السبت، 30 مايو 2020

قصيدة بعنوان/(عبادة بن الصامت )/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د. صالح العطوان الحيالي

عبادة بن الصامت ابرز مفاوضي المقوقس
_____________ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 19- 5-2020
عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الإمام القدوة أبو الوليد الأنصاري .
وكانت أمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان وهي أخت عباس بن عبادة بن نضلة...... شهد بيعة العقبة الأولى وهو أحد الخمسة الأول من الأنصار الذين شاركوا في جمع القرآن في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، اشتهر بأنه لا يخاف في الحق لومة لائم، فقد خالف معاوية في عهد الخليفة عثمان بن عفان عندما ذهب إلى الشام يثقف أهلها
شهد العقبتين، والمشاهد كلها، ثم شارك في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بلاد الشام، وتولى إمرة حمص لفترة، ثم قضاء فلسطين حتى توفي في الرملة بفلسطين ...أسلم عبادة بن الصامت قبل هجرة النبي محمد إلى يثرب، قال ابن إسحاق أنه شهد بيعة العقبة الأولى، ولكن المؤكد أنه كان أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا النبي محمد في مكة بيعة العقبة الثانية. وبعد الهجرة النبوية، آخى النبي محمد بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد عبادة بن الصامت مع النبي محمد المشاهد كلها، كما استعمله النبي محمد على بعض الصدقات. كان عبادة حافظًا للقرآن ..... توفى سنة أربع وثلاثين للهجرة وهو ابن اثني وسبعين عاما ودفن بالقدس الشريف في بقيع الرحمة الملاصق للباب الذهبي وكان طويلاً جسيماً جميلاً.
المقوقس
ـــــــــــــالمتوفى 21 مارس 642 ، هو الاسم اللى سمى بيه العرب سيروس Cyrus اليونانى اللى عينه هيرقليوس ( هرقل ) امبراطور بيزنطه والى على مصر و بطريرك على كنيسة اسكندريه سنة 631 من غير رغبة المصريين اللى كانو على المذهب اليعقوبى اللى كان رئيس كنيستهم الشرعى البابا بنيامين الاول
لم تكن كلمة المقوقس اسما لرجل، إنما كانت لقبا أو اسما لوظيفة، فهي كلمة يونانية معناها المفخم أو المبجل، كما نقول اليوم: صاحب الجلالة أو السمو، أو عظمة السلطان أو فخامة الرئيس.
وقد ظهر هذا اللفظ أول ما ظهر في تاريخنا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، ثم عاد إلى الظهور مرة أخرى في أحداث فتح مصر.
ونذهب إلى أنه لم يكن مقوقسا واحدا، إنما كان هناك مقوقسان: أولهما الذي تلقى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه جورج، وكما قال عنه الرواة المسلمون: جريج بن قرقب الرومي، وكان هو الحاكم الرومي من قِبَلِ القسطنطينية، وكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه إلى الإسلام، وبالرغم من أنه لم يسلم لكنه أجاب جوابا جميلا، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا.
أما المقوقس الثاني فقد ذكرته المصادر العربية باسم فيرس، وكتبها بعضهم قيرس، ونختار أن نكتبها كما تنطق وهي سيروس Cyrus وهو اسم ما زال معروفا عند اليونانيين وغيرهم، وكان هو الحاكم الرومي من قبل هرقل على ولاية مصر، كما كان البطرك الملكاني لكنيسة الإسكندرية، فاجتمعت في يده السلطتان.
وبعض من كتب ذهب إلى أنه كان مصريا قبطيا، وبعضهم استند إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه التي استهلها بعبارة: «من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط»، ويبنون على ذلك أنه كان من القبط، ولكن في روايات واضحة أنه كان من الروم، وفى أوضاع كالتي كانت في مصر حينذاك كان عظيم القبط من الروم.
احتل فتح مصر مساحة واسعة من الدراسات التي أرخت للفتوحات الإسلامية، لأنه انطوى على رسائل متعددة. وكان نقطة فاصلة في مسيرة الفتوحات بعدها، فقد تم النظر إلى مصر باعتبارها الجائزة والمركز المهم لنشر الإسلام أولا والقضاء على إحدى الامبراطوريات الكبيرة التي ناطحت المسلمين لحقب طويلة، حتى تمكنوا من القضاء عليها. وكلما تعاظم الهدف تعاظمت معه البطولات وتنوعت مشاربها. وفي الموقف التفاوضي الذي وقفه عبادة بن الصامت مع المقوقس ملك مصر دروس سياسية وعبر إنسانية مختلفة.
تعود القصة إلى الرسالة التي بعث بها المقوقس إلى عمرو بن العاص قائلاً له: إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا، وإنما أنتم عصبة يسيرة وقد أظلتكم الروم، وجهزوا إليكم، ومعهم العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسرى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه. ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفا لطلبكم ورجائكم فابعث إلينا رجالاً من أصحابك نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء. وعندما أتت رسل المقوقس إلى عمرو بن العاص حبسهم عنده يومين حتى يروا حال المسلمين. ثم رد عليهم، أنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إما الدخول في الإسلام أو إعطاء الجزية أو القتال.
عندما رجعت رسل المقوقس إليه سألهم عن حال المسلمين. فقالوا: رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة إنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد فيهم من العبد، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم. فقال المقوقس: والذى يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد.
كان المقوقس حاكم مصر قد بعث إلى عمرو بن العاص رسلا لينهاه عن دخول البلاد، واستمرار القتال، وبحسب ما ذكر فى موسوعة "النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة" للمؤرخ ابن تغرى بردى، "إن عمرو بن العاص حبس الرسل عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم الموقس، وتساءل فى أصحابه "أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك فى دينهم، وإنما أراد عمرو بذلك أنهم يرون حال المسلمين".
ورد عمرو الرسل بعد ذلك، ومعهم ثلاثة شروط هى "دخول الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال"، فسأل المقوقس الرسل، كيف رأيتموهم؟ فقالوا: "رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة"، فما كان من المقوقس أن طلب من عمرو بإرسال رسول له للتفاوض.
بعث المقوقس رسله إلى عمرو بن العاص يقولون له:" ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه أن يكون فيه صلاح لنا ولكم "
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت ولم تذكر المصادر أسماء الآخرين، وكان عبادة أسود اللون وطوله عشرة أشبار – أى يتجاوز المترين طولاً – وأمره أن يكون متكلم الوفد وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث.
فركبوا السفن وعبروا من جهة بابليون إلى الجزيرة، فلما دخلوا على المقوقس تقدم عبادة فهابه المقوقس، وقال :" نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني "
فقالوا جميعًا :" إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلمًا وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به، أمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله " .
فقال المقوقس: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟"
فقالوا: لا إنه وإن كان أسودًا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأيًا، وليس يُنكَرُ السواد فينا، ثم قال المقوقس لعبادة" تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لذلك هيبة".
فتقدم إليه عبادة وقال:" قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا وكذلك أصحابي؛ وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبًا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهمًا، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذى بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله فى رضاء ربه وجهاد عدوه "
فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله :" هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط ؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ". ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال :" أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به " .
عبادة يعرض على المقوقس شروط المسلمين :-
_____
ثم بعد الحوار يعرض عبادة رضي الله عنه على المقوقس مطالب المسلمين فيقول: فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث فاختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلُ إلينا، إما أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فان فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله، فان قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فان أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا، وان أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، هذا ديننا الذي ندين الله به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لأنفسكم.
فقال له المقوقس: هذا ما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تتخذونا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا.
قال عبادة بن الصامت: هو ذاك فاختر ما شئت.
فقال له المقوقس فلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاثة خصال؟.
فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه وقال قد فرغ القوم، فما ترون؟.
فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل؟!أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدًا أن نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعُبَادة قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون
فقام عبادة وأصحابه..
فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا: وأي خصلة نجيبهم إليها؟.
قال: إذا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم، ولابد من الثالثة".
قالوا: أفنكون لهم عبيدًا أبدًا؟.
قال: نعم، تكونوا عبيدًا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدًا تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا أنتم وأهليكم وذراريكم
قالوا: فالموت أهون علينا
وأمروا بقطع الجسر من بين بابليون والجزيرة، وبالقصر الحصن من الروم جمع كثير فألح عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال على من في الحصن حتى ظفروا بهم ومكنهم الله منهم فقُتِلَ منهم خلق كثير، وأُسِرَ من أُسِرَ وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة.
المصادر
1- النجوم الزاهرة في اخبار مصر والقاهرة - لابن تغري بردي
2- سير أعلام النبلاء للذهبي
3- الطبقات الكبرى لابن سعد
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الاثير
5- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
6- تهذيب الكمال للمزي
7- تاريخ خليفة بن خياط
8- الكامل في التاريخ لابن الاثير
9- تاريخ الرسل والملوك للطبري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق