الاثنين، 27 أغسطس 2018

الشباب عماد الأمة وسر نهضتها /بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د.صالح العطوان الحيالي

الشباب عماد الأمة وسر نهضتها
ــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق -23.8.2018
الشباب هم العنصر الأهم لتقدم الأمم والشعوب، فالمجتمع الذي يمتلك هذا العنصر الثمين؛ يمتلك القوة والحيوية والتقدّم على سائر الأمم، فهم سبب نهضة الأمم، وسر قوتها، وعمادها، وحصنها المنيع، وسيفها الحامي، ودرعها الواقي، فالنصرة بالشباب؛ حيث إنه بإمكانهم استلام مناصب، وشغل مواقع مهمةً في المجتمع، وقيادة الأمم للنجاح والتطور. للشباب دورٌ مهمٌ في بناء المجتمع متمثلاً بحضاراته، وإنجازاته، وتقدمه وتطوره، والدفاع عنه، فهم عماد الوطن والأمة، وهم من ينهضون بالوطن، ومن يساهمون في نجاحه والدفاع عن القضايا العامة فيه، لتحصيل الحقوق المختلفة لكافة شرائح المجتمع، وهم من يصنعون القرارات؛ من خلال مشاركاتهم الساسية بالانتخاب وصنع القرار، كما أنّهم يوفرون الأيادي العاملة اللازمة لبناء الأمة، والمساهمة في نهضتها وإنعاشها، وتقوية دخلها، والمساهمة في المشاريع التعاونية، والتطوعية، والخدماتية وغيرها، إضافة إلى المشاركة في نشر الثقافة، والتغذية الفكرية والثقافية، وتعزيز حب الوطن، والتعريف به، والمساهمة في تبادل الثقافات، والاستفادة من الخبرات والتجارب، وتكوين نقاط قوة تدعم التقدم والتطور. للشباب مكانةٌ عظيمةٌ، خصّهم بها الدين الإسلامي على غيرهم؛ فهم يخوضون المعارك، ويواكبون العلم والمعرفة بكامل النشاط، لما لهم من الأثر في تحويل الخطأ للصواب، والجهل إلى نور العلم؛ لما يحملونه من قوةٍ ونشاطٍ وحيويةٍ في هذه المرحلة أكثر من غيرها، حيث يتميزون بالعطاء، وبذل الجهود، فهم من ينشرون الهدى والخير، لقوله تعالى في محكم تنزيله:"إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"، كما كانوا الأكثر ملازمةً للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم الأكثر تأثيراً دون غيرهم، وهم الأكثر قابليةً للتغير والتجديد؛ على العكس من كبار السن مثلاً لا يتخلون بسهولة عن بعض الأعمال أو معتقدات التي يحملونها، ولا يقبلون التغيير عليها، لذلك عني الإسلام بهم عنايةً كبيرةً، لاستغلال الطاقات الموجودة وعدم هدرها، ووضّح لنا الرسول صل الله عليه وسلم المكانة العالية التي جهزّها الله سبحانه للشباب، حيث جعلهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفقاً للطاعة والتنشئة المبنية على حسن الخلق لله سبحانه وتعالى، فهم حملةٌ للرسالة، لقوله صل الله عليه وسلم في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في طاعة الله .. ".
واقع حياتنا اليوم يستوجب علينا أن نقف متعاونين محافظين على شبابنا لنُكّوِّن مجتمعاً فاضلاً متكاملاً تَسوده المحبة والألفة بيننا، قائماً على النصح والإرشاد لله تعالى ورسوله الكريم ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهذا يكون ضمن أولويات مجتمعنا، وهو أن يَقع على عاتق كل منَّا إصلاح المجتمع، بل يجب علينا أن نعلم أن الحياة المعاصـرة تتطلب تكوينَ مجتمع متكامــل متضامن تسوده رُوح الأخــوة والتعاون والنصــح لله ولرسوله ولكافـة المسلمين وعامتهـم، ومن باب الأولويات أن يقــع إصلاح المجتمع على جميع طبقاتـه وتوجيهه الوجهة الصالحــة ليكون مجتمعاً مثاليا تطبـع علاقات طوابــع الدين الراسخ ، والمحبة الصادقـة. ليُحق الحق ويبطـل الباطل ولو كره المجرمون.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : « سبعة يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عــدل وشاب نشأ في عبـادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجـد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجـل تصدق بصدقة فأخفاهـا حتى لا تعلم شماله ما أنفقته يمينه، ورجل دعتــه امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجــل ذكـر الله خاليا ففاضت عيناه».
والملاحظ في هذا الحديث النبوي الشريف أن الشاب هو أحد قوائم المجتمع، به ينهض المجتمع ويستفيق ويتقوى على الأعداء وأصحاب الفكر الضال والأهواء، لذا وجبت العناية بالشباب، فبالشباب يكون للأمة رسوخ وقدم ومن ثَمَّ نضمن واقعاً ومستقبلاً أفضل لأمتنا المباركة.
لقد اعتنى الإسلام اعتناءً بالغاً بالشباب حين كلّف وأرشد ووجه هذه الفئة من البشر بتوجيهات صالحة تعود على الشاب ببناء الجسم والعقل على نمط متكامل يُضفي على الحياة الدنيا حظها، وللآخرة مطالبها دون تقصير أو فتور، وبهذا ينشأ المسلم نشأة ربانية وأخلاقية تُبشر بالخير والسرور في واقع الأمة وحاضرها وتفتح لنا أبواب الخير والبركة والقوة والشجاعة ليعود للمجتمع أمنه واستقراره وقوته وإقدامه.لقد ضرب الله عز وجل لنا أروع الأمثلة عن الشباب الطاهر في القرآن الكريم، حيث قوَّى فيه الارادة وميزه بالعقل ليحدد مصيره وليكون قراره من عقله، مراقباًَ لله سبحانه وتعالى في جميع تصرفاته متطلعاً للثواب الجزيل والجزاء الحسن الوفير: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)».
والناظر في السيرة النبوية المطهرة ليقرأ عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم وكيف كان يُجالسهم ويقربهم منه ويستمع إلى آرائهم وكلامهم ويأخذ بمشورتهم بل إنه عليه الصلاة والسلام قد ذهب بنا إلى ما هو أبعد من ذلك فنراه قد قلّد أسامة بن زيد إمارة الجيش وقيادته ليحارب قضاعه، وكان الجيش آنذاك يضم عدداً كبيراً من الصحابة الأخيار الأكابر والذين يكبرونه سناً وخبرة ويفوقونه تجربة في الحروب ومع ذلك جميعهم قبِل بتولي أسامة قيادة الجيش ولم يعترض أحد منهم ، وذلك لأنهم وجدوا من النبي صلى الله عليه وسلم في عمله درساً من الدروس النافعــة لأبنائهم مـن الشباب يتعلمون من خلاله تحمــل المسـؤولية والاعتمــاد على النفس في توجيه الأحـداث المحيطة وحتى يُثبتواْ أهليتهم وكفاءتهــم على العكس تماماً مما نراه في واقعنا المعاصر، إن هذا الارشاد الحي والتوجيه الكريم من رسولنا الكريم قد قام على بناء الشخصية الإسلامية الحق والذي يريد من خلاله أن يكون المسلم قوياً في كل شيء يقول الرســول صلى الله عليه وسلم: «المؤمــن القوي أحب إلى الله من المـؤمن الضعيف وفي كل خير».
ولم يكتف الإسلام بذلك بل إنه قدَّر العلم والعلماء فهو يهيب بشباب الأمة أفراداً وجماعاتٍ أن يكونوا في طليعة السباق نحو المُثل العليا لتحقيق الأماني ورفعة الأمة المحمدية ، والعمق في الأسرار والفوائد القرآنية فيُبَصَّرُ لإدارك أسرار الآيات والأحاديث النبوية.
وفي النهاية أردد قول الله تعالى : «لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ».
إن الشباب هم أكثر الفئات أهمية في أي مجتمع من المجتمعات فهم يمثلون الغد المشرق للأمة ، وهم الوسيلة المُثلى للنهوض بالتنمية وبالبلاد، وسيصبحون في المستقبل أكثر قدرة على مواجهة التحديات وإيجاد الحلول للأزمات مما استفادوه في ماضيهم، فلا تُبنى الأمة إلا بسواعد أبناءها ؛ لذا كن كما أنت مجاهداً صابراً متعلماً عالماً باحثاً في اتجاهك سائراً نحو تحقيق الأماني والصعود للقمة مهما كانت المخاطر والصعاب ولا يغرنك الشيطان .. أخلص النية لله ثم انطلق.
جعل الله سبحانه وتعالى القوة في الشباب فقال تعالي (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) الروم (54) . ومدح الشباب في القرآن الكريم فقال تعالي (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) الكهف (13). و أوصي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالشباب خيرا فقال صلي الله عليه وسلم ( أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة ، لقد بعثني الله بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ) رواه البخاري . إن الحديث مع الشباب وعن الشباب وإلى الشباب حبيب إلى النفس قريب إلى القلب ، إن الشباب في كلِّ زمان ومكان – وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا – عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر. إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته – إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجت في جامعته الشاملة.والحديث عن الشباب يتناول عدة عناصر وهي :ـ 1ـ حديث القرآن الكريم عن الشباب . 2ـ تعامل النبي صلي الله عليه وسلم مع الشباب . 3ـ دور الشباب في بناء الأمة. 4ـ نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة. 5ـ نصائح عملية للشباب .
حديث القرآن الكريم عن الشباب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:ــ تعتبر أيام الشباب من أعز الأيام التي تبقى عالقة بذاكرة الإنسان، مهما عاش، لأنه كان فيها طليق الحرية.. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا شابا، ثم تلا هذت الآية:(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال به إبراهيم) وقد أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: (وآتيناه الحكـم صـبيا)مريم. وقال تعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف)وقال جل شأنه: ( إنهم فتية آمنوا بربهم) وقال جل من قائل: (وإذ قال موسى لفتاه) الكهف. ولقد ضرب القرآن الكريم المثل بالشباب .. *فكان المثال الأول هوسيدنا النبي إبراهيم عليه السلام ، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة ، ويفتش عن الحقائق الناصعة ، ويملك الشجاعة العالية ، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن . فقال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ ) الأنعام: 78. وبهذا يصبح سيدنا إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
**والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام ، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى ، القوي ، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه ، وأمام ضغوط الاضطهاد ، والقمع ، والمطاردة ، والتهديد بالسجن ، والنفي ، والفتى الثائر ، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد .
قال تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) يوسف : 22 . ( وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ ) يوسف : 23 . لماذا لم يستجب يوسف لهوى المرأة؟؟ وكان يمكن أن يستجيب وربما عذره الكثيرون، قالوا إنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وهو عبد والعبد يفعل ما يستحي منه الأحرار، وهو عزب ليس له زوجة تعفه، وهو غريب عن وطنه، والغريب يفعل ما لا يفعل الإنسان في بلده، وهو .. وهو ..، هناك أكثر من سبب كان يجعل يوسف يستجيب للمرأة ولكنه أبى كما ظهر ذلك. إنه نموذج للشاب الطاهر العفيف . ***
والمثال الثالث هوسيدنا موسى عليه السلام الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية ، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والدلال ، فإن فرعون كان قد اتَّخَذَهُ ولداً له . ولكنه عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني ، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين ، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة . قال الله عزّ وجل : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) القصص : 14. ****
والمثال الرابع هم أهل الكهف ، فقال الله تعالى فيهم : ( إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً ) الكهف : 13-14 . إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة ، والشباب ، والقوة ، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى ، والسيطرة على الشهوات والرغبات ، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية . **وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى : ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ) هود : 42-43 . ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، يعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى : ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) الأحقاف : 17.
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:ــ لقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة. ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ ، وهذا بن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب. لذا أوصي النبي صلي الله عليه وسلم بالشباب فقال صلي الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس: “شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”. أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست به صبوة” وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله يحب الشباب الذي يفني شبابه في طاعة الله” البخاري. وقال صلي الله عليه وسلم ( من يدخل الجنة ينعم، لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه” مسلم, وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرح، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” متفق عليه.
دور الشباب في بناء الأمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ :ـ لقد كان للشباب المسلم الدورالأعظم في بناء الأمم والشعوب فعلي أكتافهم قامت الحضارات ، وكان لهم أثر كبير في نهضة الأمة الإسلامية على مر العصور واختلاف المجالات، فحُق لهم أن يكونوا نماذج حسنة وقدوة صالحة لشباب الأمة في كل العصور.
1ـ الشباب هم أسبق الأمم إلي قبول الدعوات الإصلاحية :ــ الشباب قديما وحديثا هم من واجهوا الباطل وكانوا أسرع إلي قبول الحق لأن أرق قلوبا وأهدأ نفسا وليس لهم أطماع في الحياة كحال الكبراء والسادة كلما جاءهم رسول كذبوه قال تعالي في شأن المترفون (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24) الزخرف . أما الشباب هم من تصدوا للباطل بإيمان وثبات كما حدث من سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه . وكما حدث من أصحاب الكهف مع الملك الظالم.
2ـ أنهم عنوان تقدم الأمة ودعامة نهضتها:ـ الشباب أغلي ماتمتلك الأمة ، الأمة تمتلك كثير من المقدرات .. مقدرات اقتصادية ، ومقدرات عسكرية ، ومقدرات جغرافية ، ومقدرات إنسانية وأغلي ما تمتلك الأمة المقدرات الإنسانية وأغلي المقدرات الإنسانية هم الشباب . و إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي، فانظر إلي شبابها واهتماماته ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء ، وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فالشباب عنوان الأمة. كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف: 13)”. هم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة. لوتصفحنا السيرة النبوية لوجدنا كل من واجهوا جبابرة مكة وكسري وقيصر هم الشباب ، السابقون السابقون هم الشباب ، انظر إلي الزبير بن العوام رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 15 سنة ، وطلحة بن عبيد الله من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 16 سنة ، سعد بن أبي وقاص 17 سنة ، الأرقم بن أبي الأرقم 16 سنة وهو بني مخزوم يجعل بيته مقرا لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم فيه المسلمين ويربيهم علي الإسلام لمدة 13 سنة رغم أن بني مخزوم كانت تنازع بني هاشم الشرف . الدعامة الأساسية لدين الإسلام علي وجه الأرض هم الشباب أعمارهم تتراوح من 17 :30 . نعم الواحد منهم صغير السن ولكنه كبير في العقل والهدف وكل شيئ.
نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:ـ وإليكم بعض القدوات الشبابية التي قدمت للأمة البطولات الرائعة :ــ أحبتنا في الله! نخاطب الشباب لأنهم المعنيون، عليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال.
الشباب في ميدان العلم والدعوة :ـ
1ـ الإمام الشافعي :ـ طفل أحب العلم والعلماء، كم بحثت أمه له عن علماء يجلس تحت أرجلهم فيتربى بتربيتهم، وينهل من معينهم! فشاء الله وقدر أن يتحقق حلم الأم الحنون، فانتهى الأمر بكونه من أعظم فقهاء المسلمين في التاريخ، وإلى أن تقوم الساعة. إنه الإمام الشافعي -رحمه الله- فقد كان يكتب على الألواح، ويتنقل بين العلماء بهمة عالية بحثًا عن العلم، وقد حباه الله بإمكانيات هائلة، حتى إنه حفظ الموطأ وهو في العاشرة من عمره، وليس ذلك فحسب بل إنه جلس على كرسي الفتيا وهو في الثانية عشرة من عمره، فانتشر مذهبه وذاع صيته في العالم الإسلامي أجمع، فهو أول من أصَّل علم أصول الفقه.
2ـ الإمام البخاري :ـ صبي فَقَد بصره في الخامسة من عمره، فظلت أمه تدعو الله أن يرد إليه بصره، ليس ليكون كبقية الصبيان والأطفال، وإنما ليكون عالمًا متعلمًا، فشاء الله وقدر واستجاب لدعوات أمه، فصار شيخًا للمحدثين في تاريخ الإسلام العظيم. وهو جبل الحفظ وإمام وقته أمير أهل الحديث، الذي لم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث، وفاق تلامذته وشيوخه على السواء، هو الإمام البخاري، صاحب أصح كتاب بعد القرآن الكريم، والذي صنفه في ست عشرة سنة، وجعله حجة فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يكاد يستغني أحد عنه، لقد كان -رحمه الله- يحفظ أكثر من مائة ألف حديث، دوّن منها في صحيحه سبعة آلاف فقط، وكان ذا منهج متميز في تخيُّر أحاديثه وقبولها. في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال “والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع . يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة من ماله) .
3ـ زيد ابن ثابت :ــ نموذج غاية في الروعة والجمال إنه زيد ابن ثابت ابن الضحاك الأنصاري من بني النجار يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ، سمع أن جيش المسلمين خارج إلي بدر تحركت في قلبه مشاعر نصرة الإسلام فحمل سيفه وكان أطول منه ، وع ذلك خرج لينضم إلي جيش المسلمين وهو ليس بمكلف بعد لكن الرسول الرحيم بأمنه رفض زيد وقال لا زلت صغيرا يا بني. عاد الطفل حزينا إلي بيته يبكي !! لماذا البكاء ؟ لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم منعه من الجهاد ، لكن الأم المربية العاقلة قالت لا تحزن تستطيع أن تخدم الإسلام بصورة أخري .كانت خدمة الإسلام هي هدفه وطموحه ، قالت له أنت تحسن الكتابة وتحفظ كثيرا من سور القرآن ، تستطيع أن تخدم الإسلام في هذا المجال ، فذهبت به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأوصاه أن يتعلم اللغة السريانية . يقول زيد عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله : “أتحسن السريانية؟” قلت: لا. قال: “فتعلمها فإنه تأتينا كتب”. قال فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول . ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم كم عمره 13 سنة !! وبعد ذلك يكلف بجمع القرآن في عهد سيدنا أبو بكر. بعد وفاة الرسول شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ…واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:(إنك شاب عاقل لانتهمك)…وأمره أن يبدأ بجمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة. ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا…وقال زيد في عظم المسئولية: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)…كما قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال). وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف. وجمعه مرة أخري عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم جميعا.
الشباب في ميدان الجهاد :ـ
1 ـ صقرين يقتلان فرعون هذه الإمة :ــ غلامين صغيرين كان لهما في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما في صحيح البخاري قال : بينما أنا في الصف يوم بدر إذ نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله .( البخاري، ومسلم). سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه يكون مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون الصورة واضحة جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.
2 ـ عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه : أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، أسلم قديماً ، ويقول عنه سعد رضي الله عنه : رأيت أخي عميراً ، قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، يتوارى فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني ، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة . قال سعد : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : كنت أعقد حمائل سيفه من صغره ، أي أن قامته قصيرة لذلك يعقد حمائل السيف كي لا يلامس الأرض عندما يمشي عمير رضي الله عنه. وعندما نشبت معركة بدر الكبرى ، استشهد عمير رضي الله عنه ، قتله أحد فرسان قريش وصناديدها وهو عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رضي الله عنه يوم الخندق . وعندما يستشهد عمير على يد فارس من قريش يعني ذلك أن عميراً رضي الله عنه كان في مقدمة الصف يصول ويجول ، حتى اهتم به ذلك الفارس الصنديد فعرج عليه فقتله
3 ـ قاهر التتار:ـ سيف الدين قطز ... ذلك الطفل الصغير الذي تربى تربية أبناء الأمراء، ولكن ما لبث إلا أن خطفه الأعداء وبِيع بَيع العبيد، يتناقله تجار الرقيق من بلدة إلى أخرى، حتى انتهى به المقام إلى العيش وسط العبيد، يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون، ولكن الطفل كان ذا طموح جارف، وثقة بربه، وهدف جليل؛ مما قاده ليكون من أعظم القادة في التاريخ الإسلامي ،إنه سيف الدين قطز توفاه الله وهو دون الأربعين، ولكنه استطاع بهمته وتقواه أن يحقق ما عجز عنه الكثيرون، حتى قال عنه العز بن عبد السلام: لو قلت ليس هناك من هو أفضل من قطز من زمان عمر بن عبد العزيز لكنت صادقًا. إنه سيف الدين قطز الذي قال قولته الشهيرة: (من للإسلام إن لم نكن نحن).
2ـ أصغر فاتح في الإسلام:ـ هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال. أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، والمسلمين . بدت عليه أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا. وكان يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة. اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك “الراجة داهر” حاكم الإقليم، في معركة مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته سنة 96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا) قال حمزة الحنفي فيه:
إن المــــروءة والسماحة والنـدى ....... لمحمد بن القاسـم بن محمـد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة ...... يا قرب ذلك سؤددًا من مولد
3 ـ أقوي ملوك أوربا :ـ عبدالرحمن الناصر :ـ سيرته مليئة بالمواقف الرائعة ، استلم دولة ضعيفة مترهلة مشتتة تموج بالثورات والفتن يطمع فيها أهل الأرض جميعا وليس فيها أمل فيما يبدو للناس أن تقوم من جديد فإذا به بصبر عجيب وثبات وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس ، يعيد للعلماء هيبتهم ويعيد للجيش الإسلامي رهبته ، يوحد الصفوف ، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جدا في بلاد الأندلس تتفوق في كل المجالات ، حتي أصبحت الأندلس في زمانه أقوي دولة بلا منازع علي وجه الأرض ، وجاء زعماء أوربا جميعا يطلبون وده وليفوزوا برضاه . عبدالرحمن الناصر أقوي ملوك أوربا في القرون الوسطي ، استلم الحكم وهو يبلغ من العمر 22 سنة فقط . هذه رسالة عظيمة أن الشباب عندهم مؤهلات وطاقات وإمكانات وقدرات عالية , وكأن التاريخ يقول لنا لا تسهينوا بقدرات الشباب ، فالشباب أمل الأمة ، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة ، ولنعلم جميعا أن المقومات الحقيقية للشاب الناجح تكمن أساس في دين الشاب في عقله ، في علمه ، وتدريبه ، ولم تكن أبدا في عرق أو نسب أ ومال أو عنصر أو جمال صورة . هذا هو شباب الإسلام .
شبابنا هيا إلى المعـالي هيا اصعدوا شوامخ الجبال هيا اهتفوا يا معشر الرجال قولوا لكل الناس لا نبالي
أحبتنا في الله! واقع شبابنا اليوم إذا قارناه بالصدر الأول والسلف الصالح وجدنا ما نخجل لذكره وما نطأطىء الرءوس خجلاً مما نراه، بل لا نستطيع أن نقارن بين أولئك وهؤلاء: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهـم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد بل ربما من العبث أن نقول: إن الرعيل الأول والجيل المتقدم كانوا أفضل من هؤلاء: ألم تر إن السيف ينقص قـدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا .
نصائح للشباب
ـــــــــــــــــــــــــ:ــ لا بد أن يعلم الشباب أن الإسلام فيه الخير والعطاء والبناء لهم ، وهم بغير الإسلام تعاسة وبلاء ولا قيمة لهم، فالشباب طاقة يسخرها الله في إصلاح البشرية ، فإليك أخي الشاب هذه النصائح التي يمليها عليك دينك حتي تستطيع أن تقوم بدورك المنوط بك. .
1- على الشاب أن يعرف دينه ، ويمتثله في سلوكه وعمله ، ويكون على قناعة تامة به ، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشكيين ولعلم أن دينه أفضل دين ، وأن كل ما سواه فهو زور وباطل ، عليه أن يسخر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين وليكن هذا شعارك دائما (دينك دينك لحمك دمك )
2- على الشاب أن يعلم أن أمته هي خير أمة ، وأن هذه الخيرية ثابتة لها ما دامت متمسكة بدينها ، ويعلم أن أمته بقيت دهراً طويلاً رائداً للعالم ، وأنه يجب أن تبقى لها هذه الريادة ، وذلك لا يتحقق إلا بالالتزام بتعاليم الإسلام.
3- على الشاب أن تكون همته بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وليحذر أن يكون داعية سوء ، يكون عليه وزر نفسه ، ومن أوزار الآخرين.
4- على الشاب أن يكون دائماً الارتباط بالله تعالى ، من خلال أداء الصلاة في وقتها ، وكثرة الذكر والدعاء ، والاستعانة به في جميع الأمور ، والتوكل عليه ، والمحافظة على الأوراد المشروعة كأذكار الصباح والمساء ، والدخول والخروج ، والركوب ، ونزول المكان ، وغير ذلك .
5- على الشاب أن يعلم أن قدوته الحقيقة هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحذر من التقليد الأعمى الذي يفقده شخصيته وتميزه .
6- على الشاب أن يحافظ على رجولته ، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسر ، وتشبه بالنساء ، وغير ذلك .
7- على الشاب أن يصبر على مشقة فعل الطاعة ، وترك المعصية ، حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به ، وكن من أهل الخير حتى يصبح الخير عادة لك فلا تريد بأعمالك إلا وجه الله وابتعد عن الشر فلا تدخله إلى قلبك ولا تشرح له صدرك لأنه لا يكون إلا بلجاجة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وقد قال صلى الله عليه وسلم ” الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين .
8- على الشاب إذا أراد أن يروح عن نفسه أن يلتزم بالحلال ، ويتجنب الحرام ، فإن في الحلال غنية عن غيره ، وإن عاقبة الحرام وخيمة ، وليكن من دعائه ( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، واغنني بفضلك عمن سواك ). (رواه الترمذي قال حديث حسن ).
9- على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى ولو كان ظاهرهاً الصلاح والإصلاح فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل. وأخيرا :ـ أيها الشباب عليكم أن تعلموا أن أهمية مرحلة الشباب تكمن في السؤال عنها مرتين يوم القيامة؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ “ .( سنن الدارمي) فليعمل الشباب وليجتهدوا، وليشحذوا هممهم؛ فنهضة الأمة لن تقوم إلا على أكتافهم. ونسأل الله أن يحفظ شبابنا من الفتن ماظهر منها وما بطن وأن يعصمهم من الخطأ والزلل ويهديهم إلي طريق الهدي والرشاد إنه ولي ذلك ومولاه
" د. صالح العطوان الحيالي" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق