السبت، 11 يوليو 2020

قصيدة بعنوان((حقيقة السلطان))بقلم الكاتب الاديب الراقي /الشاعر المبدع/د. صالح العطوان الحيالي

حقيقة السلطان سليمان القانوني بعيدا عن التشويه و تلفيق المنافقين وحريم السلطان
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق-25-حزيران-2020
قال تعالى: "يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".... بين الحين والاخر تخرج علينا ابواق مأجورة وبعض المنتسبين لأهل العلم ممن تبنوا أساليب الطعن والتشويه ونشر الادعاءات الكاذبة حول تاريخ الدولة الإسلامية العثمانية وسلاطينها العظام، وروجوا لتلك الادعاءات بطريقة لا موضوعية ومليئة بالاتهامات والافتراء، وادعوا بأن مرحلة حكم الدولة العثمانية للبلاد العربية كانت مرحلة مظلمة تسوها المظالم والبطش والتنكيل والطغيان واللهو والطيش، وعملهم هذا وظف خدمةً للثورات المضادة وأعداء الإنسانية والحرية والسلام والأجهزة الاستخباراتية التي تحارب إرادة الشعوب...
الافتراء والتلفيق ونسج القصص والنفاق على الانبياء والخلفاء ورجال الدولة قديم منذ قدم الزمان اليهود والنصارى يفتري على نبي الله سليمان عليه السلام، فيقول في سفر الملوك الأول: (وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه فذهب سليمان وراء عشتروث إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين).
حاشا نبي الله عليه السلام.فإن كانوا يقولون ذلك في النبي سليمان مع أنه يعترفون بنبوته ويفتخرون به، فماذا تتوقعون أن يقولوا عن الخليفة سليمان الذي مرغ أنوفهم في التراب حتى قال عنه المؤرخ الألماني هالمر ” كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه” ؟!
أحرق أعداء الإسلام وأغرقوا مكتبات بغداد وقرطبة وغرناطة وأشبيلية وطرابلس لبنان والقدس وعسقلان وغيرها. يحرقون كتبنا ثم يكتبون تاريخنا بأنفسهم. فهل يليق بنا بعد ذلك أن نعرض عما تبقى من مؤلفات علمائنا ومؤرخينا؟!
ألا ينبغي لنا إخوتي بدلا من أن نتعرف على الخليفة سليمان من كتب أعدائنا الموجوعين منه، ألا ينبغي أن نتعرف عليه من كتب علماء ومؤرخين مسلمين عاصروا الخليفة أو كانوا قريبي عهد به
لا يختلف مؤرخو الدولة العثمانية القُدامى منهم أو المعاصرون على أن أعظم سلاطينها على الإطلاق هو السلطان «سليمان القانوني» [1520-1566]؛ ففترة حكمه تُعرف بالعصر الذهبي التي توسعت فيه الدولة بضم أراضٍ جديدة، ورسُخَت فيها المؤسسات القائمة، وقد كان للسلطان يد طولى في هذا النمو والازدهار الكبير؛ بعدله وحكمته التي عُرف بهما.....سليمان خان الأول بن سليم خان الأول،كان عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين الثمانين،وثاني من حمل لقب "أمير المؤمنين" من آل عثمان. بلغت الدولة الإسلامية في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت.وصاحب أطول فترة حكم من 6 نوفمبر 1520م حتى وفاته في 5/6/7 سبتمبر سنة 1566م خلفاً لأبيه السلطان سليم خان الأول وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني. عُرف عند الغرب باسم سليمان العظيم وفي الشرق باسم سليمان القانوني (في التركية Kanuni) لما قام به من إصلاح في النظام القضائي العثماني. أصبح سليمان حاكمًا بارزًا في أوروبا في القرن السادس عشر، يتزعم قمة سلطة الدولة الإسلامية العسكرية والسياسية والاقتصادية. قاد سليمان الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529م. ضم أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين ومناطق شاسعة من شمال أفريقيا حتى الجزائر. تحت حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج.
في خضم توسيع الإمبراطورية، أدخل سليمان إصلاحات قضائية تهم المجتمع والتعليم والجباية والقانون الجنائي. حدد قانونه شكل الإمبراطورية لقرون عدة بعد وفاته. لم يكن سليمان شاعراً وصائغاً فقط بل أصبح أيضاً راعياً كبيراً للثقافة ومشرفاً على تطور الفنون والأدب والعمارة في العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية. تكلم الخليفة أربع لغات: العربية والفارسية والصربية الجغائية (لغة من مجموعة اللغات التركية مرتبطة بالأوزبكية والأويغورية).
هو سليمان القانوني سليمان الأول بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.
هو أحد أشهر السلاطين العثمانيين، حكم مدَّة 48 عامًا؛ منذ عام 926هـ، ولد في 6 نوفمبر من عام 1494 في منطقة طرابزون ووالده السلطان سليم الأول، وقد تربى على الفروسية ودرس الأدب والتاريخ والعلوم، ثم التحق ببعض المدارس العسكرية في اسطنبول، حيث تعلم العلوم العسكرية. في 22 سبتمبر 1520 تولى سليمان الحكم بعد وفاة والده ونهج نهجاً عجيباً فذلل كل الصعوبات بعزيمة قوية وقمع الخارجين عليه وأخمد معظم الفتن في أنحاء الدولة العثمانية وبسط هيبة العثمانيين في قلوب الناس في كل مكان. وبذلك يكون صاحب أطول فترة حُكْم بين السلاطين العثمانيين. قضى السلطان سليمان القانوني ستة وأربعين عامًا على قمَّة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، وبلغت في أثنائها الدولة قمَّة درجات القوَّة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحوٍ لم تشهده من قبلُ، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث، وامتدَّت هيبتُها فشملت العالم كلَّه، وصارت سيدة العالم؛ تخطبُ ودَّهَا الدول والممالك، وارتقت فيها النظم والقوانين التي تُسَيِّرُ الحياة في دقَّة ونظام، دون أن تُخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
سليمان القانوني يتولى مقاليد السلطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ تولَّى السلطان سليمان القانوني الخلافة بعد موت والده السلطان سليم الأول في (9 من شوال 926هـ= 22 من سبتمبر 1520م)، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها، وكان يستهلُّ خطاباته بالآية الكريمة: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]، وقد كانت الأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة.
ففي الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة، والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سنِّ السلطان -الذي كان في السادسة والعشرين من عمره- فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القويَّة التي لا تلين، فقضى على تمرُّد جان بردي الغزالي في الشام، وأحمد باشا في مصر، وقلندر جلبي في منطقتي قونية ومرعش؛ الذي كان شيعيًّا، وقد جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.
جهاد سليمان القانوني
ـــــــــــــــــــــــــــ تعدَّدت ميادين القتال التي تحرَّكت فيها الدولة العثمانية لبسط نفوذها في عهد سليمان؛ فشملت أوربا وآسيا وإفريقيا؛ فاستولى على بلجراد سنة (927هـ= 1521م)، وحاصر فيينا سنة (935هـ= 1529م)؛ لكنه لم يُفلح في فتحها، وأعاد الكَرَّة مرَّة أخرى، ولم يكن نصيبها أفضل من الأولى، وضمَّ إلى دولته أجزاءً من المجر بما فيها عاصمتها بودابست، وجعلها ولاية عثمانية.
وفي آسيا قام السلطان سليمان بثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية؛ ابتدأت من سنة (941هـ= 1534م)، وهي الحملة الأولى التي نجحت في ضمِّ العراق إلى سيطرة الدولة العثمانية، وفي الحملة الثانية سنة (955هـ= 1548م) أُضيف إلى أملاك الدولة تبريز، وقلعتا: وان وأريوان، وأمَّا الحملة الثالثة فقد كانت سنة (962هـ= 1555م) وأجبرت الشاه طهماسب على الصُّلح وأحقية العثمانيين في كلّ من أريوان وتبريز وشرق الأناضول.
كما واجه العثمانيون في عهده نفوذَ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي، فاستولى أويس باشا والي اليمن على قلعة تعز سنة (953هـ= 1546م)، ودخلت في عهده عُمَان والأحساء وقطر ضمن نفوذ الخلافة العثمانية، وأدَّت هذه السياسية إلى الحدِّ من نفوذ البرتغاليين في مياه الشرق الأوسط.
وفي إفريقيا دخلت ليبيا، والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال ضمن نفوذ الخلافة العثمانية.
تطوير البحرية العثمانية
ـــــــــــــــــــــــــــ كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًّا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني، وأصبحت مسئولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة، وفي عهد سليمان ازدادت قوَّة البحرية على نحو لم تشهده من قبل؛ وذلك بانضمام «خير الدين بربروس»، وكان يقود أسطولاً قويًّا يُهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، وبعد انضمامه إلى الدولة منحه السلطان لقب «قبودان».
وقد قام خير الدين بفضل المساعدات التي كان يتلقَّاها من السلطان سليمان القانوني بضرب السواحل الإسبانية، وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا؛ فقام في سنة (935هـ= 1529م) بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية.
وقد أوكل السلطان إلى خير الدين بربروس قيادة الحملات البحرية في غرب البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا أن تقضي على أسطوله؛ لكنها كانت تُخفق في كل مرَّة وتتكبَّد خسائر فادحة، ولعلَّ أقسى هزائمها كانت معركة بروزة سنة (945هـ= 1538م).
وقد انضمَّ أسطول خير الدين إلى الأسطول الفرنسي في حربه مع الهابسيورج، وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة نيس (950هـ= 1543م)؛ وهذا ما أدَّى إلى تنازل فرنسا عن ميناء طولون الفرنسي برضاها للإدارة العثمانية، وتحوَّل الميناء الحربي لفرنسا إلى قاعدة حربية إسلامية للدولة العثمانية في غرب البحر الموسط.
الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني
ــــــــــــــــــــــــ واتَّسع نطاق عمل الأسطول العثماني فشمل البحر الأحمر؛ حيث استولى العثمانيون على سواكن ومصوع، وأخرجوا البرتغاليين من مياه البحر الأحمر، واستولوا على سواحل الحبشة؛ وهو ما أدَّى إلى انتعاش حركة التجارة بين آسيا والغرب عن طريق البلاد الإسلامية.
الإنجازات العسكريّة والسياسيّة لسليمان القانونيّ
ـــــــــــــــــــــــــ يُعتبَر عهد السُّلطان سليمان القانونيّ عهداً ذهبيّاً للدولة الإسلاميّة؛ حيث ضمَّت دولته مجموعة كبيرة من المُدُن، والعواصم في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، كما أصبحت دولته تسيطرُ على كلٍّ من البحر الأحمر، والبحر الأسود، والبحر الأبيض المُتوسِّط، ومن الجدير بالذكر أنّه كان لسُليمان القانونيّ إنجازات مختلفة في كلٍّ من أوروبا، والدُّول العربيّة، حيث نوردها في النقاط الآتية:
إنجازاته في البلاد العربيّة:
ضمَّ كُلّاً من عَدن صنعاء، ومضيق باب المندب إلى دولته.
استطاع حماية أفريقيا من الخطر المُحيط بهم (خطر الإسبان، والبرتغاليّين)، وبقيادة خير الدين بربروس تمّ ضمّ تونس إلى دولته.
تمكَّن من التصدِّي لتدخُّلات الصفويّين في العراق، وغزا عاصمتهم تبريز في عام 942 هجريّة.
إنجازاته في أوروبا:
سيطرَ على بلاد القرم الواقعة شمال البحر الأسود، كما استطاع دخول عاصمة صربيا (بلغراد)، وحاصر عاصمة النمسا (فيينا).
تمكَّن من السيطرة على جُزُر مُتعدِّدة من البحر الأحمر، كجزيرة رودس.
عقدَ اتِّفاقية مع فرنسا؛ حتى يضمن وقوفها إلى جانبه في حَربه ضِدّ كُلٍّ من إسبانيا، والبرتغال، والنمسا.
التطوُّر الحضاريّ في عهد سليمان القانونيّ
ــــــــــــــــــــــــــــــ عُرِف عن سليمان القانونيّ حبُّه، وتذوُّقه للشعر، ومعرفته بلغات الشرق، كاللغة العربيّة، ومقدرته على الكتابة بخطٍّ جميل، كما أنّه كان مُحِبّاً للبناء، والإعمار؛ وهذا ما جعله يُنفق بسخاء على الأبنية الكبيرة، فبنى الحصون، والمعاقل في بلغراد، ورودس، وكذلك بودا، وأنشأ الصهاريج، والقناطر، والمساجد في مختلف أنحاء دولته، وخصوصاً بغداد، ودمشق، ومكّة المُكرَّمة، بالإضافة إلى ما شيَّده من عمائر رائعة في عاصمة دولته، ومن أهمّ مَعالِم التطوُّر الحضاريّ في عَهده، يُذكَر ما يلي:
بناء مسجد السليمانيّة (مسجد سليمان القانونيّ) في إسطنبول، والذي يُعتبَر من أبرز الأعمال المعماريّة التاريخيّة في العالَم الإسلاميّ.
ظهور مُهندسين معماريّين بارزين في عهده، وأهمّهم سنان باشا الذي كان له أسلوب خاصّ في البناء، كما انّه شارك في كثير من الحملات العُثمانيّة.
ازدهار المُنمنَمات العُثمانيّة (الرسوم) في عهده، حيث قُدِّمت الحوادث الاجتماعيّة، والسياسيّة في عهد سليمان القانونيّ من خلال مُنمنَمات ذات ألوان زاهية.
الاهتمام بالخطّ؛ حيث برزت في عهده مجموعة من الخطّاطين العِظام، وعلى رأسهم حسن أفندي الذي كتبَ الخطوط الموجودة على جامع السليمانيّة، كما أنّ من الخطّاطين المشهورين أيضاً أحمد بن قره حصاري الذي كتبَ القرآن الكريم بخطّه، علماً بأنّ هذا المصحف يُعتبَر من روائع الخطّ العربيّ، وهو يُوجَد حاليّاً في متحف طوب قابي.
بروز مجموعة كبيرة من العلماء في عهده، ومن أهمّهم أبو السعود أفندي، صاحب كتاب التفسير (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم).
إنشاء أكبر مشروع حضاريّ مُهمّ، ألا وهو ترميم المسجد الأقصى، وقبّة الصخرة، والحَرَم المكّي، بالإضافة إلى ترميمه للمسجد النبويّ، وإنشاء الحمّامات العامّة، والملاجئ للحُجّاج، وتحصينه للمدينة المُنوَّرة من خلال بناء سورٍ حولها
القانون والإدارة
ـــــــــــــــــــ الذي اشتهر به السلطان سليمان القانوني واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تُنَظِّم الحياة في دولته الكبيرة؛ هذه القوانين وضعها مع شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تَتَّفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، وقد ظلَّت هذه القوانين -التي عُرفت باسم «قانون نامه سلطان سليمان»؛ أي دستور السلطان سليمان- تُطَبَّق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري الموافق التاسع عشر الميلادي.
ولم يُطلق الشعبُ على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين؛ وإنَّما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة؛ ولهذا يعدُّ العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوربيون على سليمان في عصره -مثل: الكبير، والعظيم- قليلة الأهمية والأثر إذا ما قُورنت بلقب «القانوني»، الذي يُمَثِّل العدالة.
ولم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمَّت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري
التطور الحضاري
ـــــــــــــــــــــــــ كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطَّاطًا يُجيد الكتابة، ومُلمًّا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى؛ فشيَّد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتَّى أنحاء الدولة، وبخاصة في دمشق ومكَّة وبغداد، بالإضافة إلى ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
ويُؤَكِّد الباحث جمال الدين فالح الكيلاني -باحث عراقي متخصص في الدراسات التاريخية- أن عصر السلطان سليمان القانوني يُعتبر العصر الذهبي للدولة العثمانية؛ حيث كانت الدولة الأقوى في العالم والمسيطرة على البحر الأبيض المتوسط.
وظهر في عصره أشهر المهندسين المعماريين في التاريخ الإسلامي؛ كالمهندس سنان باشا؛ الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطَّلع على كثير من الطرز المعمارية؛ حتى استقام له أسلوب خاص، ويُعَدُّ مسجد سليمان القانوني أو جامع السليمانية في إسطنبول -الذي بناه للسلطان سليمان في سنة (964هـ= 1557م)- من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي.
وفي عهده وصل فنُّ المنمنمات (أي الرسوم) العثمانية إلى أوجه ازدهارها، وقد قدَّم «عارفي» وثائق الحوادث السياسية والاجتماعية التي جرت في عصر سليمان القانوني في منمنمات زاهية، ولمع في هذا العصر عدد من الخطَّاطين العظام؛ يأتي في مُقَدِّمتهم حسن أفندي جلبي القره حصاري؛ الذي كتب خطوط جامع السليمانية، وأستاذه أحمد بن قره حصاري، وله مصحف بخطِّه، وهو يُعَدُّ من روائع الخطِّ العربي والفنِّ الرفيع، وهو محفوظ بمتحف «طوبي قابي».
وظهر في عهد السلطان سليمان عدد من العلماء في مقدمتهم: أبو السعود أفندي؛ صاحب التفسير المعروف باسم: «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم».
حقيقة قتله ابنه مصطفى
ـــــــــــــــــــ مصطفى [1515-1553] هو الابن الأكبر والوحيد لسليمان من زوجته «ماهي دوران»، أما بقية أبنائه الأربعة وبنته الوحيدة فهم من «خُرَّم سلطان» المعروفة في التاريخ الغربي باسم «روكسلانة»، ويتناول هذا المقال تفصيل قصة مقتل الأمير المغدور، كما يناقش الأسباب التي دعت السلطان لاتخاذ قرار بإعدامه، مع توضيح دور خُرَّم والصدر الأعظم «رُستَم پاشا» صهر السلطان في قتل الأمير.
أين ذُكرت حادثة مقتل مصطفى؟
ذُكرت هذه الحادثة الصحيحة في كثير من المصادر الشرقية والغربية بالعربية والتركية والفارسية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، فمن المصادر العربية نذكر «نصرة أهل الإيمان بدولة آل عثمان» للمؤرخ المصري «محمد بن أبي السرور البكري الصديقي» [ت 1676] مؤرخ مصر في القرن السابع عشر، أما المصادر التركية فنجد «تاريخ بچوي» للمؤرخ العثماني الكبير «إبراهيم بچوي» [ت 1650] كما نجد ذكرًا للحادثة في كتاب «كُنه الأخبار» للمؤرخ ورجل الدولة العثماني «مصطفى عالي» [ت 1600] الذي عاصر الحدث وسجله بدقة، أما المصادر الفارسية فنجد كتاب «جواهر الأخبار: بخش تاريخ إيران از قراقويونلو تا سال 984 هـ» للمؤرخ الإيراني «بوداق منشي قزويني» المعاصر الحدث. أما المصادر الأوروبية فنجدها في تقرير سفير البندقية لبلاده في نفس عام إعدام الأمير، ونجدها في كثير من الأعمال المسرحية التي جسّدت الواقعة مثل مسرحية «مصطفى» للشاعر وكاتب المسرحيات الإنجليزي «فُلك گريڤيل» التي طُبعت عام 1609، ومسرحية «سُليمانو» للكاتب الإيطالي «پروسپرو بونارلّي» التي عُرضت لأول مرة عام 1631 بإيطاليا.
لكن هناك من ينفي جملة وتفصيلا قيام السلطان بثتل ابنه
أما ما يقال من أنه رحمه الله قتل ابنه مصطفى بإغواء من زوجته روكسلانا أو خرم سلطان التي تعاونت مع رستم باشا، وأنها كانت ماكرة خدعته فهل نصدق سيرة الخليفة الحسنة الظاهرة وعدله المستفيض لتسعة وأربعين عاما أم ما يَدعي
الكتاب الأوروبيون أنهم اطلعوا عليه من همس امرأة السلطان له في غرفة النوم؟!
المؤرخ الأميريكي هارولد لامب الذي أسهب في تصوير روكسانا كماكرة في كتابه
(Suleiman the Magnificent Sultan of the East)
هو ذاته الذي قال:
عن الخليفة ” إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى”!
ولنتذكر أن هذا الذي افتراه أهل الكتاب على الخليفة سليمان هو نفس ما افتروه على النبي سليمان فقالوا: أغوته النساء !
التنافس على عرش سليمان
كان الصراع بين أبناء السلطان سليمان على من سيخلفه في العرش يزداد كلما تقدم به العمر، وكان من الواضح أن لمصطفى الحظ الأوفر عليهم جميعًا بسبب تأييد وحب الجميع له، وقد انقسم الصراع بين فريقين: مصطفى وأمه ورجال الدولة من جانب، وخُرَّم زوجة القانوني بمساعدة صهره رُستم پاشا من جانب آخر، فخُرَّم تريد لأحد أبنائها أن يخلف أباه على العرش، ومصطفى يسعى لعرش أبيه كونه يرى في نفسه الأفضلية وحب قيادة الدولة بالإضافة إلى الدعم الكبير من شرائح المجتمع المختلفة.
ويتضح من مجرى الأحداث أن خُرَّم كانت تدبر بالتعاون مع رُستَم ليخلف مُحمد [أكبر أبنائها] والده على العرش، وكان لها يد في انتقال الأمير مصطفى من حاكم على ولاية «مانيسا» [بالقرب من العاصمة] إلى «أماسيا» [بعيدًا عن العاصمة] عام 1540، ومن ثم تعيين الأمير مُحمد بأمر من سليمان كحاكم لمانيسا للتدرب على شئون الإدارة كما هو متبع مع الأمراء، مما جعل الأمير مصطفى في منافسة صعبة للوصول إلى العرش في حالة وفاة السلطان.
وذكرت تقارير سفراء الدول الغربية عن التنافس بين خُرَّم ومصطفى، إذ أرسل سفير «إمبراطورية الهابسبورج» لدى الدولة تقريرًا إلى بلاده عام 1547 وعام 1550 يفيد أن رُستَم يريد أن يمنع مصطفى من فرصة الصعود للعرش لأجل الأمير سليم، في حين أن مصادر أخرى تشير إلى أن خُرَّم تريد بالتعاون مع رُستَم وابنتها أن يَصعدوا ببايزيد إلى الحكم، خاصة بعدما انفطر قلب خُرَّم بالوفاة الفجائية للأمير «محمد» عام 1543. أما دور رُستَم في هذا الصراع البارد فتمثل في تشويه صورة مصطفى أمام السلطان بإظهاره بمظهر العاصي المتحالف مع الأعداء، ففي عام 1549 عندما قام الجوريجيون بالهجوم على ولاية «أرضروم» أرسل مصطفى لطلب المساعدة من العاصمة لرد العدوان، ولكن رُستَم لم يستجيب له خوفًا من أن يظهر كبطل بعد هزيمة الجوريجيين، وقد تكرر الأمر عام 1550 عندما هجمت مجموعات من اللصوص من إيران على قرى شرقي اﻷناضول ونهبوها فطلب مصطفى المساعدة مرة أخرى، ولكنه لم يلق أي استجابة من رُستَم. وقد وصلت رسالة إلى سليمان بعد وفاة الأمير [مازالت محفوظة في أرشيف قصر «الطوب قابى» بإسطنبول]، يقول فيها الراسل بأن رُستَم قد خطط لإظهار مصطفى بأنه متحالف مع الصفويين عبر تزوير ختم الأمير واستخدمه في إرسال رسائل تعاون وصداقة باسمه إلى الشاه «طهماسب» شاه الدولة الصفوية، وقد استجاب الشاه لهذه الرسائل وبادله الجواب عليها، ولا شك بأن رستم قد استخدم هذه الرسائل ضد الأمير ليثبت عليه تهمة الخيانة.
أما على جانب الأمير مصطفى فكان يحشد جميع أعوانه ليشكلوا جبهة داعمة له للوصول للعرش، فداخليًا قام ببعث رسالة إلى والي أرضروم «إياس پاشا» يطلب منه أن يكون داعما له في أن يصبح سلطانًا للدولة، ولكن بعد وفاة والده وليس في حياته، وقد أجابه إياس پاشا بتأييده له بنص ما زال موجودًا إلى الآن. أما خارجيًا فكان هناك تواصل بين مصطفى وسفير «البندقية» بإسطنبول، وقد أرسل بمبعوث إليه يدعى «نبي بك» يطلب المساعدة من البندقية كظهير دولي لفوز الأمير بالسلطنة، وقد سافر هذا المبعوث برسالة من مصطفى ومن أسير يُدعى «توماس مايكل» ابن نبيل بندقي في السجون العثمانية إلى مجلس الشيوخ البندقي في اﻷول من أكتوبر من عام 1553، وقد أشيع في البندقية أن هدف الزيارة هو عقد صفقة يتم بمقتضاها تزويد البنادقة الأميرَ بالخبرات الحربية والتقنية المتقدمة في حالة وصوله للعرش مقابل أن يعيد إليهم «حصن المورة» الذي فقدوه سابقًا أمام الدولة، وما زال أرشيف دولة البندقية بمدينة «ساو پولو» بإيطاليا يحتفظ بنسخة من رسالتين حملهما سفير الأمير إليه وهو عائد لإسطنبول.
تنفيذ الإعدام: الأسباب وردود الفعل
تمتع مصطفى بحب الكثيرين له من جنود الجيش والعلماء ورجال الدولة والشعب، ولم يُفكر أحد أبدًا باعتلاء العرش غيره بعد وفاة والده، إلا أن الأقدار منعت مصطفى من الوصول بشكل أبدي. وتبدأ القصة بالحملة العسكرية التي أرسلها سليمان على الدولة الصفوية بقيادة رُستَم پاشا؛ بسبب قيامهم بالهجوم على أراضي الدولة، فعَبر رُستَم بالجيش من إسطنبول على طوال الطريق حتى وصل إلى قونيا بوسط الأناضول، وفي أثناء الانتقال شاعت أخبار وسط الجنود بأن هناك من أخبر الأمير بأنه قد حان الوقت المناسب ليقود هو الجيوش بدلًا عن والده الكبير، وأن عليه أن يتخلص من رُستَم بالهجوم عليه في طريق الحملة وقتله، لكن مصطفى لو قام بهذا لظهر بمظهر العاصي الخارج على قائد السلطان، ويضيف سفير البندقية لدى الدولة في تصويره لواقعة خروج جيش الحملة أنه في أثناء توجه الحملة إلى قونيا بقيادة رُستَم أبدى الإنكشارية لرُستَم رغبتهم في الذهاب إلى مصطفى في «أماسيا» (على طريق الحملة) للسلام عليه بصفته سلطانهم القادم، لكن رُستَم رفض الأمر، وطالبهم بالبقاء معه، فتجاهلوه وذهبوا إلى مصطفى إلا قليلًا منهم، وقد أكرمهم الأمير وقدم إليهم الطعام والمال وتم إرسالهم في اليوم الذي يليه إلى قونيا للحاق بالحملة.
منمنة تعود للقرن السادس عشر تُصور إعدام الأمير «مصطفى» ضمن مجموعة منمنمات «كتاب المهارة» المحفوظ بأرشيف متحف الطوب ڤابى بإسطنبول.
لم يتأخر رُستَم في استغلال هذه الأمور ليقوم بزيادة بث الريبة في صدر السلطان تجاه ولده الأمير، فأرسل يخبره بعدم انصياع الإنكشارية لأوامره وذهابهم لمصطفى، وأنه من الممكن أن يجذبهم إلى طرفه بهذا الشكل في أي وقت لينقلب على السلطنة مما زاد من تحفّز السلطان الذي تجهز للخروج بنفسه إلى الحملة وإن كان غرضه المعلن قيادة الحملة بنفسه، لكن الغرض الحقيقي كان التخلص من مصطفى.
عندما وصل سليمان لمنطقة «أرغلي» بقونيا [وبناء على تقرير سفير البندقية] أرسل في طلب مصطفى، وقد نَصح الأميرَ مساعدوه ووالدتهُ بألا يذهب لهناك، لكنه كان بين أمرين أحلاهما مُر، فلو رفض الذهاب فسيكون عاصيًا للسلطان، ولو ذهب لخاطر بحياته بسبب أقوال رُستَم، وكان من الأمير أن استجمع شجاعته وامتطى جواده وذهب حيث خيمة أبيه. دخل الأمير إلى الخيمة ورأى والده يجلس أمامه، فانحنى تقديرًا واحترامًا إلا أن الجلادين لم يمهلوه أي وقت وانقضوا عليه لخنقه، فكانت نهايته نقطة سوداء في سجل سليمان؛ إذ لطّخ يده بدماء بريئة لم يَثبُت على صاحبها تهمة، وقد كان ذلك في 27 شوال 960هـ الموافق 6 أكتوبر 1553م. انتشر خبر مقتل الأمير مصطفى فسبّب حالة من الحزن والغضب والثورة بين أفراد الشعب الجيش والإنكشارية الذين وجهوا اتهاماتهم لرُستَم بشكل مباشر كسبب في قتل مصطفى، وقام السلطان بعزل رُستم للتخفيف من حالة الغضب وعين بدلًا عنه «قارا أحمد پاشا» لكن سرعان ما عاد رُستَم لمنصبه فور عودة السلطان من حملته في 29 سبتمبر 1555.
استمرت ردود الفعل على مقتل الأمير بأشكال مختلفة كان من أبرزها ظهور شخص مُزيف يَدّعي أنه الأمير مصطفى في الروملي [البلقان] بسبب الشبه الكبير بينه وبين الأمير الشهيد وادَّعى حقه في عرش السلطنة، وقد تمكنت القوات العثمانية من القبض عليه وإرساله إلى «إسطنبول» حيث أُعدم هناك، وإن استطاع الجيش من القضاء على مصطفى المزيف إلا أن الاعتراض أتى من جهة أخرى على شكل مراثٍ للأمير بواسطة مجموعة من الشعراء يتهمون رُستم وخُرَّم بقتل الأمير، وكان من أبرزهم الشاعر الكبير «يحيى بك» الذي اتهم رُستم بشكل مباشر بقتل مصطفى، كما وجه الانتقادات في شعره إلى السلطان سليمان لتصديقه الإشاعات المغرضة، وقد لقيت المرثية التي ألفها انتشارًا بين طبقات الشعب، وفيها يقول:
توارى عن الدنيا ذاك السلطان … وحزن الناس جميعًا لفراقه
فهذه مصيبة أصابت الجميع بأسى بالغ … وأقامت الأفلاك والملائكة المأتم لوفاته
فهم قتلوا هذا المظلوم بغير ذنب … وسيكتب التاريخ مكر رُستَم
والسؤال الذي يحتاج لإجابة واضحة: لماذا صدَّق السلطان سليمان هذه الأقاويل عن ابنه رغم ما يعلمه عنه من إخلاص وصدق؟ وهل بالفعل كان في نية الأمير الخروج على السلطان؟
مع كثرة ما كان يقال لسليمان من رُستم بالإضافة إلى زوجته خُرَّم وما كانا يملآن به صدره تجاه الأمير، فإن لسليمان دورا شخصيا في اتخاذ قرار الإعدام، فهو ما زال يذكر ما حدث بين والده السلطان «سليم الأول» وجده السلطان «بايزيد الثاني»، فرغم تفضيل بايزيد لابنه الأكبر الأمير «أحمد» كي يخلفه على العرش وتأييد رجال الدولة له، فإن الأمير سليم استطاع الوصول للعرش بالقوة لوجود الإنكشارية إلى جانبه، فخلع والده عن العرش، ولاحق الأمير أحمد وأخاه الآخر الأمير «كوركود» وقتلهما شر قتلة، فهذه الأحداث ما زالت حية في وجدان القانوني، واعتقاده أن مصطفى قد يقوم بالانقلاب عليه كما فعل والده مع جده سابقًا جعلت السلطان يخشى على نفسه وعرشه ومكانته، فلو فعل مصطفى هذا فلن يستطيع إيقافه أحد، وقد ظن سليمان أنه يُضحي بخائن يتآمر مع الأعداء للحفاظ على الدولة، ولبئس ما فعل!
أما الأمير مصطفى فلا يوجد ما يُثبت أنه حاول التواصل مع الصفويين، أو أنه فكر في الخروج على أبيه رغم استطاعته ذلك، وتفكيره في طلب العرش بعد أبيه وسعيه له بطلبه التأييد من كل جانب مقابل المكائد التي كانت تحاك ضده وفي ظل كبر والده في العُمر أمر واجب.
وفاة سليمان القانوني
ـــــــــــــــ لم يترك السلطان سليمان القانوني الجهاد قط، وفي أواخر أيام السلطان سليمان أصابه مرض النِّقْرِس، فكان لا يستطيع ركوب الخيل؛ ولكنه كان يتحامل –رحمه الله- إظهارًا للقوَّة أمام أعدائه، وقد بلغ السلطان سليمان القانوني من العمر 74 عامًا، ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين؛ قام السلطان سليمان القانوني للجهاد من فوره، ومع أنه كان يتألَّم من شدَّة المرض، فإنَّه قاد الجيش بنفسه، وخرج على رأس جيش عرمرم في (9 من شوال 973هـ= 29 من أبريل 1566م)، ووصل إلى مدينة سيكتوار المجرية، وكانت من أعظم ما شيَّده المسيحيون من القلاع، وكانت مشحونة بالبارود والمدافع، وكان قبل خروجه للجهاد نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلَّة النِّقْرِس التي به. فكان جواب السلطان سليمان الذي خلده له التاريخ: «أحب أن أموت غازيًا في سبيل الله».
سبحان الله! هذا السلطان كان قد بلغ من الكبر عتيًّا، وكان يملك تحت قبضته نصف الدنيا، وملوك الأرض طوع بنانه، وكان بإمكانه التمتُّع بحياة القصور، والتنقُّل بين الغرف والاستمتاع بالملذَّات، ومع ذلك أبى إلَّا أن يخرج غازيًا في سبيل الله.
وخرج بالفعل على رأس جيشه، وما كان يستطيع أن يمتطي جواده؛ لازدياد علَّة النِّقْرِس عليه، فكان يُحْمَل في عربة؛ حتى وصل إلى أسوار مدينة سيكتوار، وابتدأ في حصارها، وفي أقلَّ من أسبوعين احتلَّ معاقلها الأمامية، وبدأ القتال واشتدَّ النزال، وكان أصعب قتال واجهه المسلمون؛ لمتانة الأسوار، وضراوة المسيحيين في الدفاع عن حصنهم.
واستمرَّ القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة، وما ازداد أمر الفتح إلَّا صعوبة، وازداد همُّ المسلمين لصعوبة الفتح، وهنا اشتدَّ مرض السلطان، وشعر بدنوِّ الأجل، فأخذ يتضرَّع إلى الله تعالى، وكان من جملة ما قاله: «يا رب العالمين؛ افتح على عبادك المسلمين، وانصرهم، وأضرم النار على الكفار».
فاستجاب الله دعاء السلطان سليمان، فأصاب أحدُ مدافع المسلمين خزانة البارود في الحصن، فكان انفجارًا مهولًا، فأخذت جانبًا كبيرًا من القلعة فرفعته إلى عنان السماء، وهجم المسلمون على القلعة، وفُتحت القلعة، ورُفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة.
وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح، وحمد الله على هذه النعمة العظيمة، وقال: «الآن طاب الموت، فهنيئًا لهذا السعيد بهذه السعادة الأبدية، وطوبى لهذه النفس الراضية المرضية، من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه». وتخرج روحه إلى بارئها، إلى جنة الخلد -إن شاء الله- في (20 من صفر 974هـ= 5 من سبتمبر 1566م).
وأخفى الوزير محمد باشا نبأ وفاة السلطان؛ حتى أرسل لولي عهده السلطان سليم الثاني، فجاء وتَسَلَّم مقاليد السلطنة في سيكتوار، ثم دخل إسطنبول ومعه جثمان أبيه الشهيد، وكان يومًا مشهودًا لم يُرى مثله، إلَّا في وفاة السلطان محمد الفاتح، وعلم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان القانوني، فحزنوا أشدَّ الحزن؛ أمَّا على الجانب الأوربي؛ فما فرح المسيحيون بموت أحدٍ بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد الغازي في سبيل الله، وجعلوا يوم وفاته عيدًا من أعيادهم، ودَقَّت أجراس الكنائس فرحًا بموت مُجَدِّد جهاد الأُمَّة في القرن العاشر –رحمه الله.
لم يكن في ظنّ ميرال أوكاي، التي ولدت في أنقرة سنة 1959، وهي كاتبة سيناريو مسلسل القرن العظيم أو ما ترجم عند العرب "بحريم السلطان"، والذي أثار ضجة كبيرة في تركيا حتى أوصلت بعض المتحمسين الأتراك إلى التظاهر أمام القناة التركية المنتجة. وكتبت الصحف عنه كثيرا من المقالات، خاصة حول شخصية أم السلطان سليم الثاني "روكسلان"، التي ظهرت في المسلسل بشكل غير لائق بها ولا يمت إلى تاريخها ولا حقيقتها بصلة، ولكن السيناريست "أوكاي" أخذت ما كتبه الأعداء عنها ولم يكتبه أحد من مؤرخي الدولة العثمانية فنسجت من خيالها هذا الدور الفظيع.
والكاتبة أيضا ليست مؤرخة ولا علاقة لها بتاريخ بني عثمان، ولكنها كما ذكرت إنما تنفذ ما يطلبه منها المنتج والمخرج بهدف الإثارة والترويج ولو على حساب الحقيقة التاريخية. وهي ليست بدعا من الكتّاب، بل أغلب مؤلفي القصص التاريخية يفعلون مثل فعلها عندما يكون نصب أعينهم حاجة المنتجين للربح وترويج أعمالهم التاريخية.
الكاتب الإماراتي جمال المهيري، ذكر في احد مقالاته أن السلطان سليمان هو أحد أهم سلاطين الدولة العثمانية، فهو الذي قام بتوسيع حدودها إلى أبعد مدى وقام بوضع القانون الأساسي ليكون أول دستور للدولة العثمانية وفتح بلاد المجر وبلغراد ورودس وحارب النمسا والبرتغال وإيران وأقام تحالفا مع الفرنسيين وكان سببا في تطور البحرية العثماينة وأرسى قواعد الجيش العثماني وكان في نفس الوقت شاعرا وخطاطا وكان له باع كبير في تطوير العمارة في الدولة العثمانية كما أقام العديد من المدن التي حملت اسمه.
المصادر
1- ابن العماد- شذرات الذهب في أخبار من ذهب
2- القاضي شمس الدين بن إسماعيل بن عبد الصمد الموزعي اليمني -الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان
3- عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي -سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
4- د. محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة
5- زكريَّا سليمان بيُّومي، قراءة جديدة في تاريخ العثمانيِّين
6-عبد العزيز نوّار، الشعوب الإِسلاميَّة، الأتراك العثمانيُّون، الفرس، مسلمو الهند
7- د. علي محمّد الصلابي. الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط
8- يوسف علي الثقفي، دراساتٌ متميِّزةٌ في العلاقات بين الشَّرق والغرب على مرِّ العصور
9. يوسف علي الثَّقفي، موقف أوروبا من الدَّولة العثمانيَّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق