السبت، 18 يناير 2020

الصحابي عينية بن حصن الفزاري/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي -العراق

الصحابي عينية بن حصن الفزاري
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 6-1- 2020
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري، يُكنى أبا مالك وكان من صناديد العرب وكان فظاً غليظاً جريء اللسان والقول.
الفزاري هو فزارة، واسمه عمرو، وكان ضربه أخ له فَفَزَرَه فسُمي فَزَارة، وكان اسم عُيَيْنة حُذَيفة؛ فأصابته لَقْوَة فَجَحَظَت عيناه فَسُمِّيَ عُيَيْنَة، ويُكْنَى أبا مالك، وكان جَده حُذيفة بن بدر يقال له: رَبّ معدّ، وَجَدُّ جَدّهِ زيد بن عمرو، وهو ابن اللقيطة؛ وذاك أن بني فَزَارَة انتجعوا مرة ــ يعني: طلبوا الكلأ والخير في موضع آخر ــ
اسمه الحقيقي حذيفة وليس عيينة وسمي عيينة لانه أصابته لقوة وهو مرض وشلل يصيب الوجه ، فجحظت عيناه فسمي عيينة ، وكان جده حذيفة بن بدر يقال له: رب معد، أي سيد قبائل عدنان كلها وجد جده زيد بن عمرو، وهو ابن اللقيطة؛ وذاك أن بني فزارة طلبوا الكلأ والخير والماء في موضع آخر وأمه صبية فسقطت، فالتقطها قوم فردوها عليهم فسميت اللقيطة، ونسب ولدها إليها بهذا فقيل بنو اللقيطة .
كان جلساء عمر بن الخطّاب أهل القرآن شبّابًا وكهولًا، فجاء عُيينة الفزاري، وكان له ابنُ أخ من جلساء عُمر يقال له: الحر بن قيس، فقال لابن أخيه:‏ ألا تُدْخلني على هذا الرّجل؟ فقال‏: إني أخاف أن تتكلم بكلامٍ لا ينبغي،‏ فقال‏: لا أفعل،‏ فأدخله على عمر، فقال‏: يابن الخطّاب، والله ما تَقْسِم بالعدل، ولا تُعْطي الجَزْلَ،‏ فغضب عمر غضبًا شديدًا حتى هَمَّ أن يُوقع به،‏ فقال له ابنُ أخيه:‏ يا أميرَ المؤمنين؛ إن الله عز وجل يقول في محكم كتابه:‏ ‏{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف 199‏]، وإن هذا من الجاهلين، فخلَّي عنه عمر، وكان وقَّافًا عند كتاب الله عز وجل. وذكر أَبُو حَاتِمٍ السَّجْسَتَانيُّ في كتاب "الوَصَايَا" أنَّ حصن بن حذيفة أوصى ولده عند موته، وكانوا عشرة؛ قال: وكان سبب موته أن كُرز بن عامر العُقيلي طعنه، فاشتدّ مرَضُه، فقال لهم: الموت أَروح مما أنا فيه، فأَيّكم يُطيعني؟ قالوا: كلنا، فبدأ بالأكبر، فقال: خُذْ سيفي هذا فضَعْه على صدري، ثم اتكئ عليه حتى يخرج من ظهري، فقال: يا أبتاه؛ هَلْ يقتل الرجلُ أباه! فعرض ذلك عليهم واحدًا واحدًا، فأَبَوْا إلا عُيينة، فقال له: يا أبت، أليس لكَ فيما تأمرني به راحة وهوًى، ولك فيه مني طاعة؟ قال: بلى، قال: فمُرْني كيف أَصنع؟ قال: أَلقِ السيف يا بني؛ فإني أردت أن أَبْلُوكم فأعرف أطوَعَكم لي في حياتي، فهو أطوع لي بعد موتي، فاذهب، أنْتَ سيد ولدي مِنْ بعدي، ولك رياستي؛ فجمع بني بدر فأعلمهم ذلك؛ فقام عُيينة بالرياسة بعد أبيه، وقتل كُرْزًا.
أسلم بعد الفتح،‏ وقيل‏: قبل الفتح، وقالوا: وكان عُيَيْنة قد ارتد حين ارتدت العرب، ولحق بطُلَيحة بن خُوَيلد حين تَنَبَّأَ، فآمن به وصَدَّقَه على ما ادعى من النبوة، فلما هُزِمّ طُلَيْحَة وهرب أخذ خالد بن الوليد عُيَيْنة بن حِصْن فبعث به إلى أبي بكر الصديق في وثاق فَقَدِمَ به المدينة، قال ابن عباس: فنظرت إلى عُيينة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل يَنخُسه غِلمانُ المدينة بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله! كفرتَ بالله بعد إيمانك، فيقول: والله ما كنت آمنت، ووقف عليه عبد الله بن مسعود فقال: خِبْتَ وخَسِرت، إنك لمُوضِعٌ في الباطل قديمًا، فقال عيينة: أقصر أيها الرجل، فلولا ما أنا فيه لم تكلمني بما تكلمني به، فانصرف عنه ابن مسعود، فلما كلّمه أبو بكر رجع إلى الإسلام، فقبل منه وعفا عنه وكتب له أمانًا.
وتزوّج عثمان بن عفان ابنة عيينة، فدخل عليه يومًا، فأغلظ له، فقال له عثمان:‏ ولو كان عمر ما أقدمْتَ عليه بهذا،‏ فقال:‏ إن عمر أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا.‏ قال الحسن: عَاتَبَ عثمانُ عُيْيَنةَ فقال: ألم أفعل، ألم أفعل، وكنتَ تأتي عمر ولا تأتينا؟ فقال: كان عمر خيرًا لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا. قال عليّ بن محمد بن عبد الله: كانت أم البنين بنت عُيينة عند عثمان، فدخل عيينة على عثمان بغير إذن، فقال له عثمان: تدخل عَلَيَّ بغير إذن! فقال: ما كنت أرى أنى أحجب عن رجل من مضر أو أستأذن عليه! فقال عثمان: إذًا فَأَصِب مِن العَشَاء، قال: أنا صائم، قال: تصوم الليل! قال: إِنِّي مَيَّلْتُ بين صوم الليل والنهار، فوجدت صوم الليلِ أيسر عليّ.
سرية عينية
سبب هذه السرية: أن رسول الله بعث بشر بن سفيان العدوي الكلبي إلى بني كعب من خزاعة لأخذ صدقاتهم وكانوا مع بني تميم على ماء فأخذ بشر صدقات بني كعب، فقال لهم بنو تميم وقد استكثروا ذلك: لم تعطونهم أموالكم؟ فاجتمعوا وانتهزوا السلاح ومنعوا بشرا من أخذ الصدقة فقال لهم بنو كعب: نحن أسلمنا ولا بد في ديننا من دفع الزكاة، فقال بنو تميم: والله لا ندع بعيرا واحدا يخرج، فلما رأى بشر ذلك قدم المدينة وأخبر النبي ﷺ بذلك، فبعث رسول الله عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم
بعث رسول الله في المحرم سنة تسع من الهجرة - أبريل سنة 630 م - عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مُهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع ولّوا وأخذ منهم أحد عشر رجلا ووجدوا في المحلة إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة من رؤسائهم فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فعجلوا فجاءوا إلى باب النبي ﷺ وكلموه في شأن السبي فرد عليهم رسول الله أسراهم واختلف في عدد الوفد فقيل: كانوا سبعين، وقيل: كانوا ثمانين وقد أسلموا وبقوا في المدينة مدة يتعلمون القرآن والدين.
قال ابْنُ السَّكَنِ: له صحبة، وهو من المؤلّفةَ قلوبهم، وكان من الأعراب الجُفاة.‏ وذكر سنيد، عن إبراهيم،‏ قال:‏ جاء عيينة بن حِصْن إلى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال:‏ مَنْ هذه ـــ وذلك قبل أن ينزل الحجاب ـــ قال‏: ‏"‏هَذِهِ عَائِشَةُ‏"‏، قال‏: أفلا أنزل لك عن أم البنين فتنكحها! فغضبت عائشة؟ وقالت:‏ من هذا؟ فقال‏: رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏‏"‏هَذَا أَحْمَقٌ مُطاعٌ‏"‏ ـــ يعني في قومه ،‏ وفي غير هذه الرّواية في هذا الخبر أنه دخل على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بغير إذْن، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏: ‏"‏وَأَيْنَ الإِذْنُ‏"‏؟ فقال:‏ ما استأذَنْتُ على أحدٍ من مضَر،‏ وكانت عائشة مع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم جالسة ـــ فقال:‏ مَنْ هذه الحُمَيراء؟ فقال:‏ ‏"‏أمّ المؤمنين‏"‏ قال‏: أفلا أنزل لك عن أجمل منها! فقالت عائشة:‏ مَنْ هذا يا رسول الله؟ قال:‏ ‏"‏هَذَا أَحْمَقٌ مُطَاعٌ، وَهُوَ عَلَى مَا تَرِين سيِّد قَوْمِهِ‏" وروى محمد بن عمر عن عائشة، قالت: دخل عيينة بن حصن على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأنا عنده، فقال عيينة: من هذه الحُمَيْرَاء يا محمد؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذه عائشة بنت أبي بكر"، فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس عن ابنة جمرة فتنكحها؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لا"، قالت: فلما خرج قلت لرسول صَلَّى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا الأَحْمَقُ المُطاع في قومه"
المصادر
ــــــــ
1- الوصايا للسجستاني
2- جمهرة انساب العرب لابن حزم
3- الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
4- الطبقات لابن سعد
5- المغازي للواقدي
6- سيرة ابن اسحاق
7- سيرة ابن هشام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق