الأحد، 23 فبراير 2020

الفتح الاسلامي في الشام/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د.صالح العطوان الحيالي

الفتح الاسلامي في الشام ..... الجزء الرابع
ــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق-7-1-2020
واصلَ امير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- سلسلة الفتوحات الإسلامية التي بدأها قبله الخلفاء الراشدون، بل وأعاد إحكام السيطرة على بعض المدن الفارسية التي ثارت على الحُكم الإسلاميّ، كما حصل في أذريبيجان، وهمذان، وخرسان، وطبرستان، وغيرها من المناطق التي فُتحت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ رقعة الدولة الإسلامية اتسعت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث تمّ في عهده فتح أرمينية، بعد أن أرهقت الحملات العسكرية المتتالية الأرمن فاستسلموا، بالإضافةِ إلى فتح طرابلس الشام، التي كانت آخر معقل للبيزنطيين على الساحل، والتي كانت تُعتبر منفذاً بحريّاً هاماً لبلاد الشام، ومن الأعمال الهامّة التي حدثت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتح جزيرة قُبرص
الأحداث في عهد عُثمان رضي الله عنه
مُحاولات الروم استرداد البلاد
ــــــــــــــ استطاع البيزنطيّون في سنة 23هـ المُوافقة لِسنة 644م أن يستعيدوا بعض مُدن الشَّام الساحليَّة وأن يتمسكوا بها مُدَّة سنتين، منها بيروت وجُبيل، وقد ساعدهم في ذلك كثرة عدد أفراد الجالية البيزنطيَّة الموجودة في طرابُلس، وهي المدينة التي بقيت تحت السيطرة البيزنطيَّة حتَّى ذلك الوقت، وقد تحصَّن بها البيزنطيّون الذين فرّوا من المُدن الساحليَّة الأُخرى التي فتحها المُسلمون. واتخذ البيزنطيّون طرابُلس قاعدةً للوُثوب على الثُغور البحريَّة الإسلاميَّة بواسطة أساطيلهم المُتفوِّقة على المُسلمين، والتي ما زالت تجوب عِباب البحر المُتوسِّط. نتيجةً لِهذا، ولِضرورة إحكام السيطرة الإسلاميَّة على مُدن السَّاحل الشَّامي، عقد المُسلمون العزم على فتح طرابُلس.
فتح طرابلس الشَّام
ــــــــــــــــــ بعد أن حصل مُعاوية على مُوافقة الخليفة عُثمان بِغزو الجُزر البحريَّة، أرسل سُفيان بن مُجيب الأزدي، والي بعلبك، إلى طرابُلس على رأس جيشٍ كبيرٍ لِفتحها. وكانت المدينة تتكوَّن من ثلاث مُدن مُجتمعة في اللسان الرومي الداخل في البحر، وبها ثلاثة حُصون، وعسكر في مشارفها في مرج السلسلة عند سفح جبل تُربُل شمالي شرقي المدينة على بُعد خمسة أميال منها، وراح يُهاجم البيزنطيين، إلَّا أنَّهُ فشل في تحقيق أي تقدُّم بسبب مناعة التحصينات وإمداد الروم للمدينة بالمؤن عن طريق البحر. ويبدو أنَّ سُفيان أدرك هذه الصعاب، فكتب إلى مُعاوية يطلب منهُ الرأي والمشورة، فأجابه أن يبني له ولعسكره حِصنًا يأوون إليه ليلًا ويغزونهم نهارًا. نفَّذ سُفيان ما أشار عليه مُعاوية فانتقل من المرج وعبر النهر إلى ضفَّته الغربيَّة، واختار مكانًا مُلائمًا يبعُد عن المدينة مسافة ميلين، وبنى فيه حصنًا عُرف باسمه، وراح يُشدِّدُ الضغط على المدينة، ووضع حرسًا على الشواطئ المُحيطة بها لِمُراقبة البيزنطيين، فقطع بذلك الإمدادات عنها، فاضطرَّ سُكَّانها إلى الانتقال إلى الحصن الغربيّ عند رأس الميناء وتحصَّنوا به، وراحوا يُفكرون جديًّا بالنجاة بأنفُسهم وقد يئسوا من طول مُدَّة الحِصار التي امتدَّت أشهُرًا، وبخاصَّةً أنَّ المُؤن قد نفذت منهم، كما عجزوا عن الخُروج للتصدي للقُوَّات الإسلاميَّة، ولم يُنقذهم من هذا الوضع الحرج سوى وُصول سُفن بيزنطيَّة نقلتهم ليلًا وخفيةً إلى الجُزر القريبة الواقعة تحت السيطرة البيزنطيَّة. وهكذا أضحت المدينة خالية ممن يحميها أو يُدافع عنها، فدخلها المُسلمون وسيطروا عليها.
استقبل المسيحيّون الشوام المُسلمين بالترحاب بعد أن انسحب الروم من البلاد، ويرجعُ تقبّل النصارى للمُسلمين إلى عدَّة أسباب، منها الرابطة العرقيَّة والقوميَّة، فهم إمَّا سُريانٌ ساميّون مثل العرب المُسلمون، أو عربٌ من بني جلدتهم تجمعهم صلة الرحم، كما ولَّدت سياسة الإمبراطوريَّة القاضية بِفرض مذهبها على جميع الرعايا سببًا إضافيًّا جعل المسيحيّين اليعاقبة ينفرون منها، ويُفضلون الهيمنة الإسلاميَّة كونها تضمن لهم حُريَّة المُعتقد. وفي هذا السياق يقول ميخائيل السُرياني، بطريرك السُريان الأرثوذكس في القرن الثاني عشر الميلاديّ: «لِأنَّ اللهَ هُوَ المُنتَقِمُ الأَعْظَم الَذِي وَحدَهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيْر، وَالَذِي وَحدَهُ إنَّمَا يُبَدِّلُ مُلْكَ البَشَرِ كَمَا يَشَاءُ، فَيَهِبُهُ لِمَن يَشَاءُ، وَيَرْفَعُ الوَضِيْعُ بَدَلًا مِنَ المُتَكَبِّرُ، وَلِأنَّ اللهَ قَدْ رَأى مَا كَانَ يَقْتَرِفُهُ الرُّومُ مِن أَعْمَالِ الشَّرِ، مِن نَهْبِ كَنَائِسَنَا وَدِيَارَاتِنَا، وَتَعْذِيبِنَا بِدُوْنِ أيَّةِ رَحْمَة، فَإِنَّمَا قَد أَتَى مِن مَنَاطِقَ الجَنُوْبِ بِبَنِي إِسْمَاعِيْلِ، لِتَحْرِرَنَا مِن نَيْرِ الرُّومِ... وَهَكَذَا كَانَ خَلَاصُنَا عَلَى أَيْدِيْهُمُ مِن ظُلمِ الرُّومِ وَشُرُورُهُمُ وَحِقْدِهِم واضطِهَادَاتِهِم وَفَظَاعَاتِهِم نَحْوَنَا». وقد توافق المؤرخون الغربيّون المُعاصرون على إعلان هذا الأمر على أنَّهُ حقيقة، ومن هؤلاء الهولندي دي غوج، والبريطاني ألفرد بتلر، والفرنسي أرنست رينان وعددٌ كبير من سواهم. ويقول دي غوج في بحثٍ لهُ عن الفتح الإسلامي للشَّام أنَّ سياسة الإمبراطور هرقل القاضية بِفرض تعاليم المجمع الخلقيدوني وإثقاله كاهل الشوام بالضرائب جعل هؤلاء الشوام يُدركون أنَّ سُلطان العرب سيكونُ أكثر رحمةً وأشد حرَّيةً لِمُعتقداتهم. كما يقولُ بأنَّ العرب والشوام معًا كانوا يرون في الشَّام، جُزءًا لا يتجزأ، مُكملاً من شبه الجزيرة العربيَّة، ولذلك لم يكن من أثر الفتح الإسلامي الاستيلاء على قطرٍ غريب، الغاية المباشرة منهُ جباية الضرائب من سُكَّانه، وإنَّما تحرير جزء من «الوطن العربي» الذي كان رازحًا تحت «طغيان الاحتلال الأجنبي». ويذهب المُفكّر والباحث اللُبناني إدمون ربَّاط إلى القول بأنَّ السياسة القائمة على عدم الإكراه في الدين إنما هي سياسة إنسانيَّة «ليبراليَّة» استمالت قُلوب المسيحيين إلى الإسلام وجعلت النصارى يُفضلون العيش في ظلِّه، فلِأوَّل مرَّة في تاريخ الشوام عُمومًا والمسيحيين خُصوصًا، خرجت دولة لِفتح بِلادهم دون أن تفرض عليهم اعتناق دينها بالقُوَّة، وذلك في زمنٍ كان يقضي المبدأ السائد إكراه الرعايا على اعتناق دين مُلوكهم، بل وحتَّى على الانتماء إلى الشكل الخاص الذي يرتديه هذا الدين. وأشار آخرون أنَّ لقب «الفاروق» الذي حملهُ عُمر بن الخطَّاب إنَّما لقَّبهُ به المسيحيّون الشوام بسبب عدله وقِسطه ولِتفريقه وحيلولته دون الاقتتال بين الطوائف المسيحيَّة وتقسيمه الكنائس فيما بينهم، وأنَّ المُسلمون رضوا بهذه التّسمية وأخذوها وآثروها من قولهم.
قسَّم عُمر ولاية الشَّام التليدة إلى أربعة أجناد، وهي: جُندُ دمشق، وجُندُ حِمص، وجُندُ فلسطين، وجُندُ الأُردُن (أُضيف إليها لاحقًا جُندُ قنسرين خِلال العهد الأُموي). وأقام المُسلمون في العديد من المُدن في مُعسكراتٍ خاصَّة، وأقام بعضُهم داخل المُدن المفتوحة إلى جانب أهلها من اليهود والنصارى، وتركوهم يُمارسون حياتهم اليوميَّة كما اعتادوا في العهد البيزنطي وحافظ المُسلمون على النُظم الإداريَّة الروميَّة التي كانت تُطبَّق في الشَّام قبل الفتح، لذا بقيت اللُغة اليونانيَّة، وهي لُغة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة الرسميَّة، لُغة التواصل اليومي في الشَّام لِحوالي 50 سنة، عندما استُبدلت النُظم الإداريَّة الروميَّة بِنُظمٍ جديدة مُعرَّبة نجم عنها استعرابُ البلاد بشكلٍ تامٍ مع مُرور الوقت.
المصادر
ــــــــــــــ
1- طقّوش، مُحمَّد سُهيل تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة
2- صحيح مُسلم » كتاب الفتن وأشراط الساعة » باب ما يكونُ من فتوحات المُسلمين قبل الدجَّال
3- المسعودي، مُرُوجُ الذهب ومعادنُ الجوهر
4- ابن الاثير - الكامل في التاريخ
5- .ابنُ سعيدٍ الأندلُسيّ نشوة الطرب في تاريخ جاهليَّة العرب
6- اليعقوبي - تاريخ اليعقوبي
7 - ابن هشام - السيرة النبوية
8- الطبري - تاريخ الرسل
9- الواقدي -المغازي
10- البلاذري - فتوح البلدان
11- الازدي - فتوح الشام
12- سويد ياسين - معارك خالد بن الوليد
13- اين عساكر - تاريخ دمشق
14- ابن خياط - تاريخ خليفة بن خياط
15- ابن كثير - البداية والنهاية
16- كمال احمد عادل - الطريق الى المدائن
17- ابن سعد - الطبقات الكبرى
18. الواقدي. فتوح الشام .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق