السبت، 2 نوفمبر 2019

الصحابي عبادة بن الصامت/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د.صالح العطوان الحيالي

الصحابي عبادة بن الصامت
ـــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 29- 10-2019
عُبادة بن الصامت صحابي من بني غنم بن عوف من الخزرج ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول الله بخمسة عشر عامًا. أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوفِّي على دين قومه، أما أُمُّه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله.، شهد العقبتين، والمشاهد كلها، ثم شارك في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بلاد الشام، وتولى إمرة حمص لفترة، ثم قضاء فلسطين حتى توفي في الرملة بفلسطين.
سيرته
كان عبادة بن الصامت من أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت ارتبط برسول الله ارتباطًا وثيقًا، وتعلق به تعلقًا شديدًا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغزُ رسول الله غزوةً، ولم يسر إلى مكان إلا وكان معه، وقد رُوِي له عن رسول الله مائة وواحد وثمانون حديثًا.
أسلم عبادة بن الصامت قبل هجرة النبي محمد إلى يثرب، قال ابن إسحاق أنه شهد بيعة العقبة الأولى، ولكن المؤكد أنه كان أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة بيعة العقبة الثانية. وبعد الهجرة النبوية، آخى النبي محمد بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد عبادة بن الصامت مع النبي محمد المشاهد كلها، كما استعمله النبي محمد على بعض الصدقات.
كان عبادة حافظًا للقرآن، فكان يُعَلِّم أهل الصفة القرآن. وبعد وفاة النبي محمد، وتوسّع الفتوح الإسلامية، انتقل عبادة بن الصامت إلى الشام، حيث قال محمد بن كعب القرظي: «جمع القرآن في زمن النبي خمسة من الأنصار: معاذ وعبادة وأُبيّ وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: «إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم»، فقال: «أعينوني بثلاثة»، فقالوا: «هذا شيخ كبير - لأبي أيوب -، وهذا سقيم - لأُبيّ -»، فخرج الثلاثة إلى الشام، فقال: «ابدءوا بحمص، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى فلسطين»». قال خليفة بن خياط في تاريخه أن أبا عبيدة ولّاه إمرة حمص، ثم عزله، وولى عبد الله بن قرط، فسكن عبادة بيت المقدس، وزعم الأوزاعي أن عبادة أول من ولي قضاء فلسطين، كما قيل أنه شهد الفتح الإسلامي لمصر حيث كان من أمراء المدد الذي بُعث لعمرو بن العاص.
موقف عبادة بن الصامت مع معاوية :
عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فردَّ الناس ما أخذوا.
فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا فقال: "ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه". فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنُحدثَنَّ بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية.
موقف عبادة بن الصامت مع عمر :
وفي خلافة أمير المؤمنين عمر لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصبٍ ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين. فهذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة بن الصامت ، مبتعدًا بنفسه عن الأعمال الأخرى المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء، والمحفوفة أيضًا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه. وهكذا سافر إلى الشام ثالث ثلاثة: هو، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء؛ حيث ملئوا البلاد علمًا وفقهًا ونورًا.
أثر عبادة بن الصامت في الآخرين :
في خلافة عمر بن الخطاب كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلِّمهم القرآن ويفقههم. فأرسل إليه عمر : معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء؛ فأقام عبادة بحمص، فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح "طرطوس" ففتحها. وكان أول من وَلِي قضاء فلسطين من قِبل عمر بن الخطاب
وكان ممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبي خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ".
بعض ما روى عبادة بن الصامت عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
عن أنس بن مالك قال: أخبرني عبادة بن الصامت أن رسول الله خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس".
ويروي الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
وعن جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة بن الصامت ، عن النبي قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته".
لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام، ساءت العلاقة بين عبادة ومعاوية لأشياء أنكرها عليه عبادة، فقال لمعاوية: «لا أساكنك بأرض»، فرحل إلى المدينة المنورة، فقال له عمر: «ما أقدمك؟»، فأخبره بفعل معاوية، فقال له: «ارحل إلى مكانك، فقبّح الله أرضًا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك». ثم حدث أن كان عبادة بن الصامت مع معاوية يومًا، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية. فقال له عبادة: «إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله : «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب»». فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان: «إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام»، فكتب إليه عثمان أن يُرحّل عبادة حتى يُرجعه إلى داره بالمدينة المنورة.
عدد أحاديثه :
قال الإمام الذهبي : ساق له بقي بن مخلد في مسنده مئة وواحداً وثمانين حديثا وله في البخاري ومسلم ستة ، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديثين .
نبذة من أحاديثه:
1- حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن حميد قال: قال أنس حدثني عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر الناس بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين قال النبي صلى الله عليه وسلم خرجت لأخبركم فتلاحى فلان وفلان وإنها رفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة
2- حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة
3- حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد يعني بن مسلم عن بن جابر قال حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة بن أبي أمية حدثنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء
مآثره في فلسطين :
قال محمد بن كعب القرظي : جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ،وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، فلما كان عمر رضي الله عنه كتب يزيد بن أبي سفيان إليه أن أهل الشام كثير ، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة فقالوا: هذا شيخ كبير لأبي أيوب ، وهذا سقيم ،لأبي بن كعب، فخرج معاذ ، وعبادة ،وأبو الدرداء، فقال: ابدؤوا بحمص ، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحداً إلى دمشق ، وآخر إلى فلسطين فأقام بها عبادة ،وهو أول من ولي القضاء بفلسطين ،وخرج أبو الدرداء إلى دمشق
وقال ابن عبد البر : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنوي ، وشهد بدراً والمشاهد كلها ثم وجهه عمر رضي الله عنه إلى الشام قاضياً ومعلماً فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين .
عبادة بن الصامت مع المقوقس :-
_______________
بعث المقوقس رسله إلى عمرو بن العاص يقولون له:" ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه أن يكون فيه صلاح لنا ولكم "
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت ، وكان عبادة أسود اللون وطوله عشرة أشبار – أى يتجاوز المترين طولاً – وأمره أن يكون متكلم الوفد وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث.
فركبوا السفن وعبروا من جهة بابليون إلى الجزيرة، فلما دخلوا على المقوقس تقدم عبادة فهابه المقوقس، وقال :" نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني "
فقالوا جميعًا :" إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلمًا وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به، أمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله " .
فقال المقوقس: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟"
فقالوا: لا إنه وإن كان أسودًا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأيًا، وليس يُنكَرُ السواد فينا، ثم قال المقوقس لعبادة" تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لذلك هيبة".
فتقدم إليه عبادة وقال:" قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا وكذلك أصحابي؛ وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبًا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهمًا، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذى بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله فى رضاء ربه وجهاد عدوه "
فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله :" هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط ؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ". ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال :" أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به " .
عبادة يعرض على المقوقس شروط المسلمين :-
__________
ثم بعد الحوار يعرض عبادة رضي الله عنه على المقوقس مطالب المسلمين فيقول: فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث فاختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلُ إلينا، إما أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فان فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله، فان قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فان أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا، وان أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، هذا ديننا الذي ندين الله به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لأنفسكم.
فقال له المقوقس: هذا ما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تتخذونا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا.
قال عبادة بن الصامت: هو ذاك فاختر ما شئت.
فقال له المقوقس فلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاثة خصال؟.
فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه وقال قد فرغ القوم، فما ترون؟.
فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل؟!أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدًا أن نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعُبَادة قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون
فقام عبادة وأصحابه..
فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا: وأي خصلة نجيبهم إليها؟.
قال: إذا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم، ولابد من الثالثة".
قالوا: أفنكون لهم عبيدًا أبدًا؟.
قال: نعم، تكونوا عبيدًا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدًا تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا أنتم وأهليكم وذراريكم
قالوا: فالموت أهون علينا
وأمروا بقطع الجسر من بين بابليون والجزيرة، وبالقصر الحصن من الروم جمع كثير فألح عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال على من في الحصن حتى ظفروا بهم ومكنهم الله منهم فقُتِلَ منهم خلق كثير، وأُسِرَ من أُسِرَ وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة.
وفاته
ـــــــــــ مات بالرملة سنة 34 هـ، وعمره 72 سنة، وكان رجلاً طويلاً جسيمًا جميلاً وكان لعبادة بن الصامت من الولد الوليد أمه جميلة بنت أبي صعصعة أخت الصحابي قيس بن أبي صعصعة، ومحمد أمه أم حرام بنت ملحان وداود وعبيد الله لم تذكر أمهاتهم.
المصادر
ــــــــــــ
1- سير اعلام النبلاء
2- الطبقات الكبرى لابن سعد
3- اسد الغابة في معرفة الصحابة
4- الاصابة في تمييز الصحابة
5- تهذيب الكمال
الصحابي عبادة بن الصامت
ـــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 29- 10-2019
عُبادة بن الصامت صحابي من بني غنم بن عوف من الخزرج ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول الله بخمسة عشر عامًا. أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوفِّي على دين قومه، أما أُمُّه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله.، شهد العقبتين، والمشاهد كلها، ثم شارك في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بلاد الشام، وتولى إمرة حمص لفترة، ثم قضاء فلسطين حتى توفي في الرملة بفلسطين.
سيرته
كان عبادة بن الصامت من أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت ارتبط برسول الله ارتباطًا وثيقًا، وتعلق به تعلقًا شديدًا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغزُ رسول الله غزوةً، ولم يسر إلى مكان إلا وكان معه، وقد رُوِي له عن رسول الله مائة وواحد وثمانون حديثًا.
أسلم عبادة بن الصامت قبل هجرة النبي محمد إلى يثرب، قال ابن إسحاق أنه شهد بيعة العقبة الأولى، ولكن المؤكد أنه كان أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة بيعة العقبة الثانية. وبعد الهجرة النبوية، آخى النبي محمد بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد عبادة بن الصامت مع النبي محمد المشاهد كلها، كما استعمله النبي محمد على بعض الصدقات.
كان عبادة حافظًا للقرآن، فكان يُعَلِّم أهل الصفة القرآن. وبعد وفاة النبي محمد، وتوسّع الفتوح الإسلامية، انتقل عبادة بن الصامت إلى الشام، حيث قال محمد بن كعب القرظي: «جمع القرآن في زمن النبي خمسة من الأنصار: معاذ وعبادة وأُبيّ وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: «إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم»، فقال: «أعينوني بثلاثة»، فقالوا: «هذا شيخ كبير - لأبي أيوب -، وهذا سقيم - لأُبيّ -»، فخرج الثلاثة إلى الشام، فقال: «ابدءوا بحمص، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى فلسطين»». قال خليفة بن خياط في تاريخه أن أبا عبيدة ولّاه إمرة حمص، ثم عزله، وولى عبد الله بن قرط، فسكن عبادة بيت المقدس، وزعم الأوزاعي أن عبادة أول من ولي قضاء فلسطين، كما قيل أنه شهد الفتح الإسلامي لمصر حيث كان من أمراء المدد الذي بُعث لعمرو بن العاص.
موقف عبادة بن الصامت مع معاوية :
عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فردَّ الناس ما أخذوا.
فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا فقال: "ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه". فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنُحدثَنَّ بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية.
موقف عبادة بن الصامت مع عمر :
وفي خلافة أمير المؤمنين عمر لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصبٍ ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين. فهذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة بن الصامت ، مبتعدًا بنفسه عن الأعمال الأخرى المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء، والمحفوفة أيضًا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه. وهكذا سافر إلى الشام ثالث ثلاثة: هو، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء؛ حيث ملئوا البلاد علمًا وفقهًا ونورًا.
أثر عبادة بن الصامت في الآخرين :
في خلافة عمر بن الخطاب كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلِّمهم القرآن ويفقههم. فأرسل إليه عمر : معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء؛ فأقام عبادة بحمص، فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح "طرطوس" ففتحها. وكان أول من وَلِي قضاء فلسطين من قِبل عمر بن الخطاب
وكان ممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبي خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ".
بعض ما روى عبادة بن الصامت عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
عن أنس بن مالك قال: أخبرني عبادة بن الصامت أن رسول الله خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس".
ويروي الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
وعن جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة بن الصامت ، عن النبي قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته".
لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام، ساءت العلاقة بين عبادة ومعاوية لأشياء أنكرها عليه عبادة، فقال لمعاوية: «لا أساكنك بأرض»، فرحل إلى المدينة المنورة، فقال له عمر: «ما أقدمك؟»، فأخبره بفعل معاوية، فقال له: «ارحل إلى مكانك، فقبّح الله أرضًا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك». ثم حدث أن كان عبادة بن الصامت مع معاوية يومًا، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية. فقال له عبادة: «إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله : «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب»». فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان: «إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام»، فكتب إليه عثمان أن يُرحّل عبادة حتى يُرجعه إلى داره بالمدينة المنورة.
عدد أحاديثه :
قال الإمام الذهبي : ساق له بقي بن مخلد في مسنده مئة وواحداً وثمانين حديثا وله في البخاري ومسلم ستة ، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديثين .
نبذة من أحاديثه:
1- حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن حميد قال: قال أنس حدثني عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر الناس بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين قال النبي صلى الله عليه وسلم خرجت لأخبركم فتلاحى فلان وفلان وإنها رفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة
2- حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة
3- حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد يعني بن مسلم عن بن جابر قال حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة بن أبي أمية حدثنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء
مآثره في فلسطين :
قال محمد بن كعب القرظي : جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ،وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، فلما كان عمر رضي الله عنه كتب يزيد بن أبي سفيان إليه أن أهل الشام كثير ، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة فقالوا: هذا شيخ كبير لأبي أيوب ، وهذا سقيم ،لأبي بن كعب، فخرج معاذ ، وعبادة ،وأبو الدرداء، فقال: ابدؤوا بحمص ، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحداً إلى دمشق ، وآخر إلى فلسطين فأقام بها عبادة ،وهو أول من ولي القضاء بفلسطين ،وخرج أبو الدرداء إلى دمشق
وقال ابن عبد البر : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنوي ، وشهد بدراً والمشاهد كلها ثم وجهه عمر رضي الله عنه إلى الشام قاضياً ومعلماً فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين .
عبادة بن الصامت مع المقوقس :-
_______________
بعث المقوقس رسله إلى عمرو بن العاص يقولون له:" ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه أن يكون فيه صلاح لنا ولكم "
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت ، وكان عبادة أسود اللون وطوله عشرة أشبار – أى يتجاوز المترين طولاً – وأمره أن يكون متكلم الوفد وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث.
فركبوا السفن وعبروا من جهة بابليون إلى الجزيرة، فلما دخلوا على المقوقس تقدم عبادة فهابه المقوقس، وقال :" نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني "
فقالوا جميعًا :" إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلمًا وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به، أمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله " .
فقال المقوقس: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟"
فقالوا: لا إنه وإن كان أسودًا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأيًا، وليس يُنكَرُ السواد فينا، ثم قال المقوقس لعبادة" تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لذلك هيبة".
فتقدم إليه عبادة وقال:" قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا وكذلك أصحابي؛ وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبًا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهمًا، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذى بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله فى رضاء ربه وجهاد عدوه "
فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله :" هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط ؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ". ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال :" أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به " .
عبادة يعرض على المقوقس شروط المسلمين :-
__________
ثم بعد الحوار يعرض عبادة رضي الله عنه على المقوقس مطالب المسلمين فيقول: فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث فاختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلُ إلينا، إما أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فان فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله، فان قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فان أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا، وان أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، هذا ديننا الذي ندين الله به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لأنفسكم.
فقال له المقوقس: هذا ما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تتخذونا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا.
قال عبادة بن الصامت: هو ذاك فاختر ما شئت.
فقال له المقوقس فلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاثة خصال؟.
فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه وقال قد فرغ القوم، فما ترون؟.
فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل؟!أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدًا أن نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعُبَادة قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون
فقام عبادة وأصحابه..
فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا: وأي خصلة نجيبهم إليها؟.
قال: إذا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم، ولابد من الثالثة".
قالوا: أفنكون لهم عبيدًا أبدًا؟.
قال: نعم، تكونوا عبيدًا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدًا تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا أنتم وأهليكم وذراريكم
قالوا: فالموت أهون علينا
وأمروا بقطع الجسر من بين بابليون والجزيرة، وبالقصر الحصن من الروم جمع كثير فألح عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال على من في الحصن حتى ظفروا بهم ومكنهم الله منهم فقُتِلَ منهم خلق كثير، وأُسِرَ من أُسِرَ وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة.
وفاته
ـــــــــــ مات بالرملة سنة 34 هـ، وعمره 72 سنة، وكان رجلاً طويلاً جسيمًا جميلاً وكان لعبادة بن الصامت من الولد الوليد أمه جميلة بنت أبي صعصعة أخت الصحابي قيس بن أبي صعصعة، ومحمد أمه أم حرام بنت ملحان وداود وعبيد الله لم تذكر أمهاتهم.
المصادر
ــــــــــــ
1- سير اعلام النبلاء
2- الطبقات الكبرى لابن سعد
3- اسد الغابة في معرفة الصحابة
4- الاصابة في تمييز الصحابة
5- تهذيب الكمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق