الجمعة، 10 يناير 2020

الفصل الثاني من رواية حزقيل عجبو/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/على الحسينى المصرى

الفصل الثاني من رواية حزقيل عجبو
كثيرين برغم طفولتهم السعيدة لم يدركوا وهم أطفال قيمة تلك السعادة وربما احسوا بالتعاسة وهم أطفال في الوقت الذي كان يجب أن يحسوا فيه انهم سعداء وكم تمنوا وهم سارحين ومطرقين بعيدا في عالم آخر أن يصبحوا شبابا ومن ثم يقودون حياتهم ويتحكمون فيها كما يريدون وكما تشتهي أمانيهم واهؤاهم فكم ارقهم وعذبهم ذلك الصوت الذي يصرخ بداخلهم مطالبا بالحرية ولا أقسى على الإنسان ولا أضل من صراخ الأماني والأهواء في نفسه لأنها تؤجج الشهوات والمشتهيات في النفس وتضل الإنسان وتعميه عن كثير من الحقائق وأهم هذه الحقائق حقيقة هي أهم الحقائق
وهي أن كل يوم ينتهي من حياتنا يقربنا نحو الكبر والتقدم في السن هو أيضا من يقربنا للشيخوخة والموت والفناء ولكننا عندما نكون صغار نقول ليس مهما مرور مرحلة الطفولة سريعا ولكن الأهم أن نصل للشباب فنحظي بكل ما تمنينا من حرية وحب وسعادة وطبعا رأينا هذا هو رأي محكوم بالاشتهاء والتمرد والبطر والتطلعات والطموح
وقصر النظر ونحن لم نكتشف ولن نكتشف ذلك إلا بعد أن يغزو الشيب مفرقنا و يبدو أن هذا سنة في كل الصبايا والأطفال
وربما أدركنا قبل ذلك أن القيود تنتهي لتبدأ قيود أخرى أكثر صرامة وربما تكون أكثر اذلالا وظلما وان قيود الطفولة كانت قيود حريرية ناعمة فيها من حب وحنان وعدل الكبار الكثير الذي سنفتقده في باقي عمرنا مما سيجعلنا فيما بعد
مملؤين بالشجن الذي وان سكن في اغلب الايام تأتي أياما جارحة و تجعله يعاودنا فيصيبنا بالارتعاش والوجوم والارتجاف مما يجعلنا نختبا تحت الاغطية أو ننكمش في أماكننا ونذهب في ثبات عميق وربما نتذكر ايام من ايام
الطفولة فتصيبنا بثورة عارمة وتشعل دمائنا بالغضب وربما تصيبنا تلك الذكرى بالخجل وتصرخ بداخلنا الثوائر تلومنا وتسألنا كيف صبرنا على كل هذا الذل والظلم والألم ولماذا لم ننتفض مقاومين ومعارضين ولكن سرعان ما يتكلم
صوت بداخلنا فيقول كم كنا ضعاف فصرنا أقوياء وكم كنا أذلة فأعزنا الله ولكن هل هجرنا الخوف ومن المسؤل عن هذا الخوف
نحن ام الناس ام الايام ام الألام المصيرية والأقدار
عندما كان حزقيل صغيرا كان يعاني من عدم قدرته على القراءة والكتابة وكان والده فقيرا لا يستطيع أن يعطيه دروسا خصوصية ذلك أن عمل الرجل كحداد في هذا الوقت كان قد أصابه بعض الركود الموسمي
وكانت معلمة الطفل سيدة قاسية كانت تشبعه ضربا كلما رأته وتسخر منه وتجعله مسخة امام زملاؤه ولقد أدى ذلك لتغيب الطفل الصغير عن المدرسة وبالكاد استطاع والده ووالدته باقناعه بمعاودة الذهاب للمدرسة مرة أخرى ولكن إدارة المدرسة كانت قد اتخذت ضده إجراءات الفصل بالفعل ولكن الرجل كان لازال لديه بعض الأمل في ضمائر الآخرين ولم يكن يظن أنه يمكن أن تسمح ضمائرهم بافساد مستقبل طفل من أجل تغيبه عدة أيام عن المدرسة بسبب الخوف الذي أصابه من عنف مدرسته وعلى ذلك اخذ الرجل ولده وذهب إلى المدرسة في الصباح وهو يحدوه الأمل أن يرجع الطفل مرة أخرى إلى مدرسته ويستأنف دروسه ولكن بمجرد وصوله ومحاولة الحديث معهم اخبروه انه قد تم فصل الطفل حزقيل عجبو عبد المولى من المدرسة لكثرة تغيبه وهذا أمر لا رجعة فيه ولقد اخذ الرجل يرجوهم أن يسامحوا الطفل ولكن لا حياة لمن تنادي وكم كان موقف الرجل مهينا وهو يستسمح المدرسين والناظر في الطابور الصباحي أمام التلاميذ ولكنهم كانوا جميعا مصرين على فصل الطفل وكان أول من أخبره بهذا المعلمة التي أدى عنفها وفظاظتها مع الطفل لأن يكره الطفل المدرسة وينقطع عنها ولقد قالت للرجل بكل جفوة وتكبر وعدم احساس بالمسؤولية، - خود ابنك لو سمحت وامشي لأن ابنك غبي
ومش هينفع في مدارس دور له على صنعة يتعلمها احسن
وعبثا حاول الرجل فلقد ذهبت كل توسلاته هباء ولم يستجب له أي أحد ولكن الطفل صرخ في والده قائلا لماذا ترجوهم يا أبي انا لا أريدهم ولا اريد مدرستهم ولقد حاول الوالد إسكات الطفل بأن وضع يده على فمه في حنو وهو يقول له اسكت ارجوك يا ولدي ولكن الطفل نزع يد ابيه وقال وعينه قد امتلئت بالدموع بل ارجوك انت يا والدي لا تذل نفسك لهؤلاء الناس عديمي الرحمة من اجلي وهكذا اخذ الرجل ابنه ومضي
في انكسار وحسرة ولقد أدرك أن ما منع ابنه من المدرسة لم يكن الخوف وإنما كان احساس الطفل بالذل والظلم والمهانة
وفي الجامع المجاور لبيت عجبو الحداد وبعد صلاة الظهر حكي الرجل كل ما حدث له للشيخ عبد العليم شيخ الجامع الذي هدا من روعه ووعده أن يذهب معه لناظر المدرسة وان يرجوه آن يغير رأيه في مسألة فصل الولد،-
ا ولكن الوالد أخبر شيخ الجامع انه لم يعد يأمن على ابنه
في تلك المدرسة ولا اي مدرسة أخرى من المدارس العامة وأنه يريد فقط أن يتعلم ابنه القراءة والكتابة وأمور دينه وان يحفظ بعضا من سور القرآن الكريم وهنا لمحت في ذهن الشيخ عبد العليم فكرة فقال لعجبو ما رأيك أن أعلم انا حزقيل مبادئ القراءة والكتابة وان يقوم الشيخ عبد المنعم الأعمى بتحفيظه القرأن ثم استطرد الشيخ عبد العليم قائلا ما رأيك يا عجبو فقال الرجل لا مانع ولكن عليكما انت والشيخ عبد المنعم أن تخبراني بأجركما فنظر الشيخ عبد العليم نظرة المعاتب لعجبو قائلا اما عن نفسي فأنت تعلم اني لا احتاج اي أجر لأني موظف بالأوقاف وأجرى يكفيني والحمد لله وعيب على أن أخذ أجر على تعليمي لأبن اخي القراءة والكتابة ولكن الشيخ عبد المنعم هو رجل كفيف وصاحب عيال وهو أحوج للأجر مني ولقد حاول
عجبو أن يعترض ولكن الشيخ عبد العليم أشار له بالسكوت فسكت الرجل خوفا من ان يغضبه وهو الذي كل همه أن يساعده
وان يقف بجوار ابنه واستطرد الشيخ عبد العليم قائلا لنبدأ إذن من الغد بعون الله وبركته وعليك أن ترسل لي كل يوم حزقيل بعد صلاة العصر فأدرس له حتى أذان المغرب ثم نحدد له فيما بعد كيف ستكون مواعيده مع الشيخ عبد المنعم ربما بعد أن يجيد بعض الكتابة والقراءة كي يساعده ذلك على حفظ القرآن الكريم وبالفعل واظب الصبي الصغير على لقاء الشيخ عبد العليم
الذي كان نعم المعلم والأب الحنون له ولقد حقق الصبي في غضون شهرين ما لم يستطع أن يحققه في سنة خلال وجوده في المدرسة فلقد أتقن القراءة والكتابة والأكثر من ذلك أصبح
مواظبا على الصلوات لا يتخلف عن مواعيدهم أيا كان الأمر ولقد حدث أن توطدت بينه وبين الشيخ عبد المنعم صداقة فريدة من نوعها ذلك أن حزقيل كان يرفق بالشيخ ويقوده بمجرد دخوله من الباب الجامع ويتحسس الطريق له كي لا يتعثر الشيخ وكان الشيخ عبد العليم يحب عبد المنعم الأعمى
وبعزه بطريقة لا توصف ولذلك كان يقوده هو وتلميذه الجديد حزقيل عجبو حتى منزله عقب كل صلاة وكانا يتحدثان أثناء المشي وعبور الطريق ويشركان حزقيل معهما في الحديث وربما كان يتندر كل منهما على الآخر فيضحك حزقيل منهما هما الاثنان وفي يوم أثناء مشيهم في الطريق معا عقب الخروج من الصلاة قال الشيخ عبد المنعم للشيخ عبد العليم انا غضبان منك يا شيخ عبد العليم وزعلان منك قوي فقال عبد العليم بحسن نيه ليه خير يا شيخ عبد المنعم فرد عبد المنعم بخفة ظله المعتادة ألم تعدني يا رجل أن تعلمني علم الميكانيكا فقال له الشيخ عبد العليم متى هذا يا رجل لم يحدث ذلك فقال الشيخ عبد المنعم مؤكدا بل حدث عندما كنا نشاهد المسرحية اياها وغني محمود الجندي انا عاوزة اتجوز ميكانيكي فقلت لك اريد ان اذهب لمدرسة الميكانيكا إذا كانت الحسناوات تفضل زواج الميكانيكي دون غيره فقلت لي سوف أسعى للتقديم لك في مدرسة الميكانيكا فضحك الشيخ عبد العليم وقال ما زلت أسعى لك فاسعي انت بقى على بيتوكو فقال الشيخ عبد المنعم خسئت إذن فلقد كنت تخدعني فوضع الشيخ عبد العليم يده على فمه يكتم ضحكاته وهو يقول طب ااقول له ده ايه بقااااا؟؟!
ولكن حزقيل وكان حاضرا المزاح بينهما رد قائلا لا تغضب يا مولانا أعدك عندما أكبر أن أتعلم الميكانيكا ثم أعلمها لك فقال الشيخ عبد العليم يا بني دا الشيخ عبد المنعم مش عاوز يتعلم ميكانيكا دا مقامه علم الاستاتيكا فانفجر الشيخ عبد المنعم ضاحكا وهن يقول أخص إلهي يخيبك من شيخ ثم استطرد قائلا لا تسمع يا حزقيل لهذا الماكر الماجن ولم يفطن الصغير لما عناه الرجلين من مداعبة أحدهما الآخر واستطرد الشيخ عبد المنعم قائلا في جد اختلط بالمزاح ولكن قل يا ولد حزقيل يا ابن ابا حزقيل ألم يأن لك أن تحفظ القرآن الكريم فقال حزقيل
طبعا انا أتطلع ذلك واتشوق لحفظ القرآن يا مولانا فقال الشيخ وما يمنعك فقال الولد لم يأذن لي ابي ولا معلمي الشيخ عبد العليم بذلك فوجه الشيخ عبد المنعم كلامه للشيخ عبد العليم قائلا ما رأيك يا عبد العليم في ذلك الكلام فرد عبد العليم نعم حزقيل صادق يا مولانا وسبحان الله كنت أريد أن أحدثك في ذلك الأمر اليوم ولكنك سبقتني عمرك أطول من عمري فرد الشيخ عبد المنعم ممازحا انا أطول منك في كل شئ يا ولد عليك أن تعترف بذلك فضحك عبد العليم ضحكة مكتومة وقال في مكر وأكثر باعا فقال الشيخ عبد المنعم خسئت يا عودندوف وانطلقا هما الاثنان في الضحك وهكذا أتفق الشيخان على أن يبدأ الشيخ عبد المنعم دروس تحفيظ القرآن بدأ من الغد مع حزقيل ولقد كان الشيخ عبد المنعم بحرا من بحور اللغة كما كان صاحب خفة ظل وقفشات وطرائف مثله مثل صديقه الشيخ عبد العليم ولكم تأثرت شخصية حزقيل عجبو بالرجلين وخاصة أنهما ظلا أصدقاء له حتى بعد أن أصبح شابا -
بقلم على الحسيني المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق