الأحد، 5 يوليو 2020

الموصل درة العراق تاريخها اسمائها/بقلم الكاتب الاديب الراقي /الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي

الموصل درة العراق تاريخها اسمائها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق- 19-حزيران 2020
اهتم قادة المسلمون على مر العصر الاسلامي بالعلوم والمدنية كما اهتموا بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة
تُعتبر مدينة الموصل درة بلاد العراق وإحدى الحواضر الإسلامية الكبرى في التاريخ، ومنذ تاريخها الإسلامي أولاها الخلفاء عنايةً خاصَّة، حتى صارت عاصمة لولاية الجزيرة الفراتية، وأصبحت قاعدة للفتوحات باتجاه الأناضول وآسيا الوسطى، إلى أن كانت ولاية عثمانية قائمة بذاتها، قبل أن يلحقها الاستعمار بولايتي بغداد والبصرة، مكونين دولة العراق الحديثة.
اشتهرت بمناخها اللطيف في الربيع والخريف، ولُقّبت لذلك بـ"أمّ الربيعين"، كما عُرفت بـ"الحدباء"، وذلك لإحتداب نهر دجلة الذي يخترقها، واحتداب منارة جامعها الكبير المعروف بالجامع النوري. تجمع هذه المدينة العريقة بين الماضي والحاضر، وتبدو اليوم مدينة عصرية تحتفظ بطابعها الأثري القديم في الجزء الأوسط منها. تشارف الموصل أطلال نينوى، عاصمة الأشوريين الكبرى من الشرق القديم، الممتدة على الساحل الأيسر من دجلة، وتحيط بها آثار خور ساباد والنمرود. وتشكل في توسعها امتداداً حديثاً لهذه الإطلال. تشتهر المدينة بالتجارة مع الدول المجاورة، وفي مقدمها سوريا وتركيا، وهي حلقة الوصل بين بلاد الرافدين ومحيطها.
في البدء، كانت الموصل قلعة صغيرة نشأت قديماً على الساحل الأيمن من دجلة، في المكان الذي يُعرف بمحلة القلعة. وقد عُرفت هذه المحلة في السريانية باسم "حصنا عبرايا"، أي الحصن العبوري. توسع هذا الحصن في العصر الإسلامي وباتت الموصل المعبر الذي يمر به كل قاصد
مدينة الموصل التاريخية هي مركز محافظة نينوى في شمال العراق حيث يتجاوز عدد سكان المدينة لوحدها المليوني نسمة غالبيتهم العظمى من العرب العراقيين المسلمين وينحدرون من مختلف القبالئل العربية ويوجد أيضا مسيحيون ينتمون إلى عدة طوائف وأكراد وتركمان والشبك والأيزيديين وكل هؤلاء يمثلون نسبة قليلة من مجموع سكانها ويتحدث سكانها باللهجة الموصلية والتي تميزهم وتمثل جزءا من هويتهم وهي شبيهة لحد ما باللهجات في شمال سوريا، كانت الموصل ولا تزال مجتمعا محافظا متدينا وسطيا من دون غلو ولاتطرف، وقد أستوطن البشر تلك الأرض منذ عام 6000 قبل الميلاد في السهل الممتد حول نهر دجلة وتمتاز بخصوبة أراضيها وجاء أول ذكر لمدينة نينوى في 1800 ق.م وبناها القائد الآشوري نينوس، فتحها المسلمون عام 16 هجرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بقيادة التابعي العربي "ربعي بن الأفكل" وكان أول حاكم لها بعد الفتح الأسلامي هو عتبة بن فرقد السلمي وكانت تعرف حينها بالحصنين، فهي كانت مركزا حضاريا وطريقا تجاريا مهما ومركزا مهما لتصدير الحرير عبر أيران وآسيا نظرا لموقعها المتميز مما حدا بالمؤرخين والشعراء لأطلاق أسماء عديدة تغزلا بجمالها وجمال طبيعتها فسميت الموصل لانها تصل بين طرق التجارة، والحدباء لأنحداب والتفاف مجرى نهر دجلة فيها، وأم الربيعين والفيحاء لكثرة أزاهيرها حيث تنفرد من بين محافظات العراق بطول فصليها الربيع والخريف حتى سميت بأم الربعين، والخضراء لأخضرار سطح تربتها، والبيضاء لأن مساكنها كانت تبنى بالرخام والجص الأبيض قديما وغيرها الكثير من الأسماء، ويمر بها نهر دجلة بشكل متموج من الشمال الى الجنوب ويقسمها الى قسمين، وفي الموصل يقع الجامع الأموي والذي يسمى الجامع العتيق ويعود لبدايات الفتح الأسلامي والجامع الكبير"النوري" والذي لم يبق منه سوى منارته الحدباء وبني عام 568 هجرية ومرقد النبي يونس وجرجس وجامع الخضر والكثير من مراقد الأئمة، وفيها كنائس وأديرة قديمة تعود لقرون مضت وكذك وجود آثار آشور ونينوى ونمرود والحضر وهذه كلها مجتمعة تشكل عنصرا هاما للسياحة والذي تشتهر به الموصل التي ظلت قائمة وحتى غزاها التتار الجدد منذ عامين وهدموا أغلب معالمها التاريخية والأثرية. وقتلوا وسبوا وشردوا الآلاف من سكانها الآمنين.
الموقع الجغرافي
تقع مدينة الموصل شمال العراق على بعد 396 كم، شمال العاصمة بغداد، وهي مدينة تاريخية قديمة قامت على أنقاض مدينة نينوى الآشورية، وهي أكبر مدن الشمال العراقي، ويُقسِّمها نهر دجلة إلى قسمين، وممَّا سمَّي القسم الأول بالساحل الأيسر والقسم الثاني بالساحل الأيمن، وهي ثالث أكبر مدن العراق، ويقطن الموصل سكان من أصول عربية.
قال عنها ياقوت الحموي: "المَوْصِلُ: المدينة المشهورة العظيمة إحدى قواعد بلاد الإسلام، قليلة النظير كبرًا وعظمًا وكثرة خلق وسعة رقعة؛ فهي محطُّ رحال الركبان ومنها يقصد إلى جميع البلدان، فهي باب العراق ومفتاح خراسان ومنها يقصد إلى أذربيجان، وكثيرًا ما سمعت أنَّ بلاد الدنيا العظام ثلاثة: نيسابور لأنَّها باب الشرق، ودمشق لأنَّها باب الغرب، والموصل لأنَّ القاصد إلى الجهتين قلَّ ما لا يمر بها، قالوا: وسُمِّيت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل وصلت بين دجلة والفرات".
الموصل قبل الميلاد
تشير المصادر التاريخية إلى أنه في سنة 1080 ق.م.، اتخذ الآشوريين مدينة نينوى عاصمة لهم (وهي آثار نينوى الكائنة في الجانب الايسر من مدينة الموصل حالياً)، وحصّن الآشوريون نينوى بالاسوار والقلاع التي نشاهد آثارها اليوم في باب شمس وتل قوينجق وبوابة المسقى وبوابة نركال وتل التوبة (النبي يونس) والتي يربطها سور نينوى المطمور في معظم أجزائه.
كما بنى الآشوريون عدداً من القلاع للدفاع عن أنفسهم منها القلعة الواقعة فوق التل المسمى "تل قليعات" على شاطئ دجلة مقابل مدينة نينوى والتي سميت بالحصن العبوري. . وفي سنة 612 ق.م أستولى الميديون والكلدانيون على نينوى بعد معركة طاحنة ودمروها كما دمّروا الحصن العبوري.
تأسيس الموصل
بعد هدوء المعارك، عاد أهالي الموصل ونينوى إلى ديارهم ورمموا ما خربه القتال واعادوا بناء الحصن العبوري، وازدادت هجرة القبائل العربية إلى بلاد الرافدين وبادية الشام، وازداد البناء والعمران حول الحصن العبوري حتى أصبحت قرية لها شأن يُذكر.
سماها العرب "الموصل" لكونها ملتقى عدة طرق تربط الشرق بالغرب. واهتم الأخمينيون الذين حكموها سنة 550-331 ق.م في توطين العرب والفرس فيها وأصبحت مدينة ذات شأن.
لم تسلم الموصل من الحروب التي دارت بين الشرق والغرب والتي سببت نكبتها لعدة مرات، ومنها الحروب التي دارت بين الساسانيين والرومان سنة 241 وسنة 579. وفي سنة 627 انتصر الروم على الفرس بعد معركة حاسمة قرب الموصل، فأصبحت الموصل تحت حكم الروم. الموصل كمدينة قديمة تعني الساحل الأيمن وقد بناها العرب الفاتحين ايام الفتوحات الإسلامية لمنطقة الجزيرة وجبال كردستان اما الساحل الشرقي (الايسر)من المدينة حاليا فهي بالاصل مدينة اشورية اسمها نينوى. لا يعرف بالتحديد معنى تسمية نينوى، اسم المدينة في زمن الأكديين غير أنه يرجح أن يكون له علاقة بالإلهة عشتار إلها أخسوبة الرافدينية كون اسمها القديم كان نينا. فردية أخرى ترجع اسم المدينة إلى الآرامية حيث تعني كلمة نونا السمك. ولا تزال المدينة بأكملها تعرف أحيانا بنينوى أو آثور لدى السريان. يعود أول ذكر للتسمية الحديثة إلى كسينوفون، المؤرخ الإغريقي، في القرن الخامس قبل الميلاد حيث ذكر وجود مستوطنة صغيرة تحت اسم مبسيلا غير أن كون هذه التسمية تعود لنفس المدينة الحديثة مشكوك به كونها كانت تقع على الضفة الشرقية لدجلة. يرجح من جهة أخرى أن تكون الكلمة ذات أصل عربي بمعنى "ما يوصل بين شيئين" كونها وصلت بين ضفتي دجلة لدى بنائها، وقيل بين الجزيرة والعراق، وقيل لأنها تصل بين دجلة والفرات
يعود تاريخ الموصل إلى عام 1080 ق.م، عندما اتَّخذ الآشوريون مدينة نينوى عاصمةً لهم وحصَّنوها فأقاموا حولها القلاع، ومنها القلعة التي كانت في الجهة الغربية من دجلة تُقابل مدينة نينوى، وتقع هذه القلعة فوق "تل قليعات" الذي يُشرف على السهول الغربية المقابلة لمدينة نينوى، كما يُشرف على السهول التي بين نينوى والموصل، حيث كانت هذه القلعة -الحصن- النواة لمدينة الموصل؛ فإنَّ مناعة الموقع، وخصب السهول المجاورة لها، وقربها من دجلة، ووجود حامية في الحصن، ووقوعها على طريق رئيسة تصل بين طرفي الهلال الخصيب، كل هذا شوَّق الناس على أن يسكنوا حول هذا الحصن المذكور، وأخذت البيوت تزداد على مرِّ السنين.
في زمن الإمبراطورية الآشورية الثالثة (745-612 ق.م)، صارت نينوى أعظم وأكبر مدينة في العالم، وفي كلِّ المجالات؛ العسكرية والثقافية والعلمية، وامتدَّت الإمبراطورية الآشورية من غرب الأناضول شمالًا إلى صعيد مصر والسودان جنوبًا، وما زالت الآثار الآشورية تملأ أرض نينوى، وكان من أهمِّ المكتشفات مكتبة "آشور بانيبال" التي احتوت على أكثر من عشرين ألفًا من الرِّقَم الطينيَّة في كافَّة العلوم والفنون، وهي من أهمِّ مقتنيات المتحف البريطاني في الوقت الحاضر، وكان عدد سكان نينوى أكثر من 100 ألف، وما تزال أسوارها تشهد على سعتها.
في عام 722 ق.م غزا الآشوريون مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة وأزالوها من الوجود، ونقلوا سكَّانها إلى نينوى وشمال العراق الحالي، وحاصروا أورشليم عاصمة يهوذا، ولكنَّها لم تسقط بيدهم، وهذا الزمن على الأغلب زمن نبيُّ الله يونس عيه السلام، الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الطائف: "ذلك أخي كان نبيًّا وأنا نبي".
سقطت نينوى بيد البابليين والمادبين عام 612 ق.م وتشتَّت الآشوريُّون في جنوب الأناضول وسورية، أو ذابوا في العنصر العربي المحيط بهم، ثم أصبحت المنطقة واقعةً بين مطرقة الفرس والرومان عمومًا، وبعد أن هدأت الأحوال واستتبَّ الأمن في البلاد، تراجع بعض السكان الذين سلموا من سيوف الأعداء إلى نينوى، وأسَّسوا لهم حصنًا على "تل توبة" في نينوى، كما أنَّ قسمًا منهم رجعوا إلى الحصن الغربي فرمَّموه وسكنوا فيه، فصار قرب دجلة حصنان أحدهما" الحصن الشرقي"، وهو الذي فوق "تل التوبة"، يُقابله في الجهة الغربية من دجلة " الحصن الغربي" الذي فوق "تل قليعات".
وفي القرن الرابع قبل الميلاد ازدادت العمارة حول الحصن الغربي وصار قريةً لها شأنٌ يُذكر، وقد كان يُطلق عليها مسبلا Mespila، وقد أصبح لها شأنٌ بعد سقوط نينوى لموقعها المهمِّ الذي يصل بين عدَّة أقطار، وهذا الموقع نفسه سبَّب للمدينة ويلات ومصائب عديدة؛ فقد كانت ساحةً للحروب التي استعرت نيرانها بين المتنازعين على الحكم, وفي عهد كسرى الأول أنوشروان (521-579م) كانت الحرب سجالًا بين الروم والفرس، فأغار الروم وخربوا الموصل، وفي عهد كسرى أبرويز بن هرمز (579=590م) اهتمَّ بتعزيز موقع الموصل، فبنى فيها عدَّة دورٍ وحصَّنها، وأتى ببعض الفرس وأسكنهم فيها فتوسَّعت المدينة، وكانت من معاقل الفرس القويَّة التي تصدُّ زحف الروم عنها، وقد لاقت الموصل اهتمامًا كبيرًا من أردشير وسُمِّيت باسمه "نيو أردشير"؛ أي أردشير الجديدة، وأمَّا الكتبة الآراميُّون فكانوا يُسمُّونها "حصن عبورايا"؛ أي الحصن الغربي، أمَّا العرب فقد كانوا يُسمُّونها "خولان"، كما كانوا يُطلقون عليها الحصنين.
وفي آخر معركةٍ بين الفرس والروم التي انتصر فيها الروم عام 627م، التي جاءت في القرآن الكريم في بدايات سورة "الروم": {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّه} [الروم: 2 - 5]، كان من بين الأسرى صهيب بن سنان الرومي الذي أصبح يُعرف بالصحابي صهيب الرومي.
الموصل في عهد الخلفاء الراشدين
في عام (16هـ=637م) فتح المسلمون بلاد العراق وفارس في معركة القادسية، ثم تقدَّموا شمالًا وفتحوا تكريت والموصل، وبذلك يكون قد تمَّ الفتح الإسلامي للموصل في عام (16هـ=637م)، والقبائل التي اشتركت في الفتح هي (تغلب وأياد والنمر) بقيادة ربعي بن الأفكل العنزي، وقد كانت هذه القبائل منتشرة بين تكريت والموصل، وقد سكن قسمٌ من هذه القبائل الموصل بعد الفتح، والقسم الكبير منها استمرَّ في الزحف على البلاد المجاورة وخاصَّةً أذربيجان وأرمينيَّة.
وفي عام (17هـ=638م) عيَّن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن فرقد السلمي واليًا على الموصل، وهو الذي بنى المسجد الجامع، وإلى جانبه دار الإمارة، وكان بها أحد الأجناد الستة التي جنَّدها الفاروق وجعلها تابعةً للكوفة.
وفي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه كثرت هجرة القبائل العربية إليها خاصَّةً بعد أن توطَّدت الأمور واستقرَّت الفتوحات، وأخذ العرب يقطنون البلاد المفتوحة ويتَّخذونها مقامًا لهم، وأوَّل من نزلها من القبائل هي: الأزد، وطيء، وكندة، وعبد قيس. ونزل منها أربعة آلاف، وأمَّر عليهم الخليفة عثمان بن عفان "عرفجة بن هرثمة البارقي"، وسعى البارقي في توسيع الموصل وتعميرها فاختطَّ منازل العرب فيها، ووسَّع الجامع الذي كان قد بناه عتبة بن فرقد السلمي.
وفي عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه زادت الهجرة إلى الموصل، فهاجرت القبائل العربية من الكوفة والبصرة، وهكذا توسَّعت الموصل واتَّخذها العرب دار إقامة لهم.
الموصل في عصر الدولة الأموية
وانقضى عهد الراشدين، والموصل في توسُّعٍ دائمٍ حتى صارت من أمَّهات أمصار الجزيرة؛ بل صارت الموصل عاصمةً لولاية الجزيرة الفراتية، وأصبحت قاعدةً للفتوحات باتِّجاه الأناضول وآسيا الوسطى، وبلغ خراجها في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أربعة ملايين درهم، وقد أولاها الأمويون عنايةً خاصَّةً كثيرًا؛ نظرًا إلى أهميَّتها الحربية والتجارية؛ فكانوا يولُّون عليها أقدر الولاة وأحزمهم، وكثيرًا ما كانوا يُولُّون عليها من ثبت عندهم حبُّه للإصلاح والعمران، وقد سكن الموصل من الخلفاء الأمويين هشام بن عبد الملك، وذلك قبل أن يُولَّى الخلافة، فبنى له قصرًا في ربضها الأسفل، وزرع النخيل والأثمار حوله، وبقي القصر إلى سقوط الدولة الأموية، فأقطعه أبو جعفر المنصور السحاج بن وائل الأزدي الذي ساعدهم على الأمويين.
وقد توالى على الموصل عددٌ من الولاة زادوا في خطَّتها؛ فقد أحاط سعيد بن عبد الملك بن مروان الموصل بسور، ورصف طرقها بالحجارة، وبنى بها مسجدًا عُرِفَ بـ"مسجد عبيدة" نسبةً إلى مؤذِّنه، كما بنى فيها سوق سعيد، ثم ولَّى عبد الملك بن مروان أخاه محمد بن مروان الموصل، فجدَّد سور الموصل، وربَّما أكمل السور الذي بناه ابن أخيه سعيد، أو أنَّه وسَّعه في الأماكن التي توسَّعت إليها المدينة.
وفي عام (106-113هـ=724-731م) تولَّى الموصل الحر بن يوسف الأموي، الذي وجد نهر دجلة بعيدًا عن المدينة، وأنَّ السكان يُلاقون عناء ومشقَّة في نقل الماء، فشقَّ نهرًا من قرب دير مار ميخائيل، وسيَّره محاذيًا للتلال التي تطلُّ على حاوي الكنيسة، وأجراه تحت المدينة في مجرى دجلة الحالي، بدأ بهذا العمل عام (108هـ=726م) واستمرَّ به العمل إلى عام (115هـ=733م)، فأتمَّ فتحه الوليد بن تليد العبسي وأراح الناس وعرف بـ"نهر الحر"، ورصفوا شارعًا محاذيًا لمجراه، وغرسوا على جانبيه الأشجار، فكان أهل المدينة يتنزهون به في الأمسيات، وبنى الحر قصره المعروف بالمنقوشة، وكان من القصور المشهورة، بناه عام (106هـ=724م)، وهو قصرٌ منقوشٌ بالساج والرخام الأبيض المصقول والفصوص الملوَّنة والفسافس، وكان من أجمل القصور في زمانه، وبقي القصر إلى القرن السابع الهجري.
ثم تولَّاها مروان بن محمد مرَّتين، إحداهما (102-104هـ=720-722م) والثانية (126-127هـ=743-744م)، وكان أوَّل من عظَّم الموصل وألحقها بالأمصار العظام، وجعل لها ديوانًا يرأسه، ونصب عليها جسرًا، ونصب طرقاتها وبنى عليها سورًا، وهدم المسجد الجامع ووسَّعه وبنى له منارة، وأحاطه بأسواق، فكانت أسواق الموصل الرئيسة حوله، وعلى هذا فقد صارت الموصل قاعدة بلاد الجزيرة بعد أن كانت مدينةً تابعةً للكوفة.
الموصل في عهد الدولة العباسية
انتهت الدولة الأموية عام 132هـ في معركة الزاب بالقرب من الموصل، وفي بداية العصر العباسي الأول نكبت الموصل على أثر ثورة أهلها على محمد بن صول سنة (133هـ=750م)، وفتك بها العباسيون فتكًا ذريعًا، حتى إنَّ أسواقها بقيت معطَّلةً عدَّة سنين، وكان هذا على يد يحيى بن محمد أخي السفاح، ومع ذلك بقيت عاصمةً لبلاد الجزيرة.
وفي عام (133هـ=750م) ولَّى أبو جعفر المنصور عليها عمَّه إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس، ولمـَّا دخل البلد وجدها بحالةٍ يُرثى لها، فجمع الناس وخطبهم ووعدهم بحسن السيرة فيهم بأن يردَّ عليهم المظالم، ويُعطيهم ديات من قتلهم يحيى، وكتب إلى المنصور يُعلمه بسوء حال البلد وخرابها، فكتب إليه المنصور: أن أرفق بالناس وتألَّفهم. فأخذت المدينة تستعيد مركزها الاقتصادي حتى بلغت جبايتها في خلافة هارون الرشيد (24,000,000) درهم و(20,000) رطل عسل، مع العلم أنَّ المهدي كان قد خزل منها كورة دراباذ وكورة الصامغان، ومع أنَّ المعتصم بالله خزل منها -أيضًا- كورة تكريت وكورة الطيرهان، فإنَّه بلغ ما كان يجبى منها ومن أعمالها في خلافته (6,300,000) دينار كان هذا في الربع الأول من القرن الثالث الهجري.
في عهد الدولة الحمدانية
وفي أواخر القرن (الثالث الهجري= التاسع الميلادي) ملكها الحمدانيون فاهتمُّوا بالزراعة كثيرًا، فغرسوا فيها الأشجار، وكثرت الكروم، وغرست الفواكه، وغرست النخيل والخضر، وكانوا يعنون بزراعة القطن والأرز والحبوب، وبلغ خراج الحنطة والشعير فيها خمسة ملايين درهم.
في عهد الإمارة العقيلية
وخلف العقيليون الحمدانيين في حكم الموصل سنة (368-486هـ=979-1093م)، وكانت مدينة الموصل مقرَّ الدولة العقيلية وعاصمة ملكهم، لكن عدم الاستقرار السياسي وكثرة الحروب والمنازعات الداخلية والخارجية التي سادت خلال فترة حكمهم، اضطرتهم إلى ترك المدينة، واتِّخاذ بعض المدن الأخرى الخاضغة لنفوذهم مراكزَ لإقامة الأمراء، ولقد تضافرت عوامل كثيرة داخليَّة وخارجيَّة لإزالة دولة بني عقيل في الموصل، بعد أن دامت قرنًا من الزمان معلنةً راية العصيان والثورة ضدَّ التسلُّط الأجنبي على بغداد حاضرة الدولة العباسية، كالبويهيين والسلاجقة، ولمـَّا أقام العقيليون دولتهم بالموصل اهتمُّوا بتعميرها وتعمير المناطق التي امتدَّت إليها دولتهم، ومن عمائر بني عقيل في الموصل سورها، الذي ما زالت آثاره قائمةً في المدينة، وقد أنشأه الأمير مسلم بن قريش العقيلي.
في العهد السلجوقي
لكن الامور بالموصل لم تستقر لبني عقيل؛ فقد تمكن السلاجقة من الاستيلاء على الموصل وأعمالها، وزال ملك العقيليين منها سنة (489هـ=1096م) وصارت بلادهم جزءًا من دولة السلاجقة، وقد تزعَّم السلاجقة حركة الجهاد ضدَّ الصليبيين الغزاة؛ فقد أنقذ أمير الموصل شرف الدين مودود بن التونتكين دمشقَ من السقوط في براثن الحملة الصليبية عام (518هـ=1124م)، ودمج إمارتها مع إمارة الموصل قبل أن تغتاله الباطنية (الإسماعيلية) وهو يُؤدِّي صلاة الجمعة في الجامع الأموي.
لقد تميَّزت حياة الموصل خلال العصر السلجوقي (489-521هـ) بالقلق وعدم الاستقرار، ما أدَّى إلى انصراف ولاة الموصل عن الاهتمام بالنواحي العمرانية، فشمل الخراب مناطق الموصل، وأصبح القسم الشرقي منها أنقاضًا وردمًا لا يسكنه أحد، وقد أشار المؤرِّخ ابن الأثير إلى ذلك بقوله: "كانت البلاد -أي الموصل- قبل أن يملكها عماد الدين زنكي خرابًا؛ من الظلم، وتنقُّل الولاة، ومجاورة الفرنج". وقد أدَّى تدهور العمران في الموصل إلى تقلُّص رقعتها ورحيل عددٍ من السكان إلى المناطق المجاورة، ولم تنهض الموصل من عثرتها إلَّا في العصر الأتابكي.
في عهد الدولة الزنكية الأتابكية
وفي رمضان من عام (521هـ=1127م) تسلَّم عماد الدين زنكي الموصل، وتأسَّست الإمارة الزنكية في الموصل، وبدأ بذلك العهد الأتابكي لحكم الموصل، ولمـَّا تسلَّم عماد الدين الموصل أقام بها يُقرِّر أمرها ويُصلح قواعدها، وكانت الموصل هي المركز بالنسبة إليه، فانطلق منها ليُوسِّع دولته خاصَّةً بعد أن وجد البلاد مقسَّمةً بين الأمراء، وكلِّ واحدٍ منهم قد استأثر بولايته لا يهمُّهم من أمر البلاد سوى جمع ما يقدر على جمعه من أيِّ طريقٍ كان، كما استفحل خطر الصليبيين واحتلُّوا أكثر البلاد السوريَّة ووصلوا إلى أسوار حلب، فحشد عماد الدين جيوشه وبدأ بأمراء الأطراف، ثم سار إلى حلب فاستبشر به أهلها؛ خاصَّةً لِمَا كانوا يقاسونه من النزاع بين الأمراء، فضلًا عمَّا يُصيبهم من مضايقة الصليبيين لهم حتى كانوا يُقاسمونهم في بعض محاصيلهم، ثم توجَّه إلى حماة فاستولى عليها عام (524هـ=1130م)، ثم التفت إلى ما جاوره من حصون النصارى فهاجمهم ودخل معهم في معارك كبيرة، كان فيها مؤيَّدًا من الله بالنصر العظيم عليهم فهابه النصارى، وأصبح أعظم قائدٍ في الهلال الخصيب، وصار ملكه يمتدُّ من شهرزور شرقًا، إلى قرب سواحل سوريَّة غربًا، ومن آمد وديار بكر وجبال الأكراد الهكارية والحميدية شمالًا إلى الحديثة جنوبًا.
وقد توَّج زنكي حروبه بإسقاط إمارة الرها الصليبية عام (539هـ=1144م)، ثم خلفه ابنه نور الدين محمود بن زنكي (مهندس فتح بيت المقدس)، الذي بنى المسجد الجامع الكبير (النوري) عام 566هـ، الذي ما زالت منارته من أهمِّ معالم الموصل والمنطقة، ونور الدين زنكي هو الذي عبَّد الطريق أمام صلاح الدين الأيوبي لاحقًا لفتح بيت المقدس.
في العهد المغولي
وعلى الرغم من سقوط الموصل عام 660هـ على يد المغول، فإنَّها تحتفظ بمأثرة إسلام الملك "تكودار بن هولاكو" عام 681هـ على يد الشيخ عبدالرحمن الموصلي، الذي سمَّى نفسه أحمد تكودار، وبعد السيطرة المغولية تعاقب عدَّة دويلات عليها، واحتلَّها الشاه إسماعيل الصفوي عام (913هـ=1508م)، ثم صارت تحت سيطرة الدولة العثمانية عام (922هـ=1516م).
في عهد الخلافة العثمانية
وفي عهد الخلافة العثمانية كانت الموصل إحدى الولايات التابعة لها، ثم أصبحت ولايةً عثمانيةً قائمةً بذاتها عام (945هـ=1539م)، وقد تمكَّنت في حكمها المحلي والإقليمي الأسرة الجليلية (1136-1249هـ=1724-1834م)، التي تنتمي إلى مؤسِّسها عبد الجليل، وبرز من هذه العائلة اسم الوزير الحاج حسين باشا الجليلي (1108-1171هـ=1697-1758م) بشكل مؤثِّرٍ من خلال الخدمات العسكرية التي قدَّمها للدولة العثمانية ضدَّ الفرس وخصوصًا نادر شاه، وقاد هذا الوزير انتصار الموصل على نادر شاه في عام (1156هـ=1743م)، ومنع بذلك امتداد إيران الأفشارية في السيطرة على المشرق العربي؛ حيث أرسل نادر شاه أكثر من 200 ألف مقاتل لمحاصرة الموصل والقضاء عليها في سعيه نحو إسطنبول، وقد استعمل مئات المدافع لقصف الموصل بأكثر من 200 ألف قذيفة، وتصدَّى أهل الموصل لهذا الهجوم الهمجي، ولم يكن فيها إلَّا 30 ألف مقاتلٍ بقيادة حسين باشا الجليلي، واستطاعوا وقف جيش نادر شاه وإجباره على الانسحاب، وتُعدُّ هذه الملحمة واحدةً من أكبر ملاحم الحصار في التاريخ الحديث.
وقد اكتسب حسين باشا الجليلي لقب "بطل الحصار"، فثبت من خلال عمله الاستراتيجي موقع أسرته المحليَّة سياسيًّا وإداريًّا في حكم ولاية الموصل لفترة تقترب من قرنٍ كاملٍ في التاريخ الحديث للمشرق العربي.
وكان من أبرز أبناء الأسرة الجليلية الوزير محمد أمين باشا الذي مُنح لقب "الغازي" نظرًا إلى اشتراكه في الحرب العثمانية - الروسية عام (1184هـ=1770م) كسردار للجيوش العثمانية، وقد أُسِرَ من قِبَلِ الروس، وفُكَّ أسره بعد حوالي خمس سنوات، فقابل السلطان عبد الحميد الأول (1180-1203هـ=1774-1789م) الذي وكل إليه مهمَّة تعديل نظام بلاد الشرق والعراق وولَّاه العراق، ولكنَّه تُوفِّي سنة (1181هـ=1775م) قبيل الشروع بمهمَّته الكبرى.
إحدى المدن العراقية الكبرى
بقيت الموصل وولايتها الواسعة ضمن إطار الدولة العثمانية إلى أن سقطت بيد الاستعمار البريطاني عام 1918م؛ حيث ألحقوها بدولة العراق التي كوَّنوها بعد دمجها بولايتي بغداد والبصرة، وبعد تنكُّرهم لاتفاقية "سايكس بيكو"؛ حيث كانت الموصل تابعةً للنفوذ الفرنسي حسب هذه الاتفاقية، وصارت جزءًا من مملكة العراق المستحدثة، وذلك بسبب اكتشاف النفط آنذاك في كركوك، وعين زالة التي زالت بانقلابٍ عسكريٍّ عام 1958م، وهي الآن مدينةٌ من أهم المدن العراقية التي تحظى بمكانةٍ عالية.
اسماء الموصل
1- أشار الرحالة اليوناني زينوفون في رحلته عام (401) ق.م إلى الموصل باسم (مسبيلا) المستنبطة من الكلمة الآشورية (مشبالو) التي تعني الأرض السفلى أو الأرض الواطئة أو المنخفضة، أنظر سهيل قاشا
2- سميت الموصل باسم (نيو أردشير) أي أردشير الجَدِيدة، نسبة إلى المَلِك الساساني الفارسي أردشير الأوّل، وقد لاقت اهتماماً كبيراً من قِبَلْه. ولد أردشير الأوّل أواخر القرن الثاني في المرزبان، وحكم مَدِينَةٌ اصطخر، ثم ثار ضد أخيه وأخذ منه الملك في سنة 208م وقام أردشير بالسيطرة على كثير من بلاد فارس والمدن المجاورة لـ(كرمان) و(أصفهان) ومنها الموصل، أنظر سهيل قاشا
3- سميت الموصل بـ(الحصن العبوري) من قِبَل الآراميين، أي: الحصن الغربي. جاءت هذه التسمية بعد أن سقطت تحت الحكم الساساني الذي أفقرها وجردها من هويتها الآشورية، بعد سقوط نِينَوَى الآشورية أنتقل التجمع السكاني إلى الطرف الثاني من نهر دجلة وهو مكان أكثر تحصيناً لوقوعه في منطقة مرتفعة محاطة بالنهر عُرفت بـ(عبورايا) ثم سميت الموصل بعد الفتح الإسلامي، أنظر سهيل قاشا
4- سميت الموصل في الجاهلية بـ(عربايا) أي: محل إقامة العرب، ويقصد هنا بالجزيرة العربية، لأنه كان يقطنها الكثير من القبائل العربية. كما أشار الهمذاني "كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا، وهي الموصل، لقدرها عندهم، وعن ريف الجزيرة، وما يليها لأنها تعدل في الخصب باعربايا.ـ
5- أطلق العرب على الموصل اسم (خولان) كما أشار المقدسي في كتابه، أحسن التقاسيم، وذكر ذَلِك عماد الدين خليل في كتاب: خطوات في تُراث الموصل. وعند البحث عن أصل هذه التسمية وجدت أن (خولان) قبيلة عربية قطنت في صعدة باليمن في زمن الجاهلية (قَبل الإسلام) وأعلنت إسلامها في السنة العاشرة للهجرة. يقال: إن عدداً من أبناء هذه القبيلة نزح نحو الحجاز وبلاد الشام مرتين: الأُولَى قَبل الإسلام بسبب قتال مع عشيرة يمنية أخرى ما أدى إلى نزوحها من اليمن باتجاه الشام والموصل. أما المرة الأخرى فكانت بعد دخولها الإسلام من خلال مشاركتها في الفتوحات الإسلامية، وبلغت بلاد الأندلس والشام والموصل. وأعتقد - أنا شخصياً - أن هذا هو الربط الوحيد الذي يقبل المنطق، ولم أجد أي ربط آخر يبين اسم هذه القبيلة وتسمية الموصل بـ(خولان)، وربما يحتاج هذا الأمر إلى بحث أدق، ودراسة أعمق... نأمل أن نجد في المستقبل إن شاء الله بحبوحة من الوقت للتحقق من هذا الموضوع.ـ
6- كما أطلق عليها العرب اسم (الحِصْنين). يشير ابن الأثير الجزري ، إلى أنه: بعد انتصار المسلمين على الساسانيين في معركة القادسية توجه قسم منهم وشن حصاراً على تكريت التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين وتمكنوا من دخولها واتجه ربعي بن الأفكل التغلبي إلى الموصل (عرفت في المصادر الإسلامية بالحِصْنين آنذاك) وفتحها، وهناك اختلاف على تَارِيخ استسلام المَدِينَة، فيروي البعض أن ربعي بن الأفكل دخلها عام 637 (16 هـ) بينما يرجئه آخرون حتى 641 (21 هـ). ومن يرغب بالدخول في تفاصيل فتح الموصل، فعليه مراجعة كتابات: ابن الأثير، أو اليعقوبي، أو الأزدي، أو الطبري.ـ
أما التسميات التي وردت بعد الفتح، أي: بعد فتحها عام 17 للهجرة، وحديثاً فهي:ــ
1- أم الربيعَيْن: لأنها منطقة معتدلة دافئة، يبلغ ارتفاعها 730 قدماً (223م) فوق مستوى سطح البحر ويسيطر عليها مناخ البحر المتوسط. وتعد من الوجهات السياحية المهمة التي يقصدها النّاس من محافظات كثيرة في العراق لغرض الاصطِياف، لاسيما في نهاية موسم الربيع والصيف وأوائل فصل الخريف. ذَلِك أن الموصل – أم الربيعَين – تتميز بـاعتدال مناخها ونقاء أجوائها وعذوبة مياهها، كما أن طرق الوصول إِليها معبدة وميسرة وسهلة. أما خريفها فهو يشبه ربيعها ولا يختلف عنه من حيث طبيعة المناخ ولهذا أطلق عليها اسم أم الربيعَيْن.ـ
2- الْحَدْبَـاء: هنالك عدة آراء لسبب تسمية الموصل بالحَدْبَـاء. الأوّل: وهو ما يشير إليه ياقوت الحموي ، هو احتداب في دجلتها، واعوجاج في جريانها. والثاني: ما يشير إليه ابن بطوطة، كما جاء في ستار تايمز ، إلى أن التسمية تعود إلى قلعتها الْحَدْبَـاء، وذكرها محمد أمين العمري في منهل الأولياء وهو احتداب أرضها حيث البيوت مبنية على نشز من الأرض.ـ
والرأي الثالث يرى أن التسمية جاءت نسبة إلى اِحْدِيداب منارتها في الجامع النوري (الكبير). استعرض حازم البكري في كتابه: معجم الألفاظ الموصلية، الجزء الأوّل، الآراء المختلفة حول تسمية الموصل بالحَدْبَـاء: فبالنسبة لقول ياقوت الحموي (سميت الموصل بالحَدْبَـاء نسبة إلى اِحْدِيداب في نهرها واعوجاج في جريانه)، فإن البكري يرى أن هناك مناطق كثيرة في طول مجرى نهري دجلة والفرات، فيها اِحْدِيدابات واعوجاجات أكثر مما في هذه المنطقة ومع ذَلك، لم تُسَمَّ أيُّ قريةٍ أو بلدةٍ واقعة عليها باسم الحَدْبَـاء. وبالنسبة لقول ابن بطوطة (لقبت الموصل بالحَدْبَـاء، لانحداب في قلعتها) يقول البكري: إن جميع القلاع القَدِيمة كانت تشيد على نشز من الأرض وارتفاع لتكون مشرفة ومتسلطة على الأراضي المجاورة، ويقول أيضاً: أما من قال بأنها سميت بالحَدْبَـاء نسبة إلى احْدِيداب منارتها، أقول بأن الموصل لقبت بالحَدْبَـاء قَبل بناء المنارة بفترة طويلة. ثم يقول: وقد أطلعني أحد الإخوة الأدباء على كلمة نقلها من جريدة الموصل في عددها (143 الصادرة بتَارِيخ 14/11/1919). جاء فيها: تعرف منطقة الموصل عند الآراميين باسم (حدياب) وكانت الجزيرة تعرف بالموصل. فهما موصلان. وقد قال الشاعر الزبيدي في تاج العروس:ـ
وبصرةُ الأزد مِنَّا والعراقُ لنا ... والموصلان، ومنا المصرُ والحرم
وكان الكتّاب إذا أرادوا الموصل التي بحذاء نِينَوَى ودون سواها قالوا (موصل حدياب) ثم حرف الاسم إلى (موصل حدباي). وعند علماء الصرف أن الياء إذا تطرّفت قلبت إلى همزة. لذَلِك أصبحت (موصل حدباء). وبمرور الزمن وتقلب الظروف توهم النّاس أن كلمة حدباء هي صفة للموصوف، فقالوا: الموصل الحَدْبَـاء. وربما كان هذا التعليل هو الصحيح.ـ
3- (يوفيميا): يرسم لنا الكاتب الإيطالي أيتالو كالفينو في كتابه (مدن لامرئية)، كما أشار إلى ذَلِك صلاح سليم
4- الزهراء: أطلق هذه التسمية السَرِيُّ بن أحمد بن السَرِيّ الكندي، الرَفَّاء الموصلي: و من أجمل ما قاله من شعر، حيث ينجلي فيها الإبداع والفن الرفيع وعكست صورة قلبه ووجدانه وما كان يجيش في صدره من مشاعر وأحاسيس صادقة، والقصيدة مطلعها:ــ
لا ازجـر الدمع إن هـمت ســواكبه والنفـس قد بعدت منــها أمانيـها
سقى ربى الموصل الزهراء من بلد جود من الغيث يحكي جود أهليها
أرض يحـن إِليــها من يفارقـــها ويحمـد العيش فيــها من يدانيــها
4- أم القلاع: هنالك تسمية أخرى للموصل في معرض دراسة حديثة لها، تعود إلى القرون الوسطى هي: أم القلاع السبع، حيث إن الآشوريين اتخذوا سنة 1080 ق. م نِينَوَى عاصمة لهم، وهي العاصمة الثالثة بعد آشور القَدِيمة وكالح العاصمة الثانية، فبدأوا بتحصينها وتحكيمها وأقاموا حولها القلاع. كما أشارت إلى ذَلِك: عشتار البرزنجي في "مدن ومناطق الوطن".ـ
5- أم العلا: أطلقت تسمية أم العلا على مَدِينَة الموصل، كما ورد ذكر ذَلِك من خلال الأزجال (جمع زجل) التي تعود إلى العهد الجليلي، ويرد فيها ذكر الموصل باسم أم العلا. اقتبست هذه الأزجال من كتابات الأستاذ عامر سالم حساني وتعليقاته المنشورة في مواقع متعددة.
6- أم الرماح: جاءت التسمية حديثاً في نهاية القرن الماضي، لأن الموصل كانت ولا زالت عصية على من حاول غزوها أو احتلالها. لقد دافع الموصليون عن مدينتهم عبر الأزمان وحققوا نصراً عظيماً خلده التَارِيخ، كان آخرها حصار نادر شاه للموصل سنة 1743، الذي واجه مقاومة شديدة بقيادة الوالي الحاج حسين باشا الجليلي، الذي لعب دوراً مهماً في مواجهة الحصار. كما استبسل أهل الموصل، حيث غالبيتهم من الجيش العراقي، في الدِّفاع عن العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. لذَلِك لقبت، من قِبَل الرئيس العراقي السابق، بمَدِينَة الرماح العوالي أو أم الرماح.ـ
7- الفيحاء: يطلق لقب الفيحاء على أكثر من مَدِينَة عربية منها دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية، والموصل، والحلة مركز بابل، والبصرة جنوب العراق. وجاءت هذه التسمية لكثرة زراعة الأشجار والفواكه والحمضيات فيها، أنظر سهيل قاشا
8- الخضراء: يتوسط مَدِينَة الموصل نهر دجلة، وفيها الغابات الخضراء المكتظة بأشجار الصنوبر والبلوط وغيرها. وفي فصل الربيع تكسو سهولها وهضابها لوحة خضراء كأنها سجادة منقوشة بخيوط زاهية الألوان، مما يجعل أرضها ترتدي حلة قشيبة مزركشة، كأنها في عرس دائم واحتفال بهيج، ولذَلِك سميت بالخضراء، أنظر سهيل قاشا
9- البيضاء: يشير زكريا ابن محمد بن محمـود القزويني في كتابه "الموصل في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد"، (ت 682 هـ /1283 م)، إلى أن الموصل سميت بـ(البيضاء) لأن دورها مبنية بالرخام والجص الأبيض قَدِيماً. ومن الجدير بالذكر أن هنالك مدناً أخرى تلقب بالبيضاء في أقطار عربية أخرى، مثل: ليبيا، سوريا، الجزائر، واليمن.ـ
10- أرض التيمّن: تعود هذه التسمية إلى القرن التاسع عشر الميلادي ولعلها سبقت هذا الزمن بسنين عديدة، أنظر الشماس نوري ايشوع
11- جنة الأرض: هكذا نعتَها الشاعر الفلسطيني هاشم مناع في قصيدته التي مطلعها:ـ
غَنَّيْتُ لِلموصلِ الحَدْبَـاءِ أَلحَـانَـا .. حُبّاً وَعِشْقاً وَإِخْلاصاً وَعِرْفَانَا
يَا عُرْبُ هَلْ جَنَّةٌ فِي الأَرْضِ تَعْدِلُهَا .. زَرْعاً وَنْهْراً وَبُنْيَاناً وَسُكَّانَا
المصادر:
1- ياقوت الحموي: معجم البلدان
2- سعد سعيد الديوه جي: الموصل .. نينوى .. في التاريخ
3- وسيم الشريف: الموصل في التاريخ، مدونة تاريخنا
4- الكامل في التاريخ لابن الاثير
5-الموصل في العهد الراشدي والأموي - عبد الماجود احمد السلمان
6- جوامع الموصل- سعيد الديوة جي
7- الموصل أيام زمان" - أزهر العبيدي
8- ابن العبري
9- المقريزي ج1 ص:499
10-تاريخ المغول العظام والإليخانيين. د. محمد سهيل طقوش
11- ابن الفقيه الهمذاني، "مختصر كتاب البلدان"
12- القزويني، زكريا ابن محمد بن محمـود، "الموصل في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد"
13- ايتالو كالفينو، "مدن لا مرئية"، ترجمة: ياسين طه حافظ
14-حازم البكري، " معجم الألفاظ الموصلية والموروثات التُراثية"
15- ستار تايمز، "مدينَة الموصل الْحدبَاء"
16-سهيل قاشا، "الموصل في العهد الجليلي"
17-عشتار البرزنجي، " مدن ومناطق الوطن"،ـ
18-عماد الدين خليل، "خطوات في تُراث الموصل"
19- محمد بن أحمد المقدسي، " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"
20- نوري ايشوع هرمز،" مار ميخائيل رفيق الملائكة"، الشبكة المسيحية،
21- صلاح سليم علي، "الموصل بين التصور التَارِيخي والخيال الأسطوري" ملتقى أبناء الموصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق