الخميس، 31 أكتوبر 2019

المقداد بن عمرو//بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د.صالح العطوان الحيالي

المقداد بن عمرو او المقداد بن الاسود
ـــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق- 24-10-2019
هو المقداد بن عمرو، بن ثعلبة، بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني، ولكنه اشتهر باسم آخر، وهو "المقداد بن الأسود الكندي".
منذ اليوم الذي حالف فيه الأسود وتبناه الأسود صار إسمه المقداد بن الأسود ، نسبة لحليفة ، والكندي ، نسبةً لحلفاء أبيه . وقد غلب عليه هذا الإسم ، واشتهر به ، حتى إذا نزلت الآية الكريمة : ( أدعُوهُم لآبائِهم ) قيل له : المقداد بن عمرو . وكان يكنى أبا الأسود ، وقيل : أبو عمرو ، وأبو سعيد وأبو معبد . ومن أهم ألقابه : « حارس رسول الله ».
عمرو ابو المقداد
كان والده عمرو بن ثعلبة من شجعان بني قومه، يتمتع بجرأة عالية دفعته إلى قتل بعض أفراد بني قومه، فاضطر إلى الجلاء عنهم حفاظاً على نفسه من طلب الثأر، فلحق بحضرموت، وحالف قبيلة كندة التي كانت تحتل مكانة مرموقة بين القبائل، وهناك تزوج امرأة منهم، فولدت له المقداد.كان عمرو من شجعان قومه إلا أن قوته أجبرته على النيل من قومه وأصاب فيهم دما مما اضطره للرحيل عنهم والتجأ إلى قبيلة كندة وتزوج منهم بامرأة تدعى تميمة والتي أصبحت أم المقداد (ويروي لنا أحد المشايخ الثقات أن عائلة سيدنا المقداد قد انتقلت لتستقر في جبل الريان وهو جبل العرب حاليا وسميت مدينة السويداء نسبة إلى الأسود, وليس كما يعتقد البعض أن السويداء سميت بهذا الاسم نسبة إلى الحجارة السوداء لأن الجبل في ذلك الوقت كان مكسوا بجميع أنواع الخضرة من أشجار ونباتات مختلفة والله أعلم).
نشأته و رحيله إلى مكة
نشأ هذا الفتى في ظل مجتمع ألف مقارعة السيف، ومطاعنة الرماح، فاتصف بالشجاعة، حتى إذا بلغ سن الشباب، أخذت نوازع الشوق تشده إلى مضارب قومه في "بهراء"، ما دفعه إلى تخطي آداب "الحلف"، لأنه كان يعتبر أن الحلف لا يعني أكثر من قيد "مهذب" يضعه الحليف في عنقه وأعناق بنيه، ولذا لم يكن هو الآخر أسعد حظاً من أبيه، حيث اقترف ذنباً مع مضيفيه و"أخواله"، فاضطر إلى الجلاء عنهم أيضاً نتيجة خلاف وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ فهرب إلى مكة، ولما وصل إليها، كان عليه أن يحالف بعض ساداتها كي يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري أحد جبابرة قريش، فتبناه، وكتب إلى أبيه يطلب إليه القدوم إلى مكة.
حب المقداد للإسلام ملأ قلبه بمسئولياته عن حماية الإسلام، ليس فقط من كيد أعدائه، بل ومن خطأ أصدقائه، فقد خرج يومًا في سريَّة تمكن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين لم يحِط بالأمر خُبْرا فخالفه، فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق، أو لا يستحقها على الإطلاق، فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث، فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له: "والآن أقِدْهُ من نفسك، ومَكِّنْهُ من القصاص", وأذعن الأمير، بيد أن الجندي عفا وصفح وانتشى المقداد بعظمة الموقف وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة، فراح يقول: "لأموتَنَّ والإسلام عزيز"
هاجر المقداد الهجرتين الأولى إلى الحبشة ، ثم عاد إلى مكة فلم يستطع الهجرة مع النبي صلّ الله عليه وسلم ، فلما بعث النبي عليه الصلاة والسلام سرية عبيدة بن الحارث بعد ثماني أشهر من هجرته ، فلقوا مجموعة من أهل قريش وكان المقداد وعتبة بن غزوان مع القرشيين ، فعاد المقداد وعتبة مع المهاجرين إلى المدينة ، وقد أخى النبي صلّ الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن رواحة .
وكان المقداد فارسًا شجاعًا ، قال عنه عمرو بن العاص أنه (يقوم مقام ألف رجل) ، وكان من الرماة الماهرين ، وهو أول فارس في الإسلام ، وكان سريع الإجابة إذا طُلب للجهاد حتى بعد أن تقدم في السن ، وكان أول من عدا به فرسًا في سبيل الله في غزوة بدر ، وقد شهد كل الغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم شارك في فتوحات الشام ، ومصر بعد وفاة سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم .
وكان المقداد رجلًا طويلًا ، كثيف الشعر عظيم البطن ، واسع العينين ، مقرون الحاجبين مهيبا ، ولحيته ليست بالكثيفة ولا بالخفيفة ، وكان للمقداد منزلة عظيمة عند النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد دعى الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين لحب المقداد ، روى بريدة بن الحصيب عن النبي محمد قوله : (عليكم بحب أربعة علي وأبي ذر وسلمان والمقداد)
إلتحاقه بالرسول و إسلامه
ذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة ، وعدّ المقداد واحداً منهم . الا انه لم يستطع إظهار إسلامه خوفاً من بطش حليفه الأسود الذي صار له كالأب و السيد- كان يكتم إسلامه. ولكن المقداد كان يتحيّن الفرص للتخلّص من ربقة "الحلف" الذي أصبح يشكل بالنسبة له ضرباً من العبودية، وفي السنة الأولى للهجرة، قيّضت له الفرصة لأن يلحق بركب النبيصلى الله عليه وسلم، وأن يكون واحداً من كبار صحابته المخلصين. فقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه الحمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترضوا عير قريش، وكان هو وصاحب له، يقال له عمرو بن غزوان لا زالا في صفوف المشركين، فخرجا معهم يتوسلان لقاء المسلمين، فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم وذهبا إلى المدينة للقاء الرسولصلى الله عليه وسلم، حيث كانت بداية الجهاد الطويل.
وهو قديم الإِسلام من السابقين، وهاجر إِلى أَرض الحبشة. ثم عاد إِلى مكة، فلم يقدِرْ على الهجرة إِلى المدينة لما هاجر إِليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبقي إِلى أَن بعثَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث في سَرِيَّةٍ، فلقوا جمعًا من المشركين عليهم عكرمةُ بن أَبي جهل، وكان المقداد وعُتبة بن غَزْوان قد خرجا مع المشركين ليتوصلا إِلى المسلمين، فتواقفت الطائفتان، ولم يكن قتال، فانحاز المقداد وعتبة إِلى المسلمين
ولكنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود خوفاً منه على دمه، وخاصة أن الأسود كان أحد طواغيت قريش، وأحد المعاندين لرسول الله.
شجاعته يوم بدروهاجر المقداد الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد بدراً والغزوات بعدها، وكان فارساً شجاعاً يوم بدر حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره.
ويروى أنه لما بلغ رسول الله عرق الظبية دون بدر استشار الناس فقال: أشيروا علي أيها الناس! فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال مثل ذلك، ثم قام المقداد بن الأسود، فقال: يا رسول الله امض بنا لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تنتهي إليه يا رسول الله.
فقال له رسول الله: «خيراً» ودعا له بخير.
من الرماة المذكورينوكان المقداد من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ومن الفضلاء النجباء الكبار الخيار من أصحاب النبي، سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سنه، وكان يقول في ذلك: أبت علينا سورة «انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً»، وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمة، طويل الأناة، طيباً.
قال عنه عمرو بن العاص: يقوم مقام ألف رجل.
وأحب المقداد الإسلام حباً كبيراً، وسعى إلى الدفاع عنه وحمايته ليس فقط من كيد أعدائه، بل ومن خطأ أصدقائه، فقد خرج يوماً في سريَّة تمكن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين لم يحِط بالأمر خُبْرا فخالفه، فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق، فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث، فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له: «والآن أقِدْهُ من نفسك، ومَكِّنْهُ من القصاص»، وأذعن الأمير، ولكن الجندي عفا وصفح وانتشى المقداد بعظمة الموقف وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة، فراح يقول: «لأموتَنَّ والإسلام عزيز».
ويروي عبدالرحمن بن أبي ليلى عن المقداد بن الأسود قال: قدمت المدينة أنا وصاحبان فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا إلى النبي فذكرنا له فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز، فقال: «احلبهن يا مقداد وجزئهن أربعة أجزاء وأعط كل إنسان جزءاً»، فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي ذات ليلة فاحتبس واضطجعت على فراشي، فقالت لي نفسي إن النبي قد أتى أهل بيت من الأنصار، فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزءاً، فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث، فقلت يجيء الآن النبي جائعًا ظمآناً فلا يرى في القدح شيئًا فسجيت ثوباً على وجهي، وجاء النبي فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم.
فكشف عنه فلم ير شيئاً فرفع رأسه إلى السماء، فقال: «اللهم اسق من سقاني وأطعم من أطعمني»، فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الأعنز، فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن، فإذا هي حافل ونظرت إلى الأخرى، فإذا هي حافل فنظرت، فإذا هن كلهن حفل، فحلبت في الإناء فأتيته به فقلت: اشرب.
فقال: «ما الخبر يا مقداد»، فقلت: اشرب ثم الخبر، فقال: «بعض سوآتك يا مقداد»، فشرب ثم قال: «اشرب»، فقلت: اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر، فقال النبي: «هيه»، فقلت كان كذا وكذا، فقال النبي: «هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك»، فقلت: إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت.
وعن ثابت البناني، قال: كان المقداد وعبدالرحمن بن عوف جالسَين، فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال: زوجني ابنتك.
فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنبي، فقال: أنا أزوجك، فزوجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب.
ولاّه الرسول إحدى الإمارات يوماً، فلما رجع سأله النبي: «كيف وجدت الإمارة؟»، فأجاب: لقد جَعَلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعًا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرن على اثنين بعد اليوم أبداً.
يقول عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله : " لقد شهدت من المقداد مشهدا، لأن أكون صاحبه، أحبّ اليّ مما في الأرض جميعا ".
في ذلك اليوم الذي بدأ عصيبا، حيث أقبلت قريش في بأسها الشديد واصرارها العنيد، وخيلائها وكبريائها ..
في ذلك اليوم .. والمسلمون قلة، لم يمتحنوا من قبل في قتال من أجل الاسلام، فهذه أول غزوة لهم يخوضونها ..
ووقف الرسول يعجم ايمان الذين معه، ويبلوا استعدادهم لملاقاة الجيش الزاحف عليهم في مشاته وفرسانه ..
وراح يشاورهم في الأمر، وأصحاب الرسول يعلمون أنه حين يطلب المشورة والرأي، فانه يفعل ذلك حقا، وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة رأيه، فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الجماعة كلها، ويخالفها فلا حرج عليه ولا تثريب ..
وخاف المقدادا أن يكون بين المسلمين من له بشأن المعركة تحفظات ... وقبل أن يسبقه أحد بالحديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار المعركة، ويسهم في تشكيل ضميرها .
ولكنه قبل أن يحرك شفتيه، كان أبو بكر الصديق قد شرع يتكلم فاطمأن المقداد كثيرا .. وقال أبو بكر فأحسن، وتلاه عمر بن الخطاب فقل وأحسن .. ثم تقدم المقداد وقال : " يا رسول الله .. امض لما أراك الله، فنحن معك .. والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون .. بل نقول لك : اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون .. !! والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا الى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتى يفتح الله لك " .. انطلقت الكلمات كالرصاص المقذوف .. وتلل وجه رسول الله وأشرق فمه عن دعوة صالحة دعاها للمقداد.. وسرت في الحشد الصالح المؤمن حماسة الكلمات الفاضلة التي أطلقها المقداد بن عمرو والتي حددت بقوتها واقناعها نوع القول لمن أراد قولا .. وطراز الحديث لمن يريد حديثا .. !!
أجل لقد بلغت كلمات المقداد غايتها من أفئدة المؤمنين، فقام سعد بن معاذ زعيم الأنصار، وقال : " يا رسول الله .. لقد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق .. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك .. والذي عثك بالحق .. لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا ..
انا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء .. ولعل الله يريك منا ما تقر عينك .. فسر على بركة الله " ..
وامتلأ قلب الرسول بشرا .. وقال لأصحابه : " سيروا وأبشروا " .. والتقى الجمعان ..
وكان من فرسان المسلمين يومئذ ثلاثة لا غير : المقداد بن عمرو، ومرثد بن أبي مرثد، والزبير بن العوّام، بينما كان بقية المجاهدين مشاة، أو راكبين ابلا ..
ان كلمات المقداد التي مرّت بنا من قبل، لا تصور شجاعته فحسب، بل تصور لنا حكمته الراجحة، وتفكيره العميق ..
وكذلك كان المقداد .. كان حكيما أريبا، ولم تكن حمته تعبّر عن نفسها في مجرّد كلمات، بل هي تعبّر عن نفسها في مبادئ نافذة، وسلوك قويم مطرّد، وكانت تجاربه قوتا لحكته وريا لفطنته ..
وفاته
توفي سنة ثلاث وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان وقبره بالبقيع
المصادر
ـــــــ
1- سير اعلام النبلاء
2- اسد الغابة في معرفة الصحابة
3- تهذيب الكمال
4- الطبثات الكبرى
5-الاصابة في تمييز الصحابة
6- مغازي الواقدي
7- النجوم الزاهرة
8- السيرة لابن حبان
9- الاستيعاب في معرفة الاصحاب
10-البداية والنهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق