الأربعاء، 11 أبريل 2018

الهند ( درة الإسلام المنسية/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع د. صالح العطوان الحيالي -العراق .. 3-4-2018

الهند ( درة الإسلام المنسية - ملوك الطوائف في بلاد الهند )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق .. 3-4-2018
لم تكن الأندلس فقط هي من حكمها المسلمون زهاء الثمانية قرون، ولم تكن بغداد فقط هي حاضرة العلم والحضارة. ولم يكن الجامع الأموي هو تاج العمارة الإسلامية وحده ولم يكن من الممكن الحديث عن بطولات ألب أرسلان أو يوسف بن تاشفين دون غيرهما من أبطال الإسلام ومصدر عزته. هكذا وكما كانت الأندلس هي الفردوس المفقود وكان صلاح الدين هو موحد المسلمين مرة أخرى، كانت الهند هي درة الإسلام المنسية وكان محمود الغزنوي هو أحد أبطالها ...
ثمانية قرون ونصف القرن عاشتها الهند في رحاب الحكم الإسلامي، امبراطورية عظيمة مترامية الأطراف كونها الغزنويون وحافظ عليها الغوريون وبلغت أوجها في عهد المغول المسلمين ثم انتهت بسقوط السلطان بهادر شاه واحتلال بريطانيا للهند في 30 مارس 1858
سقطت دولة ملوك الطوائف في الأندلس في نهايات القرن الحادي عشر، وانتظرت الهند ثلاثة قرون كاملة لتكرر تجربة الأندلس دون أن تعي أن الفرقة والتشتت دوما تقود إلى النهاية. وكما دامت دولة طوائف الأندلس لفترة قصيرة حتى أنقذها المرابطون وأطالوا عمرها قرنين آخرين من الزمان، كانت دولة طوائف الهند على موعد مع المغول الذين أقاموا حضارتهم في الهند حتى منتصف القرن التاسع عشر حين أتى السقوط.
وقد انقسمت الهند بعد آل تغلق إلى طوائف وإمارات مختلفة أهمها
تأسيس سلطنة دلهي:
ــــــــــــــ دلهي تسمية لعاصمة الهند كما شاعت إبان الاستعمار الإنجليزي لتلك البلاد، محرفة عن التسمية الأصلية دهلي. أما السلطنة فهي الدولة التي قامت في شمال شبه القارة الهندية واتخذت دلهي عاصمة لها، بعيد انتزاع جيوش الغوريين الأفغانيين دلهي، من حاكمها الهندوكي (592هـ/1195م) وقد تم هذا الفتح على يد قطب الدين أيبك ذي الأصل التركي، قائد جيوش السلطان شهاب الدين الغوري الذي عينه نائبًا له في أملاكه الهندية. ولما توفي السلطان (602هـ/1206م) أعلن أيبك استقلاله في دلهي وحمل لقب سلطان.
سلطنة المماليك:
ــــــــــــــــ تعاقب على حكم السلطنة عدة أسر حاكمة، أولها تلك التي أسسها قطب الدين وعرفت بدولة المماليك؛ لأن مؤسسها كان في الأصل مملوكًا لسيده شهاب الدين، وكان السلاطين الغوريون قد دأبوا على استقدام الرقيق لتجنيدهم من أسواق مدن ما وراء النهر. ووصل أيبك بعد عتقه إلى رتبة قائد الجيوش، كما أضحى ختـنًا للسلطان، وتابع بعد تسلطنه توسيع أملاكه الهندية شرقًا إلى البنغال وغربًا إلى البنجاب.
وخَلفه (607هـ/1211م) بعد مدة قصيرة حكم فيها أحد أبنائه مملوكه وختـنه وقائد جيشه إيلتتمش. الذي بدأت به سلالة مملوكية ثانية. و لما توفي إيلتتمش (633هـ/1236م) توالى على الحكم بعده عدد من أولاده من بينهم ابنته السلطانة رضية، ثم آل العرش إلى مملوكه وختـنه بلبان (664هـ/1266م) الذي كان رأسًا لسلالة مملوكية ثالثة. و يُعدّ هذا السلطان المملوكي اللامع الثالث بعد كلٍ من قطب الدين أيبك وإيلتتمش، فقد حكم مدة طويلة قضى فيها على الفتن التي قامت في أنحاء السلطنة شرقًا وغربا،ً ثم تعهد طرق المواصلات عبر الأدغال، واستغل خبرته الإدارية العالية في إقامة العدل بين الرعية وفي المحافظة على وحدة أراضي السلطنة بالقضاء على محاولات من كان يرغب بالانفصال عنها من حكام المقاطعات. سقطت أسرة بلبان بعد وفاة مؤسسها بثلاث سنوات لعدم كفاية من ورث الحكم بعده.
الأسرة الخلجية .. الدولة الخلجية بالهند:
ـــــــــــــــــــــ آل الحكم عقب ذلك إلى أسرة جديدة تعود أصولها إما إلى الترك وإما إلى المغول، هي الأسرة الخلجية وكانت إقامة الخلجيين الطويلة في بلاد الأفغان، جعلتهم يعدون أنفسهم أفغانيين، و كان أمراء منهم أسهموا سابقًا في جيوش الغوريين في فتح أجزاء من الهند، وشغل بعضهم مناصب رفيعة في الدولة وشكلوا قوة سياسة وعسكرية مهمة خلال الأحداث التي جرت عقب وفاة بلبان، إلى أن تمكن أكبر أفراد الأسرة جلال الدين فيروز شاه من الجلوس على عرش دلهي (689هـ/1290م) وهو في السبعين من العمر. لم تعمر أسرة الخلجيين في الحكم أكثر من واحد وثلاثين عامًا، تولى السلطة فيها ستة حكام. قضى الحاكم الأول منهم ثم ابنه نحبهما بسبب الصراع على السلطة على يد الحاكم الثالث علاء الدين محمد شاه ابن شقيق المؤسس و ألمع حكام الأسرة وولي السلطة بعده على التوالي اثنان من أبنائه، كانا ألعوبتين بأيدي قواد الجيش، وكان الحاكم الأخير مملوكًا من أصل هندوكي حديث العهد بالإسلام تولى بعد عتقه الوزارة وقيادة الجيش، ثم أقدم على قتل سيده والحلول محله إلى أن اغتيل على يد أحد قواد الجيش غياث الدين تغلق (720هـ/1321م) بسبب مجونه وردته إلى الهندوكية.
بدأت منذ عهد جلال الدين الخلجي، أولى غزوات سلطنة دلهي إلى هضبة الدكن (694هـ/1294م) وتابع بعده علاء الدين محمد السعي إلى توحيد شبه القارة الهندية تحت سلطته، فبنى مصانع السلاح وأعدّ الجيوش حتى كادت حروبه أن تشمل كامل شبه القارة ضد حكامها الهندوكيين. كان أهمها انتصاره بعد حرب ضروس استمرت عامًا كاملًا، مكنته من الاستيلاء على أحد الحصون المهمة في صحراء الراجبوتانا (700هـ/1301م). وأعقبها بحمله ثانية بعد ست سنوات أوصل سلطته فيها إلى المزيد من حصون شمالي الدكن. وأوغلت جيوشه (709هـ/1309م) جنوبًا بغرب فاجتاحت أقليم (الكجرات) الغني، و تابعت بعد ذلك إلى الدكن ذاتها وسيطرت على أجزاء منها ولم يأت عام 712هـ/1312م إلا وكانت سلطنة دلهي تمتد على شبه القارة الهندية بأكملها، وانصرف علاء الدين بعد ذلك إلى تحقيق الإصلاح في مجالي الإدارة والمالية. فراقب الأسعار وأنزل العقاب الشديد بالمدلسين من التجار. ولكنه جعل من مشيئته المطلقة دسـتورًا للحـكم. ولم يسـأل عن معارضة المعارضين وكانت وفاتـه في سـنة 715هـ/ 1316م.
أسرة آل تغلق .. الدولة التغلقية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بدأ بغياث الدين تغلق شاه حكم أسرة جديدة في السلطنه هي أسرة آل تغلق (720هـ/1321م) التي ترجع في أصولها إلى أتراك جغتاي سكان ما وراء النهر. ونَبُه من حكامها العشرة الثلاثة الأوائل، منهم المؤسس وابنه محمد وابن أخيه فيروزشاه (التغلقي)، وحكموا مددًا طويلة نسبيًا عمن تبعهم من حكام الأسرة. تمكن هؤلاء من استرجاع الأقاليم التي انفصلت عن السلطة في الدكن والبنغال، وعادت حدود الدولة تمتد ما بين الهيمالايا وجنوب الدكن. كما عنوا بالزراعة وشق الترع وتشجيع العلماء الذين وفدوا على بلاطهم، وكان من بين هؤلاء الرحالة العربي ابن بطوطة الذي أفاض الحديث عن ثاني هؤلاء الحكام السلطان محمد بن تغلق (725 - 752هـ/1325 - 1351م)، وأشاد بكرمه ورأفته بالرعية، ولكن حركات الانفصال عادت إلى الظهور منذ عهد الحاكم الثالث فيروز شاه ولاسيما في الدكن. لم يقوَ السلطان على هذه الحركات فقصر اهتمامه على الإصلاح الداخلي، فقسم البلاد إلى إمارات عهد بإدارتها إلى الأكفياء من أعوانه ونظم الضرائب وخففها، وعمل على محاربة البطالة، كما أنشأ ديوان الخيرات ليتولى تزويج الفتيات الفقيرات ورعاية المرضى والعجزة والشيوخ، حتى بلغ عدد المشافي في عهده المائة.
دول ملوك الطوائف بالهند:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كثرت المؤامرات والفتن في أواخر أيام فيروز شاه، وشهدت شوارع دلهي الكثير من الاصطدامات والمجازر بين المتنازعين على السلطة والمناصب، ويدخل حكم آل تغلق بوفاته (790هـ/1388م) في عصر الانحطاط والتدهور الذي توالى فيه على الحكم سبعة من الحكام الضعفاء في عشر سنوات. تعرضت البلاد في نهايته إلى حملة قادها من ما وراء النهر تيمورلنك ( 801هـ/1399م)، فهدم دلهي وذبح سكانها فتفككت الدولة إلى دويلات استقلت عن العاصمة، وعرفت بدول ملوك الطوائف، وتحولت سلطنة دلهي إلى ولاية صغيرة فقيرة، ظل حكامها يعترفون بالتبعية الاسمية لتيمورلنك وخلفائه من بعده (خطبه وسكة)، ويقدمون الهدايا والأموال من وقت إلى آخر.
ترك البهمنيُّون أوابد أثريَّة ونقودًا ذهبيَّة وفضيَّة دلَّت على ما بلغوه من تطوُّرٍ في العمارة والفنون، ولمـَّا كانت الدولة محاطة بأعدائها من جميع الجهات، فقد حظيت القلاع والحصون والأسوار باهتمامٍ خاص، وكان للمساجد والأضرحة كذلك نصيبٌ من ذلك الاهتمام، لعلَّ من أهمِّها سور أحسن آباد (غلبرغة) المزدوج، والمسجد الجامع فيها (شيد عام 769هـ)، ومجموعة الأضرحة التي تضم رفات السلاطين الأوائل بالقرب منها، كذلك أضرحة السلاطين المتأخرين بالقرب من بيدار (أحمد آباد)، والقصر الملكي المسمَّى \\\"تخت محل\\\"، والمسجد الجامع فيها.
الدولة البهمنية
ـــــــــــــــ الدولة البهمنيَّة أو المملكة البهمنيَّة من الممالك الإسلامية الهنديَّة المنسيَّة، والبهمنيُّون سلالة من السلاطين المسلمين الأفغان، حكمت معظم مناطق هضبة الدكن في الهند، وكانت عاصمتها أحسن آباد (غُلبرغة Gulbarga) من سنة 748هـ إلى سنة 826هـ، ثم محمد آباد (بيدار Bidar) بعد ذلك. و"بهمن" من أسماء الأعلام الفارسيَّة.
حسن غانغو وتأسيس الدولة
ـــــــــــــــــ مؤسِّس السلالة حسن غانغو (گانگو) (ت: 752هـ) أفغاني، كان في خدمة السلطان محمد بن تغلق (725 - 752هـ=1324م - 1351م) في دلهي فولَّاه الدكن، فلمَّا قامت الثورة هناك تزعَّمها حسن وطرد عسكر الدولة واستقلَّ بالحكم في غلبرغة وسمَّاها "أحسن آباد"، وادَّعى أنَّه من سلالة بهمن بن اسفنديار من الملوك الساسانيِّين، ولقَّب نفسه "علاء الدين بهمن شاه".
حدود الدولة
ــــــــــــــــ توالى على عرش السلطنة البهمنيَّة ثمانية عشر سلطانًا، كان آخرهم كليم الله شاه (932 – 933هـ=1525 – 1527م)، وقد بذل سلاطين هذه الأسرة جهودًا كبيرةً لتوسيع مناطق حكمهم ومواردهم الماديَّة، وظلَّت حدود دولتهم تُراوح بين مد وجزر طوال عهدهم، وكانوا على عداءٍ دائمٍ وحروبٍ مستمرَّةٍ مع الدول المحيطة بهم، واستعصت عليهم بعض المناطق الغربيَّة المتاخمة لهم مثل غاتس وغوا، ومع أنَّ محمود غوان وزير السلطان محمد شاه الثالث لشكري (867 – 887هـ=1463 - 1482م) تمكَّن من احتلال سنغامشاور وغوا سنة 876هـ=1471م.
تنظيم الدولة
ــــــــــــــــ نظَّم السلاطين البهمنيُّون دولتهم تنظيمًا جيِّدًا، وسكُّوا النقود باسمهم، وكانت الحكومة المركزيَّة تتألَّف من إدارة مدنيَّة يرأسها وكيل السلطنة، يُعاونه عدد من الوزراء، ويتولَّى شئون القضاء القضاة والمفتون، ويُشرف على شئون الأمن الكتوال kotwal (صاحب الشرطة) والمحتسب، أمَّا الشئون العسكريَّة فيتولَّاها قائد العسكر وعدد من المرءوسين المعاونين.
وبسبب اتِّساع المملكة اضطرَّ السلاطين البهمنيُّون إلى تقسيمها إلى ولايات سموها "أطرافًا"، فكان على رأس كلِّ طرفٍ حاكم من قِبَلِهِم يُدعى "طرفدار" مسئول عن الشئون العسكريَّة والمدنيَّة، يُعاونه قائدٌ عسكريٌّ يُلقَّب "قلعدار"، وقد أدَّى توسيع صلاحيَّات حكَّام الأطراف ثم محاولة الحدِّ منها إلى انقسام السلطنة وتفكُّكها، وقيام خمس سلطنات على أرضها هي: بيجابور (شاهات عادل)، وأحمد نغر (شاهات نظام)، وغولكوندا (شاهات قطب)، وبرار (شاهات عماد)، وبيدار (شاهات بريد).
كذلك كان لتقاطر عدد كبير من العناصر الفارسيَّة والعناصر القادمة من وراء البحر، أثَّر في تعرُّض البلاد لمشكلات سياسيَّة وعرقيَّة قسَّمت السكَّان المسلمين إلى مجموعتين شملت الأولى الدكنيِّين، سكَّان الدكن الأصليِّين، وشملت الثانية من أطلق عليهم اسم "الأفَّاقين" أو "غريب الديار"، وكان الصراع الذي نشب بين هاتين المجموعتين من أسباب سقوط الدولة البهمنيَّة.
آثار الدولة البهمنية
ـــــــــــــــــــ ترك البهمنيُّون أوابد أثريَّة ونقودًا ذهبيَّة وفضيَّة دلَّت على ما بلغوه من تطوُّرٍ في العمارة والفنون، ولمـَّا كانت الدولة محاطة بأعدائها من جميع الجهات، فقد حظيت القلاع والحصون والأسوار باهتمامٍ خاص، وكان للمساجد والأضرحة كذلك نصيبٌ من ذلك الاهتمام، لعلَّ من أهمِّها سور أحسن آباد (غلبرغة) المزدوج، والمسجد الجامع فيها (شيد عام 769هـ)، ومجموعة الأضرحة التي تضم رفات السلاطين الأوائل بالقرب منها، كذلك أضرحة السلاطين المتأخرين بالقرب من بيدار (أحمد آباد)، والقصر الملكي المسمَّى "تخت محل"، والمسجد الجامع فيها.
هجمات المغول على سلطنة دلهي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كانت أهم قضية أقلقت سلطنة دلهي تكرار غزوات المغول لأراضيها من ناحية الغرب منذ أيام جنكيز خان الذي وصل بقواته إلى ضفاف نهر السند. وتابع خلفاء جنكيزخان -خانات المغول العظام- الإغارة على الهند طمعًا بثرواتها، فخربوا لاهور (639هـ/1241م)، ونجحت دلهي في صدهم عند نهر السند عامي 643هـ/1245م و655هـ/ 1257م، وتضاءل خطر المغول بعد ذلك التاريخ لانشغالهم باجتياح بلاد الخلافة العباسية، وفضلوا إقامة علاقات سلمية ودية مع السلطنة وأوفد هولاكو عام 657هـ/1253م بعثة إلى بلاط دلهي. تجددت غزوات المغول للهند في عهد حكام ما وراء النهر الجدد -الخانات الجغتائيين- (أبناء جغتاي بن جنكيزخان وحفدته). وكانت أهم حملة تعرضت لها السلطنة عام 727هـ/1327م بقيادة الخان الجغتائي (تارما شيرين) الذي احتل مولتان، وأخذ بالتقدم نحو دلهي، ولكنه عاد عند تسلمه الأموال والهدايا.
ودفع الخوف من خطر المغول سلاطين دلهي إلى التقرب من سلاطين المماليك حكام القاهرة، حيث يقيم الخليفة العباسي -بعد سقوط بغداد- ولما كان سلاطين القاهرة في عداء مع الدولة المغولية الأخرى (الإيلخانية) التي كانت تسيطر على إيران والعراق؛ اتفق على أن تجهز دلهي حملة للإغارة على خراسانوالعراق الخاضعين للحكم الإيلخاني، ولكن وقوع الصلح بين الإيلخانيين والمماليك (723هـ/1323م) حال دون إنفاذ الحملة. وكان من بين دوافع سلاطين دلهي للتقرب من دولة المماليك سعيهم إلى الحصول على بركة وتأييد الخليفة العباسي طلبًا للمزيد من التأييد لنفوذهم على رعاياهم، ولكنهم كانوا حكامًا مستقلين عن الخلافة ضربوا السكة وأجروا الخطبة في بلادهم بأسمائهم وحدهم.
وتبدو أهمية سلطنة دلهي في أنها أول دولة إسلامية مستقلة اقتصرت سلطتها على الهند ذاتها بعد أن كانت تعد تابعة لدولة الخلافة، أو جزءًا من الدول التي قامت في أفغانستان المجاورة، ومن ثَمَّ فإن مدينة دلهي خضعت لحكم دولة تدين بالإسلام أول مرة في تاريخها. وقد نجم عن ذلك أن الغنائم التي كان يحصل عليها الغزنويون ثم الغوريون من حروبهم في الهند وكانت تحمل إلى خارجها صارت تنفق في عهد سلطنة دلهي في البلاد نفسها على مرافق الحياة المختلفة، وظهر ذلك في النشاط العمراني في بناء المساجد ذات المآذن العالية، ثم القصور والحدائق التي أثارت إعجاب من غزوا الهند بجمالها وضخامتها، كما أنفق سلاطين دلهي بسخاء على بناء الحصون للدفاع، وشقوا الترع وحفروا الآبار لتنظيم الري وتنشيط الزراعة لتخليص البلاد من شرور الفيضان والمجاعات. كما ربطوا البلاد بشبكة من طرق المواصلات التي سارت عليها شبكة أخرى من خطوط البريد السريع في بلاد مترامية الأطراف. وزاد في عهد سلطنة دلهي قدوم العلماء من سائر أقطار العالم الإسلامي الذي كان قد بلغ درجة عالية من التطور الحضاري إلى الهند، مما ساعد على رقي الحضارة فيها، وأسهم في زيادة التبادل الثقافي بين السلطنة وتلك الأقطار. كما أثمرت جهود السلاطين عن ازدياد انتشار الإسلام في شبه القارة الهندية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق