الأحد، 23 فبراير 2020

الداهية والجواد الصحابي/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د صالح العطوان الحيالي - العراق- 29-1-2020

الداهية والجواد الصحابي قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الانصاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 10-1-2020
قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ، الأمير المجاهد ، أبو عبد الله ، سيد الخزرج وابن سيدهم أبي ثابت ، الأنصاري الخزرجي الساعدي ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه . خادم النبي وحاجبه وصاحب لوائه فهو ابن الصحابي سعد بن عبادة زعيم الخزرج، وأمه فكيهة بنت عبيد بن دليم الخزرجية، فهو سلسل بيت من أعرق بيوت العرب وأجودها. كنيته: أبو الفضل، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الملك.
كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم ..وكانوا يقولون : " لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا " ..ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم .
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة ..
قيس بن سعد بن عبادة ..من أجود بيوت لعرب وأعرقها .. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام :" ان الجود شيمة أهل هذا البيت " ...
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب ". .
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن .
حين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا : " هذا خادمك يا رسول الله " ..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح .. فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما ..
يقول أنس صاحب رسول الله : " كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير " ..
حين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب .. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية .. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب " ...
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا ... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا .. وكان الناس يومئذ يقولون : " من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة " ...
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس ..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح ..
تحّدث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا : " لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه "..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا : " من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب .. يبخلان عليّ ابني "..
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا .. وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال : " انا لا نعود في شيء أعطيناه " ..
لما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام ..لكأنه المعنيّ بقول الشاعر :اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين ...تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ ..وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى ..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء .. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة، تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه ..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات ...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده ..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة، انما يكوّنه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق ...
سرية قيس بن سعد إلى صداء
ــــــــــــــــــ
بعث صلى الله عليه وسلم قيس بن سعد بن عبادة،" الخزرجي الصحابي، ابن الصحابي، الجواد ابن الجواد "إلى ناحية اليمن"؛ لأنه كما قال ابن سعد: لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثا إلى اليمن، فبعث المهاجرين أبي أمية إلى صنعاء، وزياد بن لبيد إلى حضرموت، وهيأ بعثا استعمل
في أربعمائة فارس، وأمره أن يقاتل قبيلة صداء ( صداء، حي باليمن، وقال ياقوت: صداء-بالضم والمد-: مخلاف-بلد- باليمن، بينه وبين صنعاء، اثنان وأربعون فرسخا، سمي باسم القبيلة.) ، حين مروره عليهم في الطريق فقدم زياد بن الحارث الصدائي، فسأل عن ذلك البعث فأخبر، فقال: يا رسول الله أنا وافدهم فاردد الجيش، وأنا لك بقومي، فردهم النبي صلى الله عليه وسلم من قناة.
وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما فأسلموا
وفاته
ــــــــــ
في المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روّض الاسلام دهاءه ..
مات الرجل الذي كان يقول : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة " ..
أجل .. ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق ...
المصادر
ـــــــــــ
1- ابن سعد: الطبقات الكبرى
2- ابن يونس: تاريخ ابن يونس المصري
3- الكندي: الولاة والقضاة،
4- أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة .
5- ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب .
6- الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد
7- ابن عساكر: تاريخ دمشق .
8- ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة
9- المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال،
10- الذهبي: سير أعلام النبلاء .
11- ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة
12- خالد محمد خالد: رجال حول الرسول
13- الواقدي -المغازي
14-البداية والنهاية لإبن كثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق