، ويعرضوا الإسلام على الناس فإن رفضوا الدخول فيه أن يقاتلوهم، وأوصاهم -عليه الصلاة والسلام قائلًا: " اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بًالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا" ، وعندا انتهى تجهيز الجيش التف الناس حول المجاهدين لوداعهم وعلى وجه الخصوص القادة الثلاثة الذين عينهم نبي الله على الجيش، نظر الناس لهم نظرة الفراق الأخيرة وانطلق الجيش
عند مدينة مؤتة توقف المسلمون، وكان عددهم ثلاثة آلاف، وعدد الغساسنة والروم مئتا ألف. اختار المسلمون بقيادة زيد بن حارثة، الهجوم على البيزنطيين وتم الهجوم بعد صلاة الفجر وكان اليوم الأول هجوما قويا، في صالح المسلمين لأن الروم والغساسنة لم يتوقعوا من جيش صغير البدء بالهجوم. وفي اليوم الثاني، بادر المسلمون أيضا بالهجوم وكان من صالح المسلمين، وقتل كثير من الروم وحلفائهم. أما في اليوم الثالث فقد بادر الروم بالهجوم وكان أصعب وأقوى الأيام وفيه قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحه. واختار المسلمون خالداً بن الوليد قائدا لهم.
وحين وصل الجيش تفاجأوا بأن نصارى العرب والروم قد جهزوا جيشا قوامه مئة الف مقاتل ... تصور مئة الف مقابل ثلاثة آلاف.
اصطف المسلمون في مؤتة وقد اقتربت ساعة الصفر لأشرس موقعة في تاريخ السيرة النبوية، حيث أمواج بشرية هائلة من الرومان ونصارى العرب تنساب إلى أرض مؤتة، ورجال كالجبال من المسلمين يقفون ثابتين في وجه أقوى قوة في العالم آنذاك.
وها هي قد ارتفعت صيحات التكبير من المسلمين، وحمل الراية زيد بن حارثة ، وأعطى إشارة البدء لأصحابه، وقد اندفع كالسهم صوب الجيوش الرومانية، وكان قتالاً لم يشهد المسلمون مثله قبل ذلك.
ارتفع الغبار في أرض المعركة في ثوانٍ معدودات، وما عاد أحد يسمع إلا أصوات السيوف أو صرخات الألم، ولا يتخلل ذلك من الأصوات إلا صيحات تكبير المسلمين، أو بعض الأبيات الشعرية الحماسية التي تدفع المسلمين دفعًا إلى بذل الروح والدماء في سبيل إعلاء كلمة الإسلام.
وقد سالت الدماء غزيرة في أرض مؤتة، وتناثرت الأشلاء في كل مكان، ورأى الجميع الموت مرارًا ومرارًا.
استشهاد زيد بن حارثة
كانت ملحمة بكل المقاييس، سقط على إثرها أول شهيد للمسلمين، وهو البطل الإسلامي العظيم والقائد المجاهد زيد بن حارثة ، حِبّ رسول الله ، سقط مُقبِلاً غير مدبر بعد رحلة جهاد طويلة بدأت مع الأيام الأولى لنزول الوحي.
فكان من أوائل من أسلم على وجه الأرض، وقد صحب الرسول في كل المواطن، وكان هو الوحيد الذي ذهب معه إلى الطائف، ووالله لكأني أراه وهو يدافع بكل ما أوتي من قوة عن حبيبه حتى شُجّت رأسه، وسالت دماؤه غزيرة .
رأيناه في العام السادس من الهجرة يقود السرية تلو السرية في جرأة عجيبة، وكأنه يُعِدّ نفسه لهذا اليوم العظيم، يوم أن يلقى ربه شهيدًا مقبلاً غير مدبر. لا يبكيَنَّ أحد على زيد بن حارثة، فهذه أسعد لحظة مرت عليه منذ خلق.
استشهاد جعفر بن أبي طالب
حمل الراية بعد زيد بطل آخر هو جعفر بن أبي طالب ، ذلك البطل الشاب المجاهد ابن الأربعين عامًا آنذاك، وقد قضى معظم هذه السنوات الخوالي في الإسلام، حيث أسلم في أوائل أيام الدعوة، وقضى ما يقرب من خمس عشرة سنة في بلاد الحبشة مهاجرًا بأمر الرسول ، ثم عاد منها إلى المدينة المنورة في محرم سنة سبع من الهجرة، كان الرسول حينها في خيبر، فلم يَقَرّ له قرار حتى ذهب ليجاهد معه برغبة حقيقية صادقة في البذل والتضحية.
ثم كانت هذه المعركة الهائلة، وقد حمل الراية بعد سقوط أخيه في الإسلام زيد بن حارثة، وقاتل قتالاً لم يُرَ مثله، وأكثر الطعن في الرومان حتى تكالبوا عليه.
كان يحمل راية المسلمين بيمينه فقطعوا يمينه، فحملها بشماله فقطعوا شماله، فحملها بعضضيه قبل أن يسقط شهيدًا، ليأخذ الراية من بعده بطل ثالث، هو عبد الله بن رواحة .
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -كما جاء في البخاري-: "وقفت على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددتُ به خمسين، بين طعنةٍ وضربة، ليس منها شيءٌ في دبره". أي: ليس منها شيء في ظهره؛ يعني أنه قاتل دائمًا من أمام، لم يفر ولو للحظة واحدة .
ومن أرض المعركة إلى الجنة مباشرة، لا يسير فيها، بل يطير بجناحين، فقد روى الحاكم والطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكًا فِي الْجَنَّةِ، مُضَرَّجَةً قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ، يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ"
وروى البخاري أيضًا أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا حيَّا ابن جعفر قال: "السلام عليك يابن ذي الجناحَيْنِ"
فقد أبدل الله جعفر بن أبي طالب بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيله بجناحَيْنِ يطير بهما في الجنة.
حياة جهادية طويلة، والمكافأة هي الجنة.
استشهاد عبد الله بن رواحة
حمل الراية بعد جعفر عبد الله بن رواحة الخزرجي الأنصاري ، ذلك المجاهد الشاب الذي شارك في كل الغزوات السابقة، وجاهد -كما ذكرنا- بسيفه ولسانه، وهو الذي كان يحمِّس المسلمين لأخذ قرار الحرب، وهو الذي كان يتمنى ألاّ يعود إلى المدينة، بل يُقتل شهيدًا في أرض الشام.
حمل الراية، وقاتل قتالاً عظيمًا مجيدًا حتى قُتل في صدره ،
وقد كان من شعره يومئذٍ:
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِـي *** هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صُلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَـدْ أُعْطِيـتِ *** إِنْ تَفْعَلِـي فِعْلَهُمَا هُدِيـتِ
يحدِّث نفسه: إن تفعلي كما فعل زيد وجعفر -رضي الله عنهما- هديت. وبالفعل كان قتاله شديدًا، وجهاده عظيمًا حتى طعن في صدره ، وتلقى الدماء بيديه ودلَّك بها وجهه، وأصيب شهيدًا كما ذكر في مسند أحمد، وسنن النسائي، والبيهقي عن أبي قتادة بسند صحيح.
سقط القادة الثلاثة شهداء ليثبتوا لنا وللجميع أن القيادة مسئولية، وأن الإمارة تكليف وليست تشريفًا، وأن القدوة هي أبلغ وسائل التربية.
فثباتهم -لا شك- كان سببًا في ثبات الجيش الإسلامي، وجهادهم لا بد أنه قد دفع الجيش الإسلامي لأنْ يُخرِج كل طاقته، فما يفر الجنود إلا بفرار القادة، وما تسقط الراية إلا بهوانها على حاملها، لكن في مؤتة ما سقطت راية المسلمين قَطُّ، ولا لحظة من لحظات القتال.
خالد بن الوليد.. القائد الرابع
بعد استشهاد البطل العظيم عبد الله بن رواحة ، حمل الراية الصحابي الجليل ثابت بن أقرم البدريّ (ممن شهد بدرًا) ، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت تحمل الراية. فقال: ما أنا بفاعل. ثم تقدم إلى خالد بن الوليد ، القائد المعجزة، فدفع له الراية، وقال له: أنت أعلم بالقتال مني. فقال خالد -وعمره في الإسلام ثلاثة أشهر- متواضعًا: أنت أحق بها مني، أنت شهدت بدرًا.
فنادى ثابت: يا معشر المسلمين. فاجتمع الناس على خالد، وأعطوه الراية، فحمل خالد الراية، وجاهد جهادًا عظيمًا يُكفِّر به عن العشرين سنة الماضية.
هذا أول مواقفه في سبيل الله، ولا بد أن يُرِي الله منه بأسًا وقوة وجلدًا وإقدامًا، قاتل خالد بن الوليد كما لم يقاتل من قبلُ، حتى قال -كما في صحيح البخاري-: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية"
تسعة أسياف تكسَّرت في يديه وهو يحارب الرومان، فتخيل كم من البشر قتل بهذه الأسياف، ومع ذلك فقد استمر في قتاله يُغيِّر سيفًا بعد الآخر، ويقاتل في معركة ضارية، لكنه ثبت ثباتًا عجيبًا، وثبت المسلمون بثباته .
وعلى هذا الحال استمر القتال يومًا كاملاً، ما تراجع المسلمون فيه لحظة واحدة، وإنما وقفوا كالسدِّ المنيع أمام طوفان قوات التحالف الرومانية العربية، واستمر الحال على هذا الوضع حتى جنَّ المساء. ولك أن تتخيل قتالاً منذ الصباح وحتى المساء، وثلاثة آلاف في مقابل مائتي ألف.
خطة عبقرية !
لم يكن من عادة الجيوش في ذلك الوقت أن تقاتل ليلاً، فكان أن تحاجز الفريقان، واستراح الرومان ليلتهم هذه، لكن المسلمين لم يركنوا إلى الراحة، وإنما كانوا في حركة دائبة؛ فقد بدأ خالد بن الوليد في تنفيذ خُطَّة عبقرية بارعة للوصول بجيشه إلى برِّ الأمان، وكان هدفها إشعار الرومان بأن هناك مددًا كبيرًا قد جاء للمسلمين؛ وذلك حتى يتسلل الإحباط إلى داخل جنود الرومان والعرب المتحالفين معهم، فهم أمْسِ كانوا يتقاتلون مع ثلاثة آلاف وقد رأوا منهم ما رأوا، فكيف إذا جاءهم مدد؟!
ولتنفيذ هذه الخطة قام خالد بن الوليد بالخطوات التالية:
أولاً: جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثيرَ الغبار الكثيف؛ فيُخيَّل للرومان أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين.
ثانيًا: غَيَّر من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا.
ثالثًا: جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار لإشعار الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين.
رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته.
ونجح مراد خالد بن الوليد، وسحب الجيش بكامله إلى عمق الصحراء، ثم بدأ الجيش في رحلة العودة إلى المدينة المنورة سالمًا
أظهرت معركة مؤتة معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرغم من أنَّه لم يخرج مع الجيش إلا أنَّه عَلِمَ بتفاصيل ما كان يجري فيها وبمقتل القادة الثلاثة حيث قال - صلى الله عليه وسلم- ناقلًا ما يحدث في معركة مؤتة لأصحابه في المدينة: "خَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حتَّى أخَذَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم" ، وهذا دليل أنَّ الله قد زوى لنبيه الأرض ليشاهد ما يحدث في المعركة ويصفها لأصحابه، وقد كانت معركة مؤتة من أهم المعارك التي خاضها المسلمون حيث كان لها الأثر الكبير في سمعة المسلمين في الجزيرة العربية
المصادر
1- ابن قيم الجوزية, زاد المعاد
2- ابن حجر العسقلاني, فتح الباري
3- كتاب بيزنطة وأوائل الغزو الإسلامي
4- سيرة بن هشام
5-الرحيق المختوم، المباركفوري

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق