الثلاثاء، 7 يوليو 2020

جعفر الطيار وعمرو بن العاص/بقلم الكاتب الاديب الراقي /الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي -العراق

جعفر الطيار وعمرو بن العاص والنجاشي والمحاورة بينهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 23--2020
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على درجة عالية في فن الالقاء والاقناع عندما يتحدثون امام اي جهة او شخصية يرسلون اليها فكانت حجتهم الكتاب والسنة وكانوا قد برعوا فيها لدرجة عالية جدا وعندما هاجر المسلمون الى الحبشة كان المتحدث عنهم جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه
هي حكاية ماضية، لكنَّ عبرَها ودلالاتِها باقية. بطلها سُلْطَانٌ عَادل، ومَلِكٌ مُقْسِطٌ، ذَاعَ صِيْتُهُ في أَرْجاءِ المعْمُورَةِ، حتى غدا أَصْحَمَةُ رَمْزاً للعدْلِ، والذي جَعَلَ مِنْه ظِلَّاً يَأْوِي إليه كلُّ مظلومٍ مِنْ شَتَّى الدِّيار. أَنْذَرَ نَبيُّنا عشيرتَه الأَقْرَبِين، وَطَاشَ مِنْ قُريشٌ صوابُها، وَخَرَجَتْ عن وَقَارِهَا، فَأَذَاقَتْ المسلمينَ المرَّ والأمرَّ، ومسَّ أهلَ الإيمان الضرُّ، ولاقَوْا مِنْ البلاءِ الذي لا يُطَاق، ولَا قُوَّةَ تَحْمِيْهِمْ، وَلَا حِلْفَ يُؤْيِهِمْ، فَأَذِنَ لهم أنْ يُهاجِرُوا إلى دِيارٍ بَعِيْدةٍ، بَينهم وبينها بَحْرٌ فيه ما فيه من المخاطر، لماذا؟ لأن فيها مَلِكَاً لا يَظلم، فالضعيفُ عنده لا يُظْلَمُ، والظَّالِمُ لا يَنتصر
ترحَّلتْ تلك الفئةُ المؤمنةُ مهاجرةً عن أوطانِها الغاليةِ، حتى إذا وصلوا تلك الديارَ عاشوا الحريةَ وعدمَ الإيذاء، ورأوا العَدْلَ كما أخبر به النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، تقول أم المؤمنين أمُّ سلمةَ – وكانت ممن هاجر -: "نزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا الله، لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ".
أمَّا قُريشٌ فقدْ بَلَغَهَا خبرُ المهاجرين، ولم يَكُنْ لهم خِيَارٌ أن يُحاربوا أهلَ الحبشةِ في أقصى الديار، فاختاروا أسلوبَ الإغراءِ وشراءِ الذِّمَمِ، فسألوا عن النَّجاشيِّ وما يُحِبُّ، فأُخْبِرُوا أنَّه يُحبُّ الجلود، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَماً كَثِيراً، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ.
لنتعرف على هؤلاء الكبار
جعفر بن ابي طالب
ـــــــــــــــــــ جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المشهور بـجعفر الطيار، وذي الجناحين، هو صحابي وقائد مسلم، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو ابنُ عم النبي محمد وأحدُ وزرائه لقوله: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَبْلِي إِلا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلالٌ». وجعفر هو أخو علي بن أبي طالب لأبويه، ويُقال إنه كان أشبه الناس بالرسولِ محمدٍ خَلقاً وخُلُقاً.
أسلم جعفر بن أبي طالب، ثم هاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة، ومكثوا فيها عند ملكها النجاشي. ثم هاجر جعفر إلى المدينة المنورة يوم فتح خيبر، فكانت له هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وآخى الرسولُ بينه وبين معاذ بن جبل الخزرجي الأنصاري. وشهد جعفر بن أبي طالب غزوة مؤتة التي دارت رحاها سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وكان هو أميرَ جيش المسلمين إذا أُصيب قائدُهم الأول زيد بن حارثة، فلما قُتل زيد بن حارثة في المعركة، أخذ جعفر بن أبي طالب اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة، فصلى عليه الرسولُ وقال: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ». ودُفن جعفر في منطقة مؤتة في بلاد الشام، وله مقام يقع في بلدة المزار الجنوبي في الأردن جنوب مدينة الكرك.
عمرو بن العاص
ــــــــــــــــــ عمرو بن العاص السهمي القرشي الكناني (592م - 682م)، أبو عبد الله، ابن سيد بني سهم من قريش العاص بن وائل السهمي، أرسلته قريش قبل إسلامه إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة فراراً من الكفار وإعادتهم إلى مكة لمحاسبتهم وردهم عن دينهم الجديد فلم يستجب له النجاشي. اعتنق الإسلام في السنة الثامنة للهجرة ، وقدِم إلى المدينة المنورة مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مسلمين بعد مقاتلتهم الإسلام كانت أولى المهام التي أسندت إليه عقب إسلامه، حينما أرسله النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ليفرق جمعا لقضاعة يريدون غزو المدينة المنورة، فسار عمرو على سرية "ذات السلاسل" في ثلاثمائة مقاتل، ولكن خصومه كانوا أكثر عددا، فقام النبي محمد بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيسا على الجميع فقبل أبو عبيدة، فأنتصر جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وهرب مقاتلو قضاعة ورفض عمرو أن يتبعه كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا نارا للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك النبي محمد حين سأله أنه قال: "كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم "، فحمد النبي محمد حسن تدبيره. وبعد إسلامه فتح مصر بعد أن قهر الروم وأصبح والياً عليها بعد أن عينه عمر بن الخطاب.أبرز ما عُرف عن عمرو بن العاص أنه كان أدهى دهاة العرب في عصره، فقد نقلت عن سعة حيلته وعبقرية تدبيره روايات تشبه الأساطير، حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب لقبه بأرطبون العرب.
النجاشي
ــــــــــــ كان النجاشي حاكم الحبشة وملك ملوكها، أي إمبراطورها، فكلمة النجاشي لفظة حبشية، وهي لقب لمن ملك الحبشة، عربها العرب إلى نجاشي، وهو لقب لمن ولي على مملكة أكسوم شرق الحبشة وإرتريا الآن، كقيصر لمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك الفرس، وخاقان لمن ملك الترك، وفرعون لمن ملك مصر
النجاشي أصحمة بن أبجر (وفيات 630م) كان أحد ملوك الحبشة. استقبل الصحابة المهاجرين إليه، واجتمعوا به في الفترة ما بين 610 ـ 629 م ويسمي (أرمها). وهو الوحيد الذي صلى عليه رسول الإسلام صلاة الغائب لما علم بوفاته
وفي السنة الخامسة للدعوة نصح الرسول المسلمين بترك مكة والهجرة إلى الحبشة لأن فيها "ملك لا يُظلم عنده أحد وعادل في حكمة كريماً في خلقة"، وهناك يستطيعون العيش في سلام آمنين على أنفسهم وعلى دينهم، وكان عددهم في ذلك الوقت ثمانين رجلاً غير الأطفال والنساء، ويقال أن الهجرة قد تمت بين 610 ـ 629 م
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسل كتابا الى النجاشي مع الصحابي عمرو بن امية ضمرة جاء فيه"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الملك القدوس، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته القاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده ونفخته، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فاقرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى".
المحاورة
ـــــــــــ
عن أبي موسى رضي الله عنه: ((بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم – إما قال: في بضع وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي – فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا – يعني لأهل السفينة – سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس – وهي ممن قدم معنا – على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة – وأسماء عندها – فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار – أو في أرض – البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه)) .
عن أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن وبالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذا ألقى الخيل – أو قال العدو – قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم)) .
عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم فجمعوا له أدماً كثيراً، ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروها أمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وخير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم إنه قد صبأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم؛ فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا: نعم. ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليردانهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي ثم قال: لا هيم الله إذا لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ليسألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسبي الجوار يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمر بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدم، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمر بالصلاة والزكاة والصيام قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا ففتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، ولما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء. قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ عليه صدراً من كهيعص. قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد. قالت أم سلمة رضي الله عنها: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غداً أعيبهم عنده ثم أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة – وكان أتقى الرجلين فينا – لا تفعل فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عليهما السلام عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. قالت أم سلمة: فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله فيه ما قال الله سبحانه وتعالى وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قالت: فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فنخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي – والسيوم الآمنون – من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دير ذهب وأني آذيت رجلاً منكم، والدير بلسان الحبشة الجبل، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد على ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع في الناس فأطيعهم فيه قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه قالت: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفاً أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت: وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت: فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنا قالت: وكان من أحدث القوم سنا قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم قالت: ودعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة))
المصادر
1- سير أعلام النبلاء
2- أسد الغابة
3- الطبقات الكبرى
4- سيرة ابن هشام
5- البداية والنهاية
6- سيرة ابن إسحاق
7- الكامل في التاريخ
8- أسد الغابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق