الأحد، 24 نوفمبر 2019

عكرمة بن ابي جهل//بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د. صالح العطوان الحيالي

عكرمة بن ابي جهل
ــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 21-11-2019
الصحابي الجليل عكرمة ابن أبي جهل، هو ابن أشد أعداء الإسلام ضراوة في جحود الحق وإنكاره، رغم علمه بصدقية نبوءة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنه الكبر والتمرد على قبول الحق والاعتراف به.
ورغم أن عكرمة نهج طريق أبية بداية الأمر، من شدة معادة للإسلام، إلا أن الله تعالى شرح صدره للإسلام، وأصبح من دعاته، وصار غازيا ومجاهدا في سبيل الله، ينشر دينه ودعوته في ربوع الدنيا
عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
أمه : أم عكرمة فلوة بنت كبير بن حبيب بن ربيعـه بن هيثم بن سعد بن ماجد بن هزان بن صباح بن عتيك بن انس بن زيد بن عامر بن ربيعة من بنو نزار بن معد بن عدنان.
زوجته : أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية بنت أخ عمرو بن هشام وأمها فاطمة بنت الوليد وخالها هو سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
إسلامه
ـــــــ لما دنا عكرمة من المدينة قال الرسول لأصحابه : (سيأتيكم عكرمة بن عمرو مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت ) فدخل عكرمة المدينة و وفد على رسول الله فقال له : " مرحباً بالراكب المهاجر" و بايعه على الإسلام، وشهد معه معركة حنين والطائف و شهد حجة الوداع
أوصافه و صفاته
ــــــــــ كان عكرمة طويل القامة، مفتول العضلات، عريض المنكبين، حاد الملامح، حنطي البشرة، غزير الشعر، جهوري الصوت، شديد الشبه بأبيه عمرو بن هشام بن المغيرة (أبو جهل)، و كان لين العريكة، حليماً، حكيماً
سيرته
ــــــــــ نشأ عكرمة في مكة في جو مترف محفوف بالنعيم، في قصر المغيرة، و تعلم القراءة و الكتابة و الانساب على يد أفضل المعلمين في تهامة، و كغيرة من أبناء العرب، تعلم عكرمة الفروسية و أبدى نبوغًا و مهارة في المبارزة و فنون القتال، وتميز على جميع أقرانه ببراعته في رمي الرمح و تصويب السهام، كما عُرف بالشجاعة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ
معركة بدر
ــــــــ لما قاد أبوه معركة الشرك يوم بدر وأقسم باللات والعزى ألا يعود إلى مكة إلا إذا نزل ببدر فيقيم عليها ثلاثاً ينحر الجزور ويشرب الخمور وتعزف له القيان بالمعازف، فكانت المعركة فقاد أبو جهل هذه المعركة وكان ابنه عكرمة عضده الذي يعتمد عليه ويده التي يبطش بها ولكن اللات والعزى لم يلبيا نداء أبي جهل لأنهما لايسمعان ولم ينصراه في معركته لأنهما عاجزان، فخر أبوجهل صريعاً دون بدر ورآه ابنه عكرمة بعينيه ورماح المسلمين تنهل من دمه وسمعه بأذنيه وهو يطلق آخر صرخة انفرجت عنها شفتاه. عاد عكرمة إلى مكة بعد أن خلف جثة سيد قريش في بدر فقد أعجزته الهزيمة عن أن يظفر بها ليدفنها في مكة وأرغمه الفرار على تركها للمسلمين فألقوها في القليب (بئر ألقيت فيها جثث المشركين من قتلى بدر) مع العشرات من قتلى المشركين وأهالوا عليها الرمال.
بعد أن ألقى المسلمون قتلة المشركين في القليب ناداهم النبى وقال : يا أبو جهل ابن هشام ياعتبة بن ربيعة ياشيبة ابن ربيعة وبدأ يسميهم واحدا واحدا وقال لهم هل وجدتم ماوعدكم ربكم حقا فإنى وجدت ماوعدنى ربى حقا. وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه واقفا بجوار النبى وقال : يارسول الله كيف يسمعوك وقد جيفوا؟ فقال النبى : ياعمر ما أنت بأسمع لى منهم (أى هم يسمعونى أحسن منك ولكن لا يجيبون)
يوم أحد
ـــــــــــ خرج عكرمة بن أبي جهل إلى أحد وأخرج معه زوجه أم حكيم لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف وتضرب معهن على الدفوف تحريضاً لقريش على القتال وتثبيتاً لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار فكان على ميمنة فرسان قريش خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل.
يوم الخندق
ــــــــــ حفر المسلمون الخندق، ولم يتمكن المشركون من اقتحام المدنية، وحاصرها المشركون أياما طوالا، فنفذ صبر عكرمة ابن أبي جهل، فذهب ومعه عمرو بن ود، فنظروا إلي مكان ضيق من الخندق، فدخل منه واجتازوا ونادى عمرو بن ود على المسلمين بصوت عالٍ من يبارز؟ وكان عمرو معروفاً لدى المسلمين والمشركين بقوته وشجاعته، فخرج له البطل الشجاع على بن أبي طالب ودار بينهما قتالا شديدا، فقتله علي رضى الله عنه وكبر، وكبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكبر المسلمون وفر عكرمة هاربا، وانسحب المشركون دون أن يفعلوا شيئا!
فتح مكة
ـــــــــــــوجاء وعد الله الذي وعده رسوله في كتابه: "لقد صدق الله رسوله الرؤيا"، فكان يوم الفتح فرأت قريش ألا قبل لها بقتال محمد وأصحابه، فأذعنت أي قررت على أن تخلي له السبيل إلى مكة لكن عكرمة ونفر معه خرجوا على الإجماع القرشي فتصدوا للجيش الإسلامي المحمدي الكبير فهزمهم القائد المسلم خالد بن الوليد في معركة صغيرة قتل فيها من قتل ولاذ بالفرار من أمكنه.
انتشر الإسلام، وأخذت كثير من القبائل تبايع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم وجاء الدور على مكة وجهز المسلمون جيشا لفتحها في السنة الثامنة من الهجرة؛ كي يخرجونهم من الظلمات إلى النور، وإلي جنة عرضها السموات والأرض، وأصر عكرمة ومن معه على مواجهة المسلمين وكان عدد المسلمين كثيرا فلم يفعل شيئا وفر هاربا.
وكانت هذه العدواه من عكرمة للإسلام هي التى جعلت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهدر دمه، فقد أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم مجموعة من المشركين وقال: "اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة"رواه النسائي، وحسنه الألباني.
ويُقرِّر الرسول الرحيم: العفو عن جميع أهل مكة من المشركين، إلا أربعة أنفس منهم: عكرمة بن أبي جهل، ويأمر بقتلهم وإنْ وجدوا متعلقين بأستار الكعبة, فهرب عكرمة ولحق باليمن، فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا.
فقال عكرمة: "لئن أنجاني الله من هذا لأرجعَنَّ إلى محمد ولأضعنَّ يدي في يده". فسكنت الريح، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه.
وتُسلِم زوجته أم حكيم، وهي بنت عمِّه الحارث بن هشام، وتستأمن له من رسول الله فيؤمِّنه، وتسير إليه الزوجة الحريصة على نجاته من النار وهو باليمن بأمان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيقدم معها، ويُعلِن أمام رسول الله: شهادة الإسلام، فسُرَّ بذلك.
ومنذ إسلامه ـ رضي الله عنه ـ حاول أن يعوض ما فاته من الخير، فقد أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "يا رسول الله، والله لا أترك مقامًا قمتُهُ لأصدَّ به عن سبيل الله إلا قمتُ مثله في سبيله، ولا أترك نفقةً أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله"رواه ابن أبي شيبة.
ومن أحاديث عكرمة بن أبي جهل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما رواه الإمام أحمد بسنده قال: حدثنا حجاج، حدثني شعبة، عن قتادة، عن عكرمة رضي الله عنه أنه قال: "لما نزلت هذه الآية: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"(الفتح: 1، 2). قال أصحاب رسول الله: هنيئًا مريئًا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية: "لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ"(الفتح: 5).
تعلق عكرمة بالقرآن الكريم تعلقا عميقا، فكان يأخذ المصحف، فيضعه على وجهه ويقول: "كلام ربي، كلام ربي"، وكان رضي الله عنه شديد الإيثار، روى حبيب بن أبي ثابت: أن الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة، فقال الحارث: ادفعوه إلى عكرمة. فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش، فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش. فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعًا وما ذاقوه.
تأثر عكرمة بشخصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأثرا عظيما ، فحينما قدم عكرمة ليعلن إسلامه وثب النبي إليه دون رداء مستقبلاً له؛ فرحًا بقدومه، وقال له: "مرحبًا بالراكب المهاجر"(رواه الترمذي وضعفه الألباني).
ولعل الحبيب عانقه، فأزال ما على قلبه من ركام الجاهلية. ولا شك أن لهذه المواقف العظيمة وغيرها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظمَ الأثر في نفس هذا الصحابي العظيم.
قتاله للمرتدين
ــــــــــولعكرمة في قتال المرتدين أثر عظيم فقد استعمله أبو بكر على جيش وسيره إلى أهل عمان وكانوا ارتدوا وظهر عليهم عكرمة، ثم وجهه أبو بكر أيضاً إلى اليمن فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهداً أيام أبي بكر مع جيوش المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة واستقبله أبو بكر وسلم عليه وعرض عليه المعونة فقال لاحاجة لي فيها فدع له بخير وسار إلى الشام.
يوم اليرموك
ــــــــــــ في يوم اليرموك أقبل عكرمة على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم القائظ شديد الحر، ولما اشتد الكرب على المسلمين في أحد المواقف نزل من على جواده وكسر غمد سيفه وأوغل في صفوف الروم فبادر إليه خالد بن الوليد وقال لا تفعل يا عكرمة فإن قتلك سيكون شديداً على المسلمين فقال إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع رسول الله سابقة أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على رسول الله فدعني أكفر عما سلف مني ثم قال لقد قاتلت رسول الله في مواطن كثيرة وأفر من الروم اليوم إن هذا لن يكون أبداً.
ثم نادى في المسلمين من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام بن المغيرة وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين، فقاتلوا دون فسطاط خالد (أي مكان قيادة الجيش) أشد القتال وذادوا عنه أكرم الذود حتى أثخنوا جميعاً جراحاً، وأوتي خالد بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه فجعل يمسح على وجهه ويقطر الماء في حلقه، ولقد أصيب عكرمة والحارث فدعا الحارث بماء ليشربه فلما قدم له نظر إليه عكرمة فقال ادفعوه إليه فلما قربوه منه نظر إليه عباس وكان قد أصيب معهم فقال ادفعوه إليه فلما دنوا من عباس وجدوه قد قضى نحبه.
وفاته
ـــــــ أوتي لخالد بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه فجعل يمسح على وجهه ويقطر الماء في حلقه، ولقد أصيب عكرمة والحارث فدعا الحارث بماء ليشربه فلما قدم له نظر إليه عكرمة فقال ادفعوه إليه ثم قضى نحبه، ولقد وجدوا فيه بضعاً وسبعين، من بين ضربة وطعنة ورمية. وقد برّ عكرمة بما قطعه للرسول من عهد، فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه، إلا وخاضها معهم، ولا خرجوا في بعث إلا كان في طليعتهم
المصادر
ـــــــ
1- سيرة بن هشام
2- مغازي الواقدي
3- حروب الردة
4- الاعلام للذهبي
5- الانساب للصحاري
6- فتوح البلدان للبلاذري
7- نتريخ الطبري
8- الطبقات لابن سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق