الجمعة، 23 فبراير 2018

♠ القصة القصيرة/أمانه عليك ياليل/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع ا.د/ محمد موسى

القصة القصيرة
أمانه عليك ياليل طول وهات العمر من الأول
جلس في مكتبه يقرأ في مذكراته ، فقد تعود منذ إتقانه للكتابه أن يكتب مذكراته وحتى يومنا هذا ، كانت المذكرات في بداية الأمر سطور قليلة وعبارات قصيرة ، إلا أنها كانت رغم بساطتها وقصرِها ، تعكس ما يدور في نفسهِ ، فقد وجد أنه كان يكتب عن كل شئ يحيط به ، ويصل اليه نظره وفكره ، كتب عن بائع الفول الذي كان يقف بعد الفجر على الناصية المقابلة لبيته وينادي بصوته الحنون ، ( إن خلص الفول أنا مش مسئول ) ، وكتب عن بائعا للشاي وقد إتخذ من زاوية في الشارع مقراً له يبع منه الشاي ، حتى بنت الجيران الحبيبة الخالدة في وجدان كل شباب جيله ، والتي كانت تقف في البلكون بدلال لافت ، ولن أقول متعمد ، يأخذ بألباب العاشقين الصغار وكان قد كتب أيضاً عنها ، وكتب عن العلاقات بين الجيران وكيف إذا حضر عريس لأي بنت من بنات الجيران ، كانت الجيران جميعهم يسارعون الي بيتها ، ويسألون عن الناقص حتى يكتمل ، وكأن هذه المناسبة في كل شقة من شقق العمارة ، ويكتب كيف حَمْلته أمه الطقم الصيني الغالي لديهم ، لكي يوصله الي الشقة المقابله لأن الليلة عريس سيأتي الي أنجيل الرقيقة بنت مدام ماري زوجة بطرس أفندي ، وكيف كان الجيران يجتمعون في بيت أحمد أفندي موظف الأوقاف حتى يتم مصالحته على زوجته التى كانت على خلاف دائم معه ، وكيف تأخذ الجيران أولاد الساكن الذي أجبرته الظروف للسفر الي بلدته للعزاء في قريب مثلاً ، وكيف إجتمع كل سكان العمارة في الكنيسة القريبة من المنزل ، يوم وفاة الطفلة مدلين بنت اسحاق أفندي بعد أن صدمتها سيارة أمام البيت ، وكتب حتى كلمات القس الذي تكلم في العزاء ، والحضارين أكثرهم مسلمين بما فيهم الشيخ عبد الرازق شيخ الجامع بجلبابه المميز ، قال القس هذه مصر التي نعرفها ونعيش فيها ويتسع قلبها لنا جميعاً بالحب ، وكيف أرسلته أمه مع كل أولاد وشباب العمارة ليحولوا المياة من حنفية الجراج الموجود أسفل العمارة ، يوم أن قطعت المياه عن العمارة نتيجة بعض الإصلاحات في الشارع ، الي السكان حتى لا يحتاج أحدهم إلي المياه ، وكيف كان الجيران يتبادلون الكحك في الأعياد الإسلامية والمسيحية واليهودية ، وكيف كان استعارة البصل والثوم والزيت حتى الخبز من بعضهم البعض ليس عيب ولا يسبب الخجل ، حتى أن كلمة ( الناس لبعضِها ) كانت سائدة ، عندما يعترض أو يخجل البعض ، وكتب مرة أن لأخته قطه رومية كبيرة الحجم وكان الجزار الذي يأتي لهم باللحم يجمع بقايا تنظيف اللحم ويرسلها بعد العصر مع صبي له ، وكان ينادي من منور العمارة فإذا خرج له أحد يقول أكل الهانم القطه ، وكان أخته تأخذ هذه اللفه بالسبت بعد أن تعطيه ربع جنية ، وفي مرة بينما السبت ينزل إصطدم بيد جاره بالدور الثاني وكان في يدها قنينة عطر سقطت على الأرض وأنكسرت ، فلما قالت أخته لها أسف ، ردت الجارة وقالت فداء عيونك يا غالية يا بنت الغالية ، أخذت الشر وراحت ، فكنا نعيش وكأننا أهل في فيله تتكون من 40 شقة ، وكتب في مرة أن أمه أخذته معها للفررجي لشراء حمام كما كان هو وأخواته يحبه خصوصاً وهو محشو فريك ، ووجدت رجل يمسك بخمسة من أولاده ويريد أن يدفع بنفسه وأولاده تحت الترام لعجزعه عن الإنفاق عليهم ، مما دفع الأم يومها الي أن أفرغت كل ما معها من نقود في كيس النقود للرجل وقالت له إتقي الله ، وهو سيكفيك ، ورجع وأمه الي البيت بلا شراء ، مما جعله يفكر في هذا الأمر ، وما هو السبب الذي يجعل الإنسان يفضل الأخرين على نفسه ، وظل يقرأ والإبتسامه لا تغادر وجه ، وفجاءة سمع أغنية كانت قناة التليفزيون ( ماسبيرو زمان ) تذيعها للمطرب عبد العزيز محمود ( أمانه عليك يا ليل طول وهات العمر من الأول ) ، سأل نفسه هل أريد فعلاً أن يأتي العمر من الأول ، وجد نفسه يقول لا وألف لا ، فأجمل سنوات العمر ما أنا أعيشه ، وإن لم يكن بالجمال الذي أتمناه ، أحوله أنا إلي زمان أشعر بجماله ، وهنا إتسعت إبتسامته وأغلق كتاب مذكراته .
ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق