الخميس، 21 نوفمبر 2019

حذيفة بن محصن القلعاني/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي - العراق-

حذيفة بن محصن القلعاني
ـــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 20- 11- 2019
حذيفة بن محصن القَلْعَاني أو الغلفاني البارقي، من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى اهل عمان مصدقاً له ووالياً عليهم. قائد عسكري شهد الفتوحات الإسلامية شهد القادسية وفتوحات الفرس وكان من المفاوضين الذين بعثهم سعد بن أبي وقاص إلى رستم قائد الفرس أَمَّره أبو بكر الصديق في حرب أهل الردة.
أجمع النسابة في روايات مختلفة أن حذيفة من الأزد ثم بارق واسمه حذيفة بن محصن البارقي ومن أشهرهم: ابن الكلبي، البلاذري، الواقدي، الحموي أبو المنذر الصحاري، جواد علي. وهو أخو عمرو بن محصن الأزدي، قاتل عمار بن ياسر.
وقد شذ عن ذلك سيف بن عمر وهو من الضعاف في النسب والرواية، و نسب حذيفة لحمير وقد نقل عنه الطبري وجمع من المتأخرين وهي من الروايات المشكوكة لضعف سيف بن عمر وتناقضها مع أشهر الروايات.
أهل عمان فنبغ فيهم رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى في الجاهلية الجلندي، فادعى النبوة أيضاً، وتابعه الجهلة من أهل عمان، فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا وألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه، فبعث إليه الصديق بأميرين وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد، حذيفة إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان وحذيفة هو الأمير، فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.
أن عكرمة ابن أبي جهل لما بعثه الصديق إلى مسيلمة وأتبعه بشرحبيل بن حسنة عجل عكرمة وناهض مسيلمة قبل مجيء شرحبيل ليفوز بالظفر وحده، فناله من مسيلمة قرح والذين معه فتقهقر حتى جاء خالد بن الوليد فقهر مسيلمة كما تقدم، وكتب إليه الصديق يلومه على تسرعه، قال: لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، وأمره أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان، وكل منكم أمير على جيشه وحذيفة ما دمتم بعمان فهو أمير الناس، فإذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة، فإذا فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت فكن مع المهاجر ابن أبي أمية، ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت واليمن فنكل به، فسار عكرمة لما أمره به الصديق، فلحق حذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عمان، وقد كتب إليهما الصديق أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من السير من عمان أو المقام بها، فساروا فلما اقتربوا من عمان راسلوا جيفرا، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له: دبا، وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم ليكون أقوى لحربهم، واجتمع جيفر وعباد بمكان يقال له: صحار فعسكرا به، وبعثا إلى أمراء الصديق فقدموا على المسلمين فتقابل الجيشان هنالك، وتقاتلوا قتالا شديدا، وابتلى المسلمون وكادوا أن يولوا، فمن الله بكرمه ولطفه أن بعث إليهم مددا في الساعة الراهنة من بني ناجية وعبد القيس في جماعة من الأمراء، فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر فولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم فقتلوا من عشرة آلاف مقاتل، وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصديق رضي الله عنه مع أحد الأمراء وهو عرفجة، ثم رجع إلى أصحابه.
وكان حذيفة قائد الحملة التي أرسلها أبو بكر الصديق إلى دبا لما ارتد أَهلها، وكان معه عكرمة بن أبي جهل وعرفجة بن هرثمة البارقي فظفروا بالمرتدين، عينه أبو بكر والياً على عمان. وبعد وفاة أبي بكر، ولاه عمر بن الخطاب على اليمامة.
النسب
حذيفة وثورة اهل عمان
قدموا اهل عمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين. فبعث إليهم مصدقا حذيفة بن محصن البارقي. وأمره " أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم. ويردها على فقرائهم " ففعل ذلك حذيفة. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا فدعاهم حذيفة إلى التوبة. فأبوا وجعلوا يرتجزون :
لقد أتانا خبر ردي أمست قريش كلها نبي
فكتب حذيفة إلى أبي بكر بأمرهم. فاغتاظ غيظا شديدا، وقال " من لهؤلاء ؟ ويل لهم ". ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل فجاءه كتاب أبي بكر : " سر إلى حذيفة في دبا. فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين وكان رأس أهل الردة : لقيط بن مالك الأزدي فلما بلغه مسير عكرمة، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه. وبلغ عكرمة : أنهم جموع كثيرة فبعث طليعة وكان للعدو أيضا طليعة فالتقت الطليعتان فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط بن مالك الأزدي وقتل منهم نحو مائة رجل وبعث أصحاب عكرمة فارسا بخبره. فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته ثم زحفوا جميعا وسار على تعبئة حتى أدرك القوم فاقتتلوا ساعة ثم هزمهم عكرمة، وأكثر فيهم القتل ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك الأزدي فأخبروه أن عكرمة مقبل فقوي جانب حذيفة. ومن معه من المسلمين فناهضهم وجاء عكرمة فقاتل معهم فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا فحصرهم المسلمون شهرا وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة. فأرسلوا إلى حذيفة يسألونه الصلح فقال : لا، إلا بين حرب مجلية أو سلم مخزية. قالوا : أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا، وما أخذتموه فهو رد لنا. وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر، ونحكم فيكم بما رأينا فأقروا بذلك. فقال : اخرجوا عزلا، لا سلاح معكم ففعلوا. فدخل المسلمون حصنهم. فقال حذيفة : إني قد حكمت فيكم، أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم. فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم. وقدم حذيفة بسبيهم المدينة المنورة. وهم ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء. وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر. فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة. والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا، فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول. وكلمه فيهم عمر. وكان الرأي أن لا يسبوا. فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر. فدعاهم عمر فقال : انطلقوا إلى أي بلاد شئتم. فأنتم قوم أحرار. فخرجوا حتى نزلوا البصرة.
معركة دبا
ـــــــــــــــ هي معركة كانت في حروب الردة بين جيش ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي المتنبئ بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجيش جيفر وعبد ابني الجلندي ومن ثَبُتَ على دين الإسلام من أهل عُمان، والتقيا في موضع في شمال عُمان يُدعى دبا. انتهت تلك المعركة بانتصار المسلمين بعد أن انضمت بعوث حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة وعكرمة بن أبي جهل التي وجهها الخليفة أبو بكر لقتال المرتدين من أهل عُمان ومهرة إلى جيش ابني الجلندي.
كان أهل عُمان قد استجابوا لدعوة الإسلام، ولكن بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ادعى منهم رجل يقال له "ذو التاج" لقيط بن مالك الأزدي النبوة، وتابعه بعض أهل عمان فتغلَّب عليها، وكان عليها جيفر وعباد ابنا الجلندي، فألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث أبو بكر إلى جيفر أميرين هما: حذيفة بن محصن الغلفاني وعرفجة بن هرثمة البارقي، وأرسل عكرمة بن أبي جهل القرشي مدداً لهم، وبلغ لقيطَ بن مالك مجيءُ الجيش، فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له دبا، وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى، واجتمع جيفر وعباد ابنا الجلندي بمكان يقال له صحار، فعسكروا فيه وبعثا إلى أمراء أبي بكر فقدموا، فتقابل الجيشان هناك وتقاتلوا قتالاً شديداً، وابتلي المسلمون وكادوا أن يُولوا، فبُعث إليهم مددٌ من بني ناجية وعبد القيس في جماعة من الأمراء، فلما وصلوا إليهم كان النصر للمسلمين، فولى المشركون مدبرين، ولحقهم المسلمون فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل، وسبوا الذراري وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها.
حذيفة ورستم
ـــــــــــــ
بعث رستم برسالة إلى زهرة بن الحُوِيَّة يقول له: أرْسِلْ إلينا الرجل الذي كان عندنا.فيرسل زهرة بذلك إلى سعد بن أبي وقاص، فيقول له سعد: بل أرسل له اليوم آخر. فيرسل له حذيفة بن محصن الذي كان قائد الجيش الثامن من جيوش حروب الردة التي ذهبت لقتال مرتدي عُمَان في عهد أبي بكر الصديق ، فيدخل عليه وهو راكب فرسه، فقالوا له: انزل من على فرسك. فقال:لا، والله لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت.نفس كلام ربعي بن عامر، ودخل حذيفة بجواده يمشي به على البُسط، وظل راكبًا حتى وصل الى رستم.
ولنا أن نتخيل هذا الموقف: حذيفة فوق حصانه يكلمه، فقال له: انزل. فقال: لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت. فقبل رستم أن يحدثه فوق حصانه، وهو يمشي على سريره المذهب!! وبدأ يخاطبه، فقال له: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبك؟ يقصد ربعي بن عامر، فقال له: إن أميرنا يعدل بيننا في الرخاء والشدة، وهذه نوبتي. أي أن كل واحدٍ في جيش المسلمين له دور، وهذا دوري، وأميرنا يوزع عليناالأمور بالتساوي.
فقالله: ما جاء بكم؟ فقال له: إن الله مَنَّ علينا بدينه، وأرانا آياته فعرفناه، وكنَّا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث فأيُّها أجابوا قبلناه: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (أي الجزية) ونمنعكم إن أردتم ذلك، أو المنابذة. فقال له رستم: أو الموادعة إلى يوم ما؟ أي من الممكن أن تعطينا فرصة؛ فقال له: نَعَمْ،ثلاثة أيام. فقال: إذن تقاتلونا في اليوم الرابع. فقال: ثلاثة أيام من أمسِ (وهواليوم الذي تحدث فيه مع ربعي بن عامر)؛ وعلى ذلك فقتالكم في اليوم الثالث.
وعلى الفور اضْطَرب رستم اضطرابًا شديدًا، ونظر إلى قومه، فعلم القوم ما يدور في ذهنه(فهذان الاثنان متفقان في الرأي والتفكير، وهذا ما أوقع الرعب في قلبه)، فأراد رؤساء القوم أن يخففوا من هول الموقف عليه، وأن يُثبتوا له أن هؤلاء القوم ليس لهم قوة أو خبرة بالحروب؛ فقالوا لحذيفة بن محصن: ما هذا الذي تحمله؟! فأخرج سيفه كأنه شعلة من نار؛ فصرخ رستم في وجهه: أَغْمِدْه.
فأغمده بعد أن رأى الرعب في أعينهم، ثم أقاموا له درعًا من دروعهم، فأطلق فيه سهمًا فخرقه، ثم أقام لهم جحفته وكانت من جريد النخل، فأطلقوا عليها سهامهم، فسلمت؛ فقال لهم: يا قوم فارس، إنكم عظَّمتم الطعام والشراب وعظمتم اللهو، ولم نعظمهم؛فعَظَّمَنا الله وصغَّرَكُم. أي: كانت هذه الأشياء منتهى تفكيركم، ولم نكن نحن كذلك؛ فلذلك منحنا الله I قوة تجعل سهامنا تخترق أي درع من دروعكم، ولا تخترق سهامكم دروعناحتى وإن كانت من جريد النخل؛ ثم رجع حذيفة بن محصن إلى المسلمين، وعاد رستم يجادل قومه مرة أخرى، كما جادلهم من قبل بعد حديث ربعي بن عامر.
المصادر
ـــــــــ
1- البداية والنهاية لابن كثير ج6
2- معجم البلدان للحموي
3- فتوح البلدان للبلاذري
4- تاريخ دمشق لابن عساكر
5- اسد الغابة لابن الاثير
6- الانساب للصحاري
7- الفتوح للكوفي
8- الاصابة في تمييز الصحابة
9- المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام - جواد علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق