السبت، 25 نوفمبر 2017

يُقال الحرب/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع د. صالح العطوان الحيالي 23-11-2017

يُقال الحرب سجال فما معنى السجال؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 23-11-2017
المُساجَلة: المُفاخَرة بأن يَصْنَع مثلَ صَنِيعه في جَرْيٍ أَو سقي وأصله من السَّجْل، وهو الدلو فيها ماء قلَّ أو كثر - ولا يقال لها وهي فارغة: سَجْل.
وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
مَنْ يُساجِلْني يُسَــــاجِلْ ماجِــداً، يَمْــلأُ الدَّلْوَ إِلـــى عَقــْدِ الكَـرَب
أصل المُسَاجَلة أن يَسْتَقِيَ ساقيان فيُخْرج كُل واحد منهما في سَجْله مثل ما يُخْرج الآخر، فأيّهما نَكَل فقد غُلِبَ، فضربته العرب مثلاً للمفاخرة، فإِذا قيل فلان يُساجِل فلاناً، فمعناه أنه يُخْرِج من الشَّرَف مثل ما يُخرِجه الآخرُ، فأيهما نَكَل فقد غُلِب.
المُسَاجلة‏:‏ أن تَصْنَع مثلَ صنيع صاحبك مِن جَريٍ أو سقي. وقال أبو سفيان يوم أُحد بعد ما وقعت الهزيمة على المسلمين‏:‏ اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ، فقال عمر‏:‏ يا رسول اللّه ألا أُجيبه‏؟‏ قال‏:‏ بلى يا عمر، قال عمر‏:‏ اللّه أعْلى وأجَلّ، فقال أبو سفيان‏:‏ يا ابن الخطاب إنه يومُ الصَّمْت يوما بيوم بدر، وإنَّ الأيام دُوَل، وإن الحرب سِجَال، فقال عمر‏:‏ ولا سَوَاء، قَتْلاَنا في الجنة وقَتْلاَكم في النار، فقال أبو سفيان‏:‏ إنكم لتزعمون ذلك، لقد خِبْنَا إذَنْ وخَسِرْنا‏.‏- من كتاب مجمع الأمثال للميداني.
وفي حديث أبي سفيان أن هِرقل سأله عن الحرب بينه وبين النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له: الحَرْب بيننا سِجَالٌ؛ معناه إنا نُدَالُ عليه مَرَّة ويُدَالُ علينا أخرى، قال: وأصله أن المُسْتَقِيَين بسَجْلَين من البئر يكون لكل واحد منهما سَجْلٌ أي دَلوٌ ملأى ماء.
لا بد لنا حتى نتوصّل لمعنى هذا المثل: (الحرب سِجَال) من أن نغوص في بطون كتب اللغة والأمثال؛ حتى نحلل المفردات التي يتركب منها ونرجع إلى جذورها، وعلى هذا فإن صاحب لسان العرب يقولُ في توضيح معنى السجل: « السَّجْل الدلو الضخمة المملوءة ماءً...، والجمع سِجال وسُجُول، ولا يقال لها فارغة سَجْلٌ ولكن دلو...، وأسجله: أعطاه سَجْلًا أو سَجْلين، وقالوا: الحروب سِجَالٌ؛ أي سَجْل منها على هؤلاء وآخر على هؤلاء، والمساجلة مأخوذة من السَّجْل...، وسَاجَلَ الرَّجُلَ: باره، وأصله في الاسْتِقَاء، وهما يتساجلان. والمساجلة: المفاخرة بأن يصنع مثل صنيعه في جَرْيٍ أو سقي... قال ابن بري: أصل المساجلة أن يَسْتَقِيَ ساقيان فُيُخْرِج كل واحد منهما في سَجْله مثل ما يُخْرِج الآخر، فأيهما نَكَل فقد غُلِبَ، فضربته العرب مثلًا للمفاخرة، فإذا قيل فلان يُسَاجِل فلانًا، فمعناه أنّه يُخْرِج من الشَّرَف مثل ما يُخْرِجه الآخر، فأيهما نكل فقد غُلِبَ. وتساجلوا أي تفاخروا، ومنه قولهم: الحرب سِجَالٌ... » [لسان العرب / باب اللام، فصل السين].
ويقول صاحب مَجْمَع الأمثال في شرحه لمعنى الحرب سجال: « المساجلة: أن تصنع مثل صنيع صاحبك من جري أو سقي، وأصله من السَّجْل وهو الدلو فيها ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سَجْل. » [مجمع الأمثال، ص214].
وحتى يتوضح المعنى جيداً من التفصيل السّابق يمكننا أن نلخصه على النّحو التالي:
- أنّ كلمة سِجَال هي جمع سَجْل، والسجل هو الدّلو المملوءة بالماء، ولا يقال سجل للدّلو الفارغة. والمساجلة أصلها أن يذهب شخصان إلى بئرٍ معينة فيملأ كلٌ منها سَجْله، فإذا ملأ الأوّل سَجْله فعل الثاني مثله، فالأمر عبارة عن الرد بالمثل بأن يفعل كل شخص ما يفعله الآخر ويصنع صنيعه.
- أنّ كلمة سجال أو مساجلة انتقلت لتستعمل عند العرب بمعنى المفاخرة والتباري، وأيضًا أن يرد أحد المتباريان على الآخر ويصنع كصنيعه. ومن هنا قالوا: إن الحرب سجال: أي أن الحرب مثلها كمثل شخصان يقومان بالتردد على بئرٍ، فيملأ أحدهما سَجْله، ومن ثم يأتي الآخر فيفعل مثله، فيرد عليه بالمثل، فإذا قامت حرب بين قبيلتين وانتصرت إحداهما على أخرى، قامت القبيلة المهزومة بالرد، فتنتصر من بعد هزيمتها، فالحرب سجال بين هاتين القبيلتين، فهم في هذا المثل يشبهون النصر في المعركة بالماء الموجود في تلك البئر الذي يتناوب عليه كلٌ من الساقيان فمرة يملأ الأول سَجْله ويذهب به، ومرة يملأ الثاني سَجْله ويذهب به، فيفعل كما فعل الأوّل، فكذلك النصر في المعركة، مرة يفوز أحد الخصمين على الآخر، ومرة يفوز الذي كان قد خسر سابقاً، ويخسر الذي كان قد فاز، فهذا النصر متداول بين الخصمين.
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب المغازي أنه بعد أن انتهت غزوة أحد وهزم المسلمون، أقبل أبو سفيان عليهم وقام بالتفاخر أمامهم، ومن جملة ما قاله: « يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال... ».
وقال ابن الرومي:
قُلْ لأيـــوبَ والكـــلامُ ســــجالُ والجــوابات ذاتَ يـــــومٍ تُــدالُ
اسكتوا بعدَهـا فلا تذكـروا الشْـ شُــؤم حيـــاً فأنتُــــمُ الآجـــــالُ
وانسَجل الماءُ انسجالاً إِذا انْصَبَّ؛ وأسْجلْت الحوض: مَلأْته، وأَسْجَل الرجلُ: كثُر خيرُه.
وأَسْجَلَ الناسَ: ترَكَهم، وأَسْجَلَ لهم الأَمرَ: أطلقه لهم؛ والسَّجِيلُ: الصُّلْب الشديد.
وفي التنزيل العزيز: «ترْمِيهم بحِجارة من سِجِّيل»، وقيل: هو حجر من طين، مُعَرَّب دَخِيل، قال الله تعالى: «كَلاَّ إِن كتاب الفُجَّار لَفِي سِجِّينٍ وما أدراك ما سِجِّينٌ كتابٌ مَرْقومٌ»؛ وسِجِّيل في معنى سِجِّين، المعنى أنها حجارة مما كَتَب الله تعالى أنه يُعَذبهم بها؛ وقيل في حجارة من سِجِّيل إنها حجارة من طين طُبِخَتْ بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم لقوله عز وجل: لنُرْسِل عليهم حجارة من طين.
الأخطل:
حيِّ المنازِلَ بَينَ السّفْحِ والرُّحَــبِ لمْ يَبْقَ غَيرُ وُشــومِ النّارِ والحطبِ
وعقرٍ خالـــــداتٍ حـــولَ قُبتهــا وطامسٍ حبشي اللونِ ذي طببِ
وغيرُ نؤيٍ قديمِِ الأثـــرِ، ذي ثلــمٍ ومستكينٍ أميمٍ الرَّأسِ مســــتلب
تعتادُها كلُّ مثلاةٍ وما فقـــــدت عَرْفاءُ مِنْ مُورِها مجنونَــةُ الأدبِ
ومظلمِ تعملُ الشــــكوى حواملــــُهْ مستفرغٍ من سجالِ العينِ منشطبِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق