الخميس، 14 مايو 2020

قصيدة بعنوان/(الكتاتيب ( الملا ))/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي

الكتاتيب ( الملا ) في الحضارة الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 11-5-2020
ظهر الكُتَّاب عند المسلمين منذ عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وانتشر مع انتشار الإسلام في مختلف البلدان، وأنشئ من خلال عمل إسلامي بحت، وكان المكان الرئيسي في العالم الإسلامي لتعليم الصغار، وقد تمتع بمكانة كبيرة الأهمية في الحياة الإسلامية، وبخاصة وأنه المكان الذي يتعلم فيه الصبيان القرآن، إضافة إلى ما للعلم من مكانة في نظر الإسلام حيث هو فريضة على كل مسلم، وكذلك تلك القدوة التي نأخذ بها من خلال أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم حيث حض على ضرورة التعلم , فكلف كل أسير من أسرى الحرب بعد موقعة بدر بتعليم اثني عشر طفلاً من أطفال المسلمين على سبيل الفدية.
كانت كتاتيب القرآن الكريم في العصور الإسلامية بمنزلة المدارس الابتدائيّة في عصرنا الحاضر، وكان لها أكبر الأثر في الحفاظ على اللغة العربية وانتشارها بين جميع الأعراق المسلمة؛ إذ كان التلاميذ يتعلّمون فيها القراءة والكتابة العربية والقراءة الصحيحة للقرآن الكريم، كما كان الأطفال المسلمون يتلقّون في هذه الكتاتيب تعاليم الدين الأساسيّة، فيتعرفون على أركان الإسلام ومعنى الإيمان، ويتعلّمون كيفيّة الوضوء والصلاة، إضافة إلى ذلك كان الأطفال يستمعون فيها لجملةٍ من مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام
مثلت الدور المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم (الكتاتيب) دورا متميزا في تكوين الخلفية القرآنية الإسلامية في عقول كثير من أبناء المجتمع في الدول الإسلامية لفترة من الزمان ليست بالقصيرة , وكانت تلك الكتاتيب قد انتشرت في كثير من ربوع دولة الإسلام من جنوب شرق أسيا عبر أندونيسيا وماليزيا ومملكة فطاني – سابقا – وغيرها مرورا بباكستان وأفغانستان ودول شمال آسيا.. إلى أقصى الغرب الإسلامي في المغرب وموريتانيا.. ثم الجنوب في جنوب السودان الصومال ووسط أفريقيا.. وغيرها.. ولقد واجهت كثير من المخططات الخبيثة المنظمة للقضاء على الآثار الإيجابية لتلك الكتاتيب في العالم الإسلامي..حتى أصبحت مؤسسة (الكتّاب) - تلك المؤسسة الصغيرة العتيدة - مهددة بالانهيار التام بل والانقراض وفي السطور التالية احاول إلقاء نظرة عابرة على تلك الكتاتيب ودورها وكيف ينظر إليها. فعشرات من الأناشيد والأغاني والأشعار والحكايات الأخرى قد احتلت مساحة كبيرة من عقول الأطفال الناشئة وذلك على حساب حفظ القرآن الكريم في تلك المرحلة العمرية الهامة والحيوية والتي تستوعب حفظ ملايين من الكلمات.
ىيُعَدُّ الكُتَّاب من أقدم المراكز التعليمية عند المسلمين، وقيل بأن العرب عَرَفُوه قبل الإسلام، ولكن على نطاق محدود جدًّا، وكانت مكانة الكُتَّاب في القرون الهجرية الأولى عالية الشأن؛ إذ يُعِدُّ لبداية تعليم أعلى، "فكان الكُتَّاب يشبه المدرسة الابتدائية في عصرنا الحاضر، وكان من الكثرة بحيث عدَّ ابن حوقل ثلاثمائة كُتَّاب في مدينة واحدة من مدن صقلية"
الهدف من إنشاء الكتاتيب
وكان الهدف من إنشاء الكتاتيب قد تمثّل في تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال والشباب، إذ أمر صلى الله عليه وسلم أسرى المشركين عقب بَدْر، أن يُعلِّم كل واحد منهم "عشرةً من الغلمان الكتابة، ويخلِّي سبيله، فيومئذٍ تعلّم الكتابةَ زيدُ بن ثابتٍ في جماعةٍ من غلمان الأنصار"
وكان الأطفال في الكتاتيب يُعلَّمون احترام اللغة العربية، خاصةً إذا كتبوا في ألواحهم آيات من القرآن الكريم، أو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد قيل لأنس بن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه (ت 93هـ): "كيف كان المؤدبون على عهد الأئمة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضى الله عنهم؟ قال أنس: كان المؤدب له أجانة ، وكل صبي يأتي كل يوم بنوبته (بترتيبه) ماء طاهرًا، فيصبُّونه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس: ثم يحفرون حُفرة في الأرض، فيصبون ذلك الماء فيها فينشف. قلت: أفترى أن يلعط؟ قال: لا بأس به، ولا يُمسح بالرجل، ويُمسحُ بالمنديل وما أشبهه. قلت: فما ترى فيما يكتب الصبيان في الكتاب من المسائل؟ قال: أما ما كان من ذكر الله فلا يمحوه برجله، ولا بأس أن يمحو غير ذلك مما ليس في القرآن" .فهذه الصورة الرائعة تعبر أصدق تعبير عما كان في نفوس أبناء ذلك العصر من احترام للحرف العربي عندما يكتب به الوحي الإلهي، فيختارون الماء الطاهر لمسحه، ويحفرون له في الأرض ويصبونه لينشف
الملا
ـــــــ الملا ( والجمع ملالي، وهو تحريف للفظ العربي مولى) فقيه مسلم عند بعض الطوائف الإسلامية، ويستخدم بشكل شائع في مناطق من قبيل إيران، تركيا، باكستان، أفغانستان، شبه القارة الهندية، آسيا الوسطى والبوسنة حيث يكون خريج مدرسة دينية إسلامية ويطلق على رجل دين محلي أو لإمام مسجد.
استخدم هذا اللقب كذلك لدى بعض المجموعات اليهودية، وبالأخص اليهود الفرس ويهود بخارى حيث يشير إلى زعيم المجموعة، وفي الأغلب الزعامة الدينية.
من ضمن صلاحيات أو مهام الـملا (قائمة قصيرة مختصرة):
تحفيظ الأطفال القرآن الكريم وتفسيره وتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة.
إعطاء المشورة والنصح في الأمور الحياتية اليومية والأمور الدينية.
عقد القران.
خصم النزاعات بين الأشخاص
ظهر الكُتَّاب عند المسلمين منذ عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وانتشر مع انتشار الإسلام في مختلف البلدان، وأنشئ من خلال عمل إسلامي بحت، وكان المكان الرئيسي في العالم الإسلامي لتعليم الصغار، وقد تمتع بمكانة كبيرة الأهمية في الحياة الإسلامية، وبخاصة وأنه المكان الذي يتعلم فيه الصبيان القرآن، إضافة إلى ما للعلم من مكانة في نظر الإسلام حيث هو فريضة على كل مسلم، وكذلك تلك القدوة التي نأخذ بها من خلال أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم حيث حض على ضرورة التعلم , فكلف كل أسير من أسرى الحرب بعد موقعة بدر بتعليم اثني عشر طفلاً من أطفال المسلمين على سبيل الفدية.‏
الكتاتيب
ـــــــــ الكُتاب (بضم الكاف، والجمع الكتاتيب) أصولها ترجع إلى أقدم العصور. وهو الأماكن الأساسية لتعليم الناشئة حفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة.
بدأ ظهورها في الدولة الإسلامية منذ العصر الأموي وحتى الآن. أما في الحضارات السابقة وجدت كتاتيب ملحقة بالمعابد الفرعونية وعرفت باسم «مدرسة المعبد» وكانت تمنح شهادة للدارس تسمى كاتب تلقى المحبرة. وفي العصر المسيحي استمرت الكتاتيب أيضا لتعليم أجزاء من الكتاب المقدس والمزامير.
وكتاتيب المسلمين بني لبعضها مبان مستقلة ملحقة بالمساجد أو منفصلة أو في بيوت المحفظين وأمامها وخرجت الكتاتيب عظماء الفقهاء والحفظة وعرف معلمي الكتاتيب بالمؤدبين والمشايخ ويساعدهم العرفاء واقتصرت مناهجها على القرآن والحديث ومبادئ القراءة والحساب وتحمل أولياء الأمور نفقات تعليم الأبناء به ولم تحظى بالرعاية الكافية من جانب الحكومات ودخلت الكتاتيب في منافسة شرسة وغير متكافئة مع دور الحضانة والمدارس وأصبج دورها مساعد وليس أساسي في العملية التعليمية وتمتاز بالبساطة والتحق خريجي الكتاتيب المصرية بالمعاهد الأزهرية وبهم بدأ محمد علي باشا نهضته التعليمية في مصر الحديثة
ومن مشاهير خريجي الكتاتيب رفاعة الطهطاوي وطه حسين الذي صورت روايته «الأيام مايدور» في الكتاتيب في عصره ومن طرائف المؤدبين ما أورد صاحب نوادر الجمقى والمغفلين عن ظرفاء معلمي الكتاتيب وما أكثر نوادرهم ويذكر أن معلم الصبيان لم يكن يؤخذ له بشهادة أمام القاضي وبإهمال محفظي القرآن ودفع أولياء الأمور رواتبهم بقليل المال أو البيض والخبز لجأ بعضهم للقراءة في المقابر على أرواح الأموات مقابل الرحمات ثم احترف بعضهم تلاوة القرآن بصوت حسن فأحيوا ليالي المأتم واستمر الحال حتى ظهر منهم مشاهير قراء العالم الإسلامي ولا ينكر أجدهم فضل الكتاب ومعلمه عليه ومن محفظي الكتاتيب من كان أديبا كاتب للشعر كالشيخ أحمد شفيق كامل الذي صدحت أم كلثوم بقصائده ومن مشاهير المحفظات في العالم الإسلامي من النساء في العصر الحديث الشيخة زينب محفظة قرية صراوة أشمون منوفية والتي خرجت الكثير من الحفظة وكرمتها جمهورية مصر العربية أكثر من مرة وما بين عودة الكتاتيب لتنفس السعداء برعاية فاعلي الخير عن طريق عمل مسابقات والحرب الأمنية على الكتاتيب يظل القرآن كلام الله المتكفل بحفظه ويصطفي من يحفظه ويحفظه ويعد اشراف المسلمين حفظة القرآن
يُعَدُّ الكُتَّاب من أقدم المراكز التعليمية عند المسلمين، وقيل بأن العرب عَرَفُوه قبل الإسلام، ولكن على نطاق محدود جدًّا، وكانت مكانة الكُتَّاب في القرون الهجرية الأولى عالية الشأن؛ إذ يُعِدُّ لبداية تعليم أعلى، "فكان الكُتَّاب يشبه المدرسة الابتدائية في عصرنا الحاضر، وكان من الكثرة بحيث عدَّ ابن حوقل ثلاثمائة كُتَّاب في مدينة واحدة من مدن صقلية" .
الهدف من إنشاء الكتاتيب
ــــــــــــــــــــ كان الهدف من إنشاء الكتاتيب قد تمثّل في تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وقد اهتم النبي بتعليم الأطفال والشباب، إذ أمر أسرى المشركين عقب بَدْر، أن يُعلِّم كل واحد منهم "عشرةً من الغلمان الكتابة، ويخلِّي سبيله، فيومئذٍ تعلّم الكتابةَ زيدُ بن ثابتٍ في جماعةٍ من غلمة الأنصار" .
وكان الأطفال في الكتاتيب يُعلَّمون احترام اللغة العربية، خاصةً إذا كتبوا في ألواحهم آيات من القرآن الكريم، أو أحاديث النبي ؛ فقد قيل لأنس بن مالك الصحابي الجليل (ت 93هـ): "كيف كان المؤدبون على عهد الأئمة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضى الله عنهم؟ قال أنس: كان المؤدب له أجانة ، وكل صبي يأتي كل يوم بنوبته (بترتيبه) ماء طاهرًا، فيصبُّونه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس: ثم يحفرون حُفرة في الأرض، فيصبون ذلك الماء فيها فينشف. قلت: أفترى أن يلعط ؟ قال: لا بأس به، ولا يُمسح بالرجل، ويُمسحُ بالمنديل وما أشبهه. قلت: فما ترى فيما يكتب الصبيان في الكتاب من المسائل؟ قال: أما ما كان من ذكر الله فلا يمحوه برجله، ولا بأس أن يمحو غير ذلك مما ليس في القرآن"
فهذه الصورة الرائعة تعبر أصدق تعبير عما كان في نفوس أبناء ذلك العصر من احترام للحرف العربي عندما يكتب به الوحي الإلهي، فيختارون الماء الطاهر لمسحه، ويحفرون له في الأرض ويصبونه لينشف .
اقسام الكتاتيب
قسمت الكتاتيب إلى قسمين:‏
1 ـ كتاتيب أولية :‏ وكان يتعلم الأطفال فيها القراءة والكتابة , ويحفظون القرآن, ومبادئ الدين وأوليات الحساب.‏
2 ـ كتاتيب قانونية :‏ إن صح هذا التعبير –كانت لتعليم الأطفال والشباب علوم اللغة والآداب، وكانوا يتوسعون فيها بعلوم الدين والحديث وسائر صنوف العلوم الأخرى بصورة عامة (التربية والتعليم في الإسلام ص 110).‏
و نستطيع القول إن الكتاتيب القرآنية قد انتشرت بشكل واسع وبارز ؛ نتيجة تحمس الناس الشديد للقرآن الكريم، وكثرة الفتوحات الإسلامية، وبالتالي اتساع رقعة الدولة.‏
كذلك ظهر نوع من الكتاتيب اختص بالأيتام، وكان الغرض من إنشائها، تعليم الأيتام وأبناء الفقراء ورعايتهم، إلى جانب التقرب إلى الله تعالى.‏
ولم تقتصر هذه الكتاتيب على تعليم الأيتام بل "أضيف إليهم أولاد الفقراء والجند والبطالين، وقد وفر هذا النوع من التعليم الرعاية العلمية والاجتماعية لهذه الفئة غير القادرة , والذين لم يكن في وسع ذويهم إرسالهم إلى المكاتب الخاصة , أو إحضار مؤدبين لهم إلى المنازل"( التعليم في مصر زمن الأيوبيين ص121).‏
ولقد كثر الاهتمام بكتاتيب الأيتام خلال عهود الزنكيين، والأيوبيين والمماليك، فهذا نور الدين زنكي يبني "في كثير من بلاده مكاتب للأيتام ويجري عليهم وعلى معلميهم الجرايات الوافرة"(الروضتين في أخبار الدولتين ص 1/23).‏
واختلفت أحجام الكتاتيب صغراً وكبراً، "فكتاب أبي القاسم البلخي كان يتعلم فيه (3000 تلميذ) وتدل رواية ياقوت على أن هذا الكتاب بجانب استقلاله عن المسجد كان فسيحاً ليتسع لهذا العدد الكبير ,ولهذا كان يحتاج البلخي أن يركب دابته ليتردد بين هؤلاء وأولئك ؛ وليشرف على جميع تلاميذه"(التربية الإسلامية- أحمد شلبي ص 54).‏
من مشاهير المعلمين
ــــــــــــــــ وقد اشتهر عدد من المعلِّمين في الكتاتيب وذاع صيتهم، فكان الحجاج بن يوسف الثقفي مُعَلِّمًا بأحد الكتاتيب؛ يُعَلِّم الصبيان ويأجرونه خبزًا ، وعُرِفَ عن الضحاك بن مزاحم أنه كان مُؤَدِّبًا للصبيان في أحد كتاتيب الكوفة، وكان لديه ثلاثة آلاف صبي ! ويَرْوِي ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) أن كُتَّاب أبي القاسم البلخي كان به ثلاثة آلاف تلميذ، وكان فسيحًا جدًّا يَتَّسِعُ لهذا العدد؛ لذا احتاج البلخي أن يركب حمارًا ليتردَّدَ بين هؤلاء وأولئك، ويُشْرِفَ على جميع تلاميذه .
وقد تعلم كثير من كبار الفقهاء والعلماء في الكتاتيب في صغرهم، فيحكي الإمام الشافعي عن مرحلة الكُتَّاب في صغره فيقول: "كنت يتيمًا في حجر أُمِّي، فدفعتني في الكُتَّاب، فلمَّا خَتَمْتُ القرآن دخلتُ المسجد فكنتُ أُجَالِس العلماء" .
المسجد النبوي وظهرت الكتاتيب في الشام بعد الفتح مباشرة، وتعلم فيها أبناء الفاتحين، يقول أدهم بن محرز الباهلي الحمصي : "أنا أول مولود ولد بحمص (يعني من المسلمين)، وأول مولود رُئِي في كتف (يعني يحمل كتفًا مكتوبًا فيه القرآن)، وأنا أختلف إلى الكُتَّاب أتعلم الكتاب (يعني القرآن)" وممن تعلم في كتاتيب الشام وهو صبي إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة الشهير .
وقد كان الآباء يحرصون على أن يذهب أبناؤهم إلى المعلمين المجيدين، الذين لهم باع ودُربة على تعليم الأطفال، فكان من جملة هؤلاء، المسلم بن الحسين بن الحسن أبو الغنائم، (ت 544 هـ) الذي قال عنه ابن عساكر: "اشتغل بتأديب الصبيان، فحسن أثره في ذلك، وظهر له اسم في إجادة التعليم والحذق بالحساب حتى كثر زبونه" .
احترام المعلمين
ـــــــــــــــــــ وقد كان الأمراء والخلفاء يحترمون المعلمين والمؤدبين، وينزلون على آرائهم؛ احترامًا لهم، ولذلك كان المعلمون يتمتعون بالاحترام الوافي من قبل الناس جميعًا، فقد بعث هارون الرشيد إلى مالك بن أنس –رحمه الله- يستحضره؛ "ليسمع منه ابناه الأمين والمأمون، فأبى عليه، وقال: إن العلم يُؤتى، لا يأتي. فبعث إليه ثانيًا، فقال: أبعثهُما إليك يسمعان مع أصحابك. فقال مالك: بشريطة أنهما لا يتخطيان رقاب الناس، ويجلسان حيث ينتهي بهما المجلس. فحضراه بهذا الشرط" .
وقد شاركت المرأة في نشر التعليم في الكتاتيب منذ وقت مبكر، قال التابعي عبد ربه ابن سليمان: كتبت لي أم الدرداء في لوحي فيما تعلمني: "تعلموا الحكمة صغارًا تعملوا بها كبارًا"، وقالت: "إن لكل حاصد ما زرع من خير أو شر" . ولم تكن مُقَرَّرَات وموادُّ التعليم واحدة في العالم الإسلامي، بل اختلفت من قُطْرٍ لآخر، وإن كانت تشتمل على القرآن الكريم، والقراءة والكتابة، وأحاديث الأخبار ، وبعض الأحكام الدينية، والشعر، وبعض مبادئ الحساب، وبعض قواعد اللغة العربية، وكانت مدَّة بقاء الطفل في الكُتَّاب خمسة أو ستة أعوام على الأكثر، وتكون في الغالب ابتداءً من السَّنَةِ الخامسة أو السادسة، ويحفظ الطفل خلال هذه الفترة القرآن كله أو بعضه، وعندما يُتِمُّ الطفل مدَّة الدراسة في الكُتَّاب، ويحفظ القرآن؛ يمتحنه المعلِّمُ ليتأكَّد منه، فإذا اجتاز الامتحان احتفل بالختمة ..ولأهمية تعليم الأطفال وتأديبهم، اهتم كثير من فقهاء ومؤلفي الإسلام بتربية الأطفال، وإرساء القواعد التربوية المهمَّة التي تُعين المدرسين والآباء على تعليم أبنائهم، فهذا الإمام الحجة أبو حامد الغزالي يضع فصلاً في كتابه القيم "إحياء علوم الدين" بعنوان "بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم"، ومما جاء فيه: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبيان أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمْهُ نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر، وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القَيِّم عليه والوالي له" .
ونتيجة لمهارة بعض هؤلاء المعلمين والمؤدبين؛ فقد ترقّى بعضهم في وظائف الدولة حتى صار وزيرًا، مثل إسماعيل بن عبد الحميد الذي كان يعلِّم الصبيان، ثم تقلبت به الأحوال إلى أن صار وزيرًا لمروان بن محمد ، وكذلك الحجاج بن يوسف الثقفي الذي صار كبيرًا لوزراء عبد الملك بن مروان.
وكان كثير من هؤلاء المعلمين يأخذون أجرة نظير تعليمهم للصبيان، ولكن الأعجب من ذلك، أننا وجدنا الشيخ أبا عبد الله التاودي (ت 580هـ)، وهو من أهل مدينة فاس بالمغرب، أنه "كان يعلِّم الصبيان، فيأخذ الأجر من أولاد الأغنياء، فيردُّه على أولاد الفقراء!" . وكانت أوقات الدراسة في الكتاتيب تحدد بعلامات طبيعية, فشروق الشمس كان بدء اليوم الدراسي, يطول ويقصر تبعًا لشروق الشمس، وأذان العصر" . وقد كان الأطفال يتعلمون في المساجد، إلا أن ذلك لم يكن بصورة منتظمة، فحينما كثر الهرج في المساجد؛ بسبب الأطفال عام 483هـ، فقد "استُفْتِي على معلمي الصبيان أن يُمنعوا من المساجد صيانةً لها، فأفتوا بمنعهم..." . وأما بالنسبة للراحة والعطلات المدرسية، فقد لوحظ اهتمام المسلمين بإعطاء الصبي قسطًا من الراحة بعد عناء الدراسة، فهذا ابن الحاج العبدري - وهو من علماء المالكية بفاس في بلاد المغرب (ت 737هـ) - يقول: "إن ذلك مستحب لقوله : "رَوِّحُوا الْقُلُوبَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ" . فإذا استراحوا يومين في الجمعة نشطوا لباقيها" . وهناك تعطيل في أيام الأعياد، وحالات المرض، والرياح والعواصف والبرد والمطر الشديد. وأما المعلم فإذا تغيّب لشغل طارئ "فعليه أن يستأجر للصبيان من يكون فيهم بمثل كفايته إذا لم تطل مدة ذلك... كذلك إن هو سافر فأقام من يوفيهم كفايته لهم، إن كان سفرًا لا بد منه، قريبًا اليوم واليومين وما أشبههما، فيستخف ذلك إن شاء الله، وأما إن بَعُد أو خيف بعد القريب لما يعرض في الأسفار من الحوادث، فلا يصلح له ذلك" ...
العقاب
ــــــــــ اذا أخل الولد بواجباته أو تأخر في الدراسة أو بدرت منه خطيئة فأن هذا يعرضه للضرب المبرح والحبس على يد (المطوع).
وكان الأهالي في السابق يؤيدون طريقه (المطوع) في تأديب الولد وعدم تركه لأهوائه ونزواته. وإذا تغيب أحد الأولاد عن الدرس دون عذر معروف يختار (المطوع) ثلاثة من الأولاد أكبرهم سنا …ويرسلهم في البحث عن الولد لإحضاره إلى منزل(المطوع) ويذهبون للبحث على البحر أو في أماكن صيد الطيور في البر. وعندما يشاهدونه ينقضون عليه ويحملونه من يديه ورجليه ويذهبون به إلى (المطوع) وأثناء ذلك ترتفع أصوات الأولاد ويقولون (يبناه يبناه) أي أحضرنا الولد الهارب ثم يدخلون به على(المطوع)..
أما عن طرق العقاب فقد كانت شديدة ومبرحة للغاية، لكون (المطوع) قد أخذ الضوء الأخضر من ولي الأمر عندما قام بتسليمه إليه، حيث يقول الأب (للمطوع):”خذ اللحم وعطنا العظم”، أي بمعنى أن هذا الولد محض تصرفك بمعاقبته إلا أن يأتينا بنتيجة مرضية تسر ويصبح هذا الولد متعلما.
ففي خلال تلقي التلاميذ الدرس يكون من بينهم المتذمر للدرس والبعض من المشاغبين الذي يصدرون أصوات وحركات تثير الضحك للتلاميذ الآخرين ويقوم هؤلاء الأطفال المشاغبون بإصدار حركاتهم خفية دون مرأى من (المطوع) ولكن (المطوع) سرعان ما يكتشف هؤلاء المشاغبين فيتم معاقبتهم أمام زملائهم حتى يكونا عبرة وعظة للغير، وعند عدم تمكن (المطوع) من اكتشاف التلميذ المشاغب فإن (المطوع) يتوعد ويهدد بمعاقبة الجميع دون استثناء ففي هذه الحالة يستدل البعض على زميله المشاغب بالتلويح بإصبعه نحوه.
أما طرق التأديب فكانت تتم (بالخيزرانة) وهي في الواقع مبرحة ومؤلمة جدا وتترك آثارا واضحة على الجلد عند الضرب ولقد كانت (الفلقة) أو (الفلكة) هي الوسيلة التي تستخدم في الضرب. ومعاقبة التلاميذ ليس فحسب لمشاغبتهم عند تلقيهم الدروس بل يكون كذلك عندما يتسنى لولي الأمر ابلاغ (المطوع) بأن الطفل قد أحدث مشاغبة في البيت فيقوم (المطوع) بنفس الطريقة السابقة بمعاقبة الطفل ليلقنه درسا ويربطه ويحبسه في السدرة حتى يعلن توبته.
والحال ذاته بالنسبة لكتاتيب الفتيات حيث توجد مطوعة للفتيات يدرسون عندها
ختم القرآن وزفة الخاتم
ــــــــــــــــــــــــــــ يا لها من مناسبة سعيدة تلك على جميع الصبيان فعندما يكمل أحد الصبيان تلاوة القرآن بجميع أجزائه تحت إشراف (المطوع) يطلق عليه (الخاتم) فإن كان أهله من الاغنياء أغدق أهله على (المطوع)الهدايا والنقود دون أن يشعر أحد
وأما إذا كان الخاتم من الفقراء يقيم له أهله احتفالا عجيبا من نوعه فيوفر له عن طريق الإستعارة (البشت) و(العقال) والسيف المذهب ويلبس الملابس النظيفة كالثوب و(البالطو)و(الغترة) و(النعال).
وفي صبيحة يوم الاحتفال يخرج الخاتم الصغير من بيته وهو بكامل هيئته لابسا (بشته) و(عقاله) وحاملا سيفه في يده اليمنى يصحبه والده ووالدته وصديقاتها حاملات على رؤوسهن أطباق (المخلط) (ومراش) ماء الورد والمباخر متوجهين إلى مدرسته التي قد أجتمع فيها الصبيان والمدرسون وتأهبوا جميعا لأستقبال الموكب العظيم
وما أن تطأ قدمهم أرض المدرسة حتى يعمل التصفيق ويتعالى (يباب) النساء فيجلس (المطوع)على كرسيه العتيق ويجلس الخاتم بجانبه على كرسي استعاره لهذه المناسبة العظيمة ويجلس بجابنه على كرسي ثالث الوالد ويا له من منظر مهيب تقشعر له الأبدان وبعدئذ يعم الصمت فيتقدم أحد المدرسين أو الطلاب الكبار ويتلو دعاء خاصا بالمناسبة يدعي (التحميده) فيرد عليه جميع الطلاب بكلمة أمين
وبعد الانتهاء من قراءة الدعاء يتقدم (المطوع) ويوزع على طلابه ومدرسيه المأكولات ويعطرهم بماء الورد والبخور بعد أن يأخذ نصيبه منها ليطعم أهله وأقاربه ثم يأمر جميع طلابه بالانصراف إكراما لهذه المناسبة السعيدة
وذلك بعد أن أختار الكبار منهم برفقة أحد المدرسين ليزفوا الخاتم بصحبة والدته فيمرون به بالأحياء لا يدعون بيتا الأ ووقفوا عنده لقراءة التحميدة وللحصول على المكافآت المالية التي توهب له إكراما لحفظه القرآن الكريم وبعد مرور أسبوع أو أكثر على هذه الحال يكون أهل الخاتم قد وفروا المبلغ المناسب من بيوت الأغنياء الشرقية منها والقبلية الذي سيقدمونه (المطوع) إكراما له على حسن رعايته لإبنهم مع الدعاء له بالخير والبركة والعمر المديد.
التحميدة
ــــــــــــ
الحمد لله الذي هدانا للدين والإسلام اجتبانا
سبحانه من خالقا سبحانه بفضله علمنا القرآن
نحمده وحقه أن يحمده ما فتق الزهر وما طاح الندى
ثم الصلاة كلما الحادي حدا على الذي قد جاء بالهدى محمدا
هذا غلام قد قرأ وقد كتب وقد تعلم الرسائل والخطب
ولا تقصر يا أبن أشراف العرب ولا يكن طرفك هما وغضب
علمني معلما ما قصرا رددني في درسي وكررا
إني تعلمت كتابا أكبرا حتى قرأت مثله كما قرا
جزاك الله يا والدي الجنانا وشيد الله لك البنيانا
في جنة الخلد مع الولدانا...
أعطو المعلم حقه عظيما لانه كان بنا رحيما
الحمد لله الحميد المبدي سبح له طير السماء والرعد
المصادر
1- الزركلي: الأعلام
2-مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا
3- السهيلي: الروض الأنف
4- ابن سحنون: آداب المعلمين
5- أكرم العمري: عصر الخلافة الراشدة .
6- ابن خلكان: وفيات الأعيان
7- الذهبي: العبر
8- ياقوت الحموي: هو أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي (معجم البلدان)، و(إرشاد الأريب).
9-ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله .
10- ابن بدران: تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر .
11- ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق
12- رحيم كاظم محمد الهاشمي، وعواطف محمد العربي: الحضارة العربية الإسلامية
13- الغزالي: إحياء علوم الدين .
14 - ابن كثير: البداية والنهاية
15- أبو العباس الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى
16- حسن عبد العال: التربية الإسلامية في القرن الرابع الهجري
17 ابن كثير: البداية والنهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق