الأحد، 23 فبراير 2020

الصحابي غالب بن عبدالله//بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د.صالح العطوان الحيالي

الصحابي غالب بن عبدالله بن مسعر الكلبي الليثي
ــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 8-2-2020
غالِبُ بن عَبْد اللّه بن مِسْعر بن جَعْفر بن كلب بن عَوْف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي
سرايا قادها غالب بن عبدالله الليثي
السَّرِيَّةُ الْأُولَى
ـــــــــــــ كانت في شهر رمضان سنة سبع إلى أهل الميفعة بناحية نجد، وهي على ثمانية برد من المدينة، خرج إليها في مئة وثلاثين رجلًا، فهجموا على أهلها في مساكنهم، وقتلوا من تصدى لهم، واستاقوا النعم والشاء، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) نهيك بن مرداس الأسلمي، وقيل الغطفاني، بعد أن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلامه النبي ﷺ فقال: إنما قالها تعوذًا من القتل، قال: «هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟»، قال أسامة: لن أقتل بعده من قالها، وفي ذلك نزل قوله (تعالى): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية، وورد أن النبي ﷺ دفع الدية إلى أهله، وأمر أسامة أن يعتق رقبة.
عث رسول الله ﷺ غالب بن عبد الله الليثي في مائة وثلاثين رجلا لبني عوال وبني بن ثعلبة بالميفعة، ودليلهم يسار مولى رسول الله، فهجموا عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم، فقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا نعما وشاء، ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، وهو مرداس بن نهيك. وفي سيرة الحافظ الدمياطي نهيك بن مرداس، والأول هو الذي في الكشاف، وقال له النبي: «هلا شققت عن قلبه أصادق هو أم كاذب؟ » فعن أسامة : «بعثنا رسول الله، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما أعييناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا على رسول الله ﷺ قال: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: إنما قالها متعوّذا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» أي تمنيت أن أكون أسلمت اليوم فيكفر عني ما صنعت، قال: كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية، وقد تبع في ذلك ابن سعد.
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة، وسيأتي عن أسامة «بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحرقة من جهينة، فصبحناها، فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم، فتبعته أنا ورجل من الأنصار، فرفعت عليه السيف، فقال لا إله إلا الله» وزاد في رواية: «محمد رسول الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام، حتى قدمت على رسول الله ﷺ فقبلني واعتقني» قال بعضهم: «كان إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه، ويحب أن يثنى عليه خيرا، فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون رسول الله ﷺ ويقولون: يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل، فقال الرجل لا إله إلا الله، فشد عليه أسامة فقتله وهو يعرض عنهم، فلما أكثروا عليه رفع رأسه الشريف لأسامة فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فقال أسامة : إنما قالها خوفا من السلاح» وفي رواية: «إنما كان متعوّذا من القتل، قال أسامة : ولا زال رسول الله ﷺ يكرر عليّ حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يومئذ» انتهى.
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله ﷺ وكان عليها غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه. فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه، فأخبر رسول الله ﷺ بذلك فوجدوا وجدا شديدا وقال: قتلتموه إرادة ما معه، ثم قرأ الآية على أسامة، فقال: يا رسول الله استغفر لي، قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي وقال: أعتق رقبة، وسيأتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد.
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو أربعة، وكون يسار مولى رسول الله ﷺ كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين، فقد تقدم أنهم قتلوه ثم رأيته في النور قال: ولعل هذا غير ذاك، لكن لم أر له ذكرا في الموالي إلا أن يكون أحد موالي أقاربه فنسب إليه، ومن ثم لم يشهد أسامة مع علي كرم الله وجهه قتالا، وقال له: لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها، ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله ﷺ حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد أن لا إله إلا الله وقلت له: أعطي الله عهدا أن لا أقتل رجلا بقول لا إله إلا الله، والله أعلم.
قالوا عن السرية
اسألي يا نجد أهل الميفعة كيف أمسوا بعد أمن ودعهْ
وانظري ما صنع الكفر بهم من أذى يعجبه أن يصنعهْ
هو صنو الشرِّ أو توأمه ما ثوى في موطن إلا معهْ
ما الذي يعصمهم من غالب جذوة الحرب وليث المعمعهْ؟
جاءهم يقدم من أبطاله كلُّ ماضٍ لا يبالي مصرعه
يمنع الإسلامَ من أعدائه بدم يأبى له أن يمنعهْ
لو تمشَّى الموت في بردته حين يمشي للوغى ما روَّعهْ
أخذوهم أخذة رابية صادفت منهم نفوسًا فزعهْ
ثم آبوا كالنجوم الزهر في نعمة مما أصابوا وسعهْ
•••
يا ابن زيد قدِّم العذر وقل يا رسول الله هل من تبعهْ؟
رجل أجمع أن يخدعني فجعلت السيف يعلو أخدعهْ
أعلن الإسلام يحمي دمه وله بالكفر نفس مولعهْ
قال هل شق الفتى عن قلبه فيرى السر ويدري موضعهْ
يا ابن زيد يا له من خلق لست بالمؤمن حتى تدَعَهْ
ساءه اللوم فقلب آسف يتقي الله ونفس موجعهْ
تاب ممَّا سوَّل الظن له وأباها سنة مبتدعهْ
ليس للمرء من الأمر سوى ما رآه ظاهرًا أو سمعهْ
وخفايا الغيب لله الذي يعلم السر ويدري موقعهْ
احترس ما الظن إلا شبهة تتَّقيها كل نفس وَرِعهْ
واتبع الحق فهذا حكمه جاء في القرآن كيما تتبعهْ
•••
ما سبيل المرء يرتاد الهدى كسبيل المرء يبغي المنفعهْ
ما نأى المؤمن عن عادته حين ينأى عن هوان وضعهْ
قالو في السرية
ــــــــ
قال الواقدي : حدثني أفلح بن سعيد ، عن بشير بن محمد ابن الذي أري الأذان عبد الله بن زيد ، قال : كان مع غالب بن عبد الله : أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ، وكعب بن عجرة ، وعلبة بن زيد . فلما دنا غالب منهم بعث الطلائع ثم رجعوا فأخبروه فأقبل يسير حتى إذا كان بمنظر العين منهم ليلا وقد احتلبوا وهدأوا ، قام فحمد الله وأثنى عليه وأمر بالطاعة ، قال : وإذا كبرت فكبروا ، وجردوا السيوف . فذكر الحديث في إحاطتهم بهم . قال : ووضعنا السيوف حيث شئنا منهم ، ونحن نصيح بشعارنا : أمت أمت . وخرج أسامة فحمل على رجل فقال : لا إله إلا الله . وذكر الحديث .
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني شيخ من أسلم ، عن رجال من قومه ، قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث ، إلى أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليف لهم من الحرقة فقتله أسامة . فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جده أسامة بن زيد ، قال : أدركته ، يعني مرداسا ، أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السيف قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه السيف حتى قتلناه . فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره ، فقال : " يا أسامة من لك بلا إله إلا الله " ؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل . قال : " فمن لك بلا إله إلا الله " فوالذي بعثه بالحق ، ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن . وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله .
وقال هشيم : أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو ظبيان ، قال : سمعت أسامة بن زيد يحدث ، قال : أتينا الحرقة من جهينة ، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله . قال : فكف عنه الأنصاري ، وطعنته أنا برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقال : أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ، ثلاث مرات . قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذا ، قال : فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ . متفق عليه .
وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن مسلم بن عبد الله الجهني ، عن جندب بن مكيث الجهني ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوح بالكديد ، وأمره أن يغير عليهم ، وكنت في سريته . فمضينا حتى إذا كنا بقديد ، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال : إني إنما جئت لأسلم . فقال له غالب : إن كنت إنما جئت لتسلم فلا يضرك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك . قال : فأوثقه رباطا وخلف عليه رويجلا أسود ، قال : امكث عليه حتى نمر عليك ، فإن نازعك فاحتز رأسه ، وأتينا بطن الكديد فنزلناه بعد العصر . فبعثني أصحابي إليه ، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر ، فانبطحت عليه ، وذلك قبل الغروب . فخرج رجل فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته : إني لأرى سوادا على هذا التل ما رأيته في أول النهار ، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك . فنظرت فقالت : والله ما أفقد شيئا . قال : فناوليني قوسي وسهمين من نبلي . فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني ، أو قال : في جنبي ، فنزعته فوضعته ولم أتحرك ، ثم رماني بالآخر ، فوضعه في رأس منكبي ، فنزعته فوضعته ولم أتحرك . فقال لامرأته : أما والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان زائلا لتحرك ، فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما ، لا تمضغهما علي الكلاب .
قال : ومهلنا حتى راحت روائحهم ، وحتى إذا احتلبوا وعطنوا وذهب عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقلنا من قتلنا واستقنا النعم فوجهنا قافلين به ، وخرج صريخ القوم إلى قومهم ، قال : وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث بن مالك بن البرصاء وصاحبه ، فانطلقنا به معنا . وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به ، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قديد ، بعث الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا خالا ، فجاء بما لا يقدر أحد يقدم عليه ، لقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يقدر عليه ، ونحن نحدوها . فذهبنا سراعا حتى أسندناها في المشلل ، ثم حدرنا عنه وأعجزناهم .
السَّرِيَّةُ الثَّانِيَةُ
ـــــــــــــ كانت إلى بني الملوح بالكديد — اسم ماء بين عسفان وقديد — خرج إليها في صفر من السنة الثامنة، وكان من رجال هذه السرية جندب بن مكيث الجهني (رضي الله عنه) قال: لما بلغوا قديد وجدوا الحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء فأخذوه، فقال: إني جئت أريد الإسلام وما خرجت إلا لرسول الله ﷺ، فقالوا: إن تكن مسلمًا فلن يضرك رباط يوم وليلة، ثم وضعوا عليه حارسًا، وأمروه أن يقتله إذا ظهر منه سوء، وساروا حتى أتوا الكديد، فجعله أصحاب جندب بن مكيد ربيئة لهم، فأشرف على رأس تل فرآه رجل من بني الملوح فرماه بسهمين، وقع الأول بين عينيه فنزعه، والثاني في منكبه فكذلك، ثم نام القوم فحمل المسلمون عليهم سحرًا، فقتلوا منهم من قتلوا واستاقوا النعم، واستصرخ القوم، فاجتمع عدد كثير وحملوا على المسلمين، فأرسل الله السيل في الوادي، وادي قديد، من غير سحابة ولا مطر فحال بينهم، وأسلم ابن البرصاء وهو صحابي توفي آخر خلافة معاوية.
بني الملوَّح لا حامٍ ولا واقِ طاف الردى وتلاقى الشرب والساقي
أتتكم المرهفات البيض زائرة فاستقبلوها بهامات وأعناق
مشى بها غالب في غير ما وهن يلفُّ للحرب آفاقًا بآفاق
رمت به همم الإيمان ممعنة فالشرك يرجف من خوف وإشفاق
ما خطب هذا الذي لاقت فوارسه عند القديد أيمضي غير معتاق؟
كلَّا فإن يكُ حقًّا ما يقول فما فيما يريدون من ظلم وإرهاق
يقيم حتى يعودوا ثم يصحبهم إلى الرسول على عهد وميثاق
وإن يكن كاذبًا فالسيف صاحبه والسيف صاحب صدق غير مَذَّاق
•••
جاءوا «الكَدِيد» فما يعفَى ربيئتهم والنوم يلهو بأجفان وأحداق
ولاح بالليل فوق التلِّ منظره لساهر قام من ذعر على ساق
رمى بسهمين لم يُخطئ له نظر ولم يُجاوزه في نزع وإغراق
انزعهما ابنَ مكيث لا تكن جزعًا ولا تُرَعْ لدم في الله مهراق
ويا سيوف رسول الله لا تدعي للعاكفين على الأصنام من باق
النازلين وراء الحق منزلة ما اختارها غير فُجَّار وفساق
ما ينكرون من الدين الذي كرهوا؟ هل جاء إلا بآداب وأخلاق؟
دين السجايا العُلَى تمضي بهم صعدًا ما تستطيع مداها همة الراقي
دين هو الغلُّ ينهى كل مبتدع يرمي النفوس بأغلال وأطواق
لا يحبس النفس إلا حين يطلقها وليس يظلم في حبس وإطلاق
•••
بني الملوح ردُّوا من غوايتكم فالحقُّ ذو وضَح بادٍ وإشراق
هو الشقاء لأدواء النفوس إذا حار الطبيب وأمسى رهن إخفاق
أتصدِفون عن المثلى وقد هتفت بها الدعاة فلبَّى كل سبَّاق؟
لولا العمى ما اقتديتم في ضلالتكم بمعشر من قريش غير حُذَّاق
والناس من زعماء السوء في خبَل يؤذي الطبيب ويُعيي حكمة الراقي
يا ويلكم إن رضيتم جوف مُظلمة مسجُورة ذات أطواء وأعماق
ماذا صنعتم بخيل الله حين دعا يستصرخ الحيَّ منكم كل نعَّاق؟
طارت بكم غارة حرَّى فأطفأها وادي قديد بسيل منه دفَّاق
لا تنكروا وقضاء الله يرسله ما كان من دهش جم وإطراق
أعظِمْ بها آية لولا جهالتكم كانت لخير البرايا خير مصداق
سيقت لنصرته الأقدار تمنعكم أن تدركوا جنده كل منساق
وأنا يا أيها المُزجي مطيَّته إلى الرسول يوالي سير مشتاق
أصبت من نعمة الإسلام كنز هدى أغناك ربك منه بعد إملاق
فاسعد برزقك واشكر مَن حباك به سبحانه من عظيم الفضل رزاق
السَّرِيَّةُ الثَّالِثَةُ
ــــــــــــــ لما عاد غالب بن عبد الله الليثي (رضي الله عنه) من الكديد أرسله النبي ﷺ إلى موضع مصاب أصحاب بشير بن سعد «بفدك» في صفر سنة ثمان، ومعه مئة رجل، فأغاروا على بني مرة فقتلوا وغنموا، وكان بشير (رضي الله عنه) قد سار إليهم في شعبان سنة تسع ومعه ثلاثون رجلًا، فما رأوا منهم أحدًا وعادوا بالنعم والشاء، فأدركوهم وجعلوا يرمونهم بالنبل، فقتل من قتل وولى الباقون إلا بشيرًا، فقد ثبت لقتالهم حتى جرح فسقط وبه رمق، وعمد القوم إلى اختباره بضربة في كعبه فلم يتحرك، فظنوا أنه قد مات، وانصرفوا عنه لنعمهم وشائهم، فتحامل هو فذهب في الليلة التالية إلى فدك، فأقام فيها عند بعض اليهود حتى قوي ثم عاد إلى المدينة بعد أيام.
بني مرة اقضوا أمركم قبل غالب وذوقوا منايا القوم من كل ذاهب
بشير بن سعد والذين أصابهم أذاكم رمَوكم بالقروم المصاعب
جهلتم جزاء البغي والبغي مركب لذي الجهل يؤذي شؤمه كل راكب
خذوا جزاء من يد الله عادلًا يدمر منكم كل راضٍ وغاضب
بليتم بخصم لا تنام سيوفه عن الوتر إن نامت شفار القواضب
أبيٍّ على الكفار يسقيهم الردى ويأخذهم بالخسف من كل جانب
حفيٍّ بدين الله يمنع حوضه ويكفيه أضغان العدوِّ المشاغب
هو الدم لا يشفي من الجهل غيره إذا لم يُفِدْ فيه ضروب التجارب
أجل يا ابن عبد الله إن الوغى لها رجال يرون الحزم ضربة لازب
شددت قوى الأبطال بالموثق الذي عقدتَ على تلك القوى والجواذب
فعهد على عهد من الله ثابت وإلف على إلف من الدين راتب
أخ لأخ جمُّ الوفاء وصاحب أمين الهوى يرعى الذمام لصاحب
ويا لك إذ تُلقِي بما أنت قائل على الجند آداب الكميِّ المحارب
أخذت رماة النبل بالسيف ما رمى بغير المنايا عن يدي كل ضارب
سقاهم نقيع الحتف من كل ماجد جرى الحتف صرفًا في دمٍ منه ذائب
لذي الحلم من حسن المثوبة ما ابتغى وللجاهل المغرور سوء العواقب
دعاك رسول الله أصدق من دعا إلى الحق ترمي دونه غير هائب
فكنت أمام الجيش أكرم قادم وكنت وراء النهب أكرم آيب
مقام تمنَّاه الزبير ومطلب يراه الفتى المقدام أسنى المطالب
ظفرت به يا توأم النصر توأمًا لما نلت من مجد على الدهر دائب
مضى لك يوم في الكديد مشهَّر يحدِّث عن جد امرئ غير لاعب
فيا حسنها من وقعة غالبية ويا لك من يوم جليل المناقب
وفاته
يقالر أنه شهد فتح مكة وسهل لهم الطريق , وقال ابن الكلبي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني مرة بفدك فاستشهد دون فدك
المصادر
ـــــــــ
1- السيرة الحلبية
2- سير اعلام النبلاء
3- المغازي للواقدي
4- صحيح البخاري
5- تاريخ الطبري
6- الاصابة لابن حجر
7- ابن اسحاق المغازي
8- الاستيعاب في معرفة الاصحاب
9- الطبقات الكبرى لابن سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق