الأربعاء، 31 يناير 2018

أسواق العرب /بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع د.صالح العطوان الحيالي -العراق -30-1-2018

أسواق العرب القديمة تجارة وثقافة وبلاغة
ـــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي -العراق -30-1-2018
أسواق العرب القديمة هي عبارة عن تجمعات أو منتديات أدبية كانت تُقام في الجاهلية وفي الإسلام في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية وبشكلٍ دوري، وقد كان العرب يجتمعون فيها ويأتونها من مختلف أرجاء العالم ليسمعوا المواعظ والخطب، ويتبادلوا التجارة والمنافع، كما كانوا يسعون لفك أسراهم المأسورين عند القبائل الأخرى فيها، وكانوا ينشدون الشعر في تجمعاتهم. وقد ساهمت هذه الأسواق في تحسين حياة الأفراد على مختلف المستويات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكانت التجارة تُساق إليها من مختلف الأنحاء، وتُقسم الأسواق القديمة إلى قسمين: أسواق ثابتة، وأسواق موسمية، أما الأسواق الثابتة فيتم عقدها في المدن، والقرى، وأماكن انتشار المساكن، في حين أن الأسواق الموسمية تُعقد في أوقات ومواسم معينة، وفي أماكن متناثرة من الجزيرة العربية.
ومن الأسواق القديمة ما كان مقتصراً على القرى المجاورة مثل سوق حجر اليمامة، وسوق هجر؛ وهجر هي مدينة في البحرين، وقد كان هذا السوق يُعرف بسوق التمر وكان يُعقد في ربيع الآخر، ومنها أيضاً سوق الشِّحر ويقع بين عدن وعُمان وكان يقصد به تجارة البر والبحر، أما وقت انعقاده فهو منتصف شهر شعبان. ومن الأسواق ما كان لكافة الناس وعامتهم مثل سوق عكاظ، أما البضائع التي كانت تُباع في مثل هذه الأسواق فهي كالزيت، والتمر، والأدم، والسمن، والطيب، والورس، ومختلف أنواع الحيوانات، كما كان الرقيق يُباع ويُشترى فيها، أما الأسواق الرئيسية القديمة فهي سوق عكاظ، وسوق المجنة، وسوق ذي المجاز. وفيما يلي نبذه عن كل منهم.
لم تكن الأسواق العربية قديماً مجرد أماكن يتمّ فيها التبادل التجاري من بيع وشراء، بل اكتسبت أهمية أكبر؛ لكونها محفلاً لتجمّع الأدباء والشعراء من أقطار العالم العربي كافة، فالشعر خلّد لنا كثيراً من أحداث هذه الأسواق، حتى أضحت معلَماً مهماً لم يكن للعرب أحفل منه أدباً وحرباً ومتاجرة، وسياسة ومفاخرة وفداء أسرى. درج العرب على قيام أسواقهم في أشهر محدودة من السنة، ودعتهم طبيعة الاجتماع إلى المبادهة بالشعر والمباهاة بالفصاحة، والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل، وكانوا في هذه الأسواق يأمنون على دمائهم وأموالهم أثناء التقائهم بها. لمنطقة الخليج العربي منذ القدم حظ وافر من الأسواق التاريخية التي ذاع صيتها، واحتلت مكانة بارزة في التجارة والتاريخ والأدب العربي؛ وأدى موقع الخليج دوراً رئيسياً في ظهور عديد من المدن الساحلية، التي استغلت كموانئ ثم تحولت إلى أسواق نظراً لأهمية مواقعها.
سوق عكاظ
ــــــــــ ـسميت بذلك لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضًا في المفاخرة أي: يقهره ويغلبه، أو أنها مأخوذة من التعكُّظ وهو احتباس الناس للنظر في أمورهم.
تقع سوق عكاظ بين مكة والطائف، وهي إلى الطائف أقرب. وكانت تستمر عشرين يومًا من أول ذي القعدة إلى العشرين منه، على خلاف في ذلك، وهي أشهر أسواق العرب وأعرقها ، بل وأعظمها شأنًا في الجاهلية والإسلام. وهي سوق تجارة كبرى لعامة أهل الجزيرة، يعرض فيها كل شيء من عروض التجارة ، كالحرير والمعادن والزيوت ، وكانت تصل إليها التجارة من خارج الجزيرة كتجارة فارس. ولم يكن للعرب مجمع أحفل منها حتى ضرب بذلك المثل.
وعكاظ سوق أدب يجتمع فيها الشعراء من كل ناحية ، ولهم محكّمون ــ كالنابغة الذبياني ــ تضرب لهم القباب ، وقولهم هو الفصل في الشعر والأدب ،،
وفي عكاظ، علّقت القصائد السبع الشهيرات ، وكانت أيضًا مكانًا لأصحاب الدعوات الإصلاحيّة ، فكان يقصدها قس بن ساعدة الإيادي الذي كان يخطب في الناس ويذكِّرهم بعظمة الخالق.
وذكر الأخباريون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قُسًّا هذا في عكاظ. وقد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السوق وغيرها يدعو من كان يحضر المواسم إلى الإسلام، وكان فيمن دعاهم بنو عامر بن صعصعة، ولم تجد دعوته قبولاً في أول أمرها ، ثم كان ماكان من تمكين الله له.
وكانت شؤون هذه السوق لقيس بن عيلان وثقيف ، وهي سوق عامة ليس فيها عشار، وكانت تنزلها قريش وخزاعة وهوازن وغطفان والأحابيش وطوائف من أحياء العرب، يؤمونها من العراق والبحرين واليمامة وعمان واليمن وغيرها.
اتخذت هذه السوق بعد عام الفيل ببضع عشرة سنة ، ثم تضاءل شأنها من بعد سنة 129هـ بظهور حركة الخوارج الحرورية، فخربت بعد ذلك وهُجِرت.
من أكبر أسواق العرب أيام الجاهلية، يقع في وادٍ بين مكة والطائف؛ سمي بذلك لأن العرب كانت تجتمع فيه فيتعاكظون أي "يتفاخرون ويتناشدون".وعكاظ من أعظم المنابر الأدبية؛ لهذا كان للسوق نتائج في حياة العرب ولغتهم، فقد كانت قريش أفصحها وأعذبها نطقاً، وكان للشعراء أثرهم في انتقاء الألفاظ الفصيحة المشهورة عند أكثر القبائل ولا سيما لغة قريش، فكان عكاظ من أقوى عوامل توحيد لغة العرب وتمازج القبائل والتقارب بينها. كانت عكاظ معرضاً تجارياً ومنتدى اجتماعياً حافلاً بكل أنواع النشاط، كما كانت الأحداث التي تجري فيه مصدراً للأمثال، كذلك كانت ترفع في السوق رايات الحزن إذا نكبت قبيلة، وتقام فيه مباريات الفروسية والسباق وغيرها.
عكاظ اليوم
ـــــــــــــ اليوم يشكل السوق معلماً سياحياً فريداً في المملكة العربية السعودية، ويعتبر من الروافد السياحية المهمة، حيث يجد زائره الجمع بين التقنيات الحديثة مع جغرافية المكان، وقيمته التاريخية الأصيلة. وتأتي أهمية السوق في الوقت الحالي من كونه ملتقى شعرياً وفنياً وتاريخياً فريداً من نوعه، يقصده المثقفون والمهتمون بالأدب والثقافة، كما يعيد إلى الأذهان أمجاد العرب وتراثهم الأصيل، ويستعرض ما حفظه ديوان العرب من عيون الشعر ومعلقاته، ويقدم في كل مهرجان احتفالاً واحتفاءً بأحد شعراء المعلقات ليؤكد اتصال التراث بالحاضر.ويقدم سوق عكاظ عديداً من الفعاليات والجوائز على مستوى الوطن العربي، حيث يغطي مساحة واسعة من الإبداع الفني؛ ابتداء من الشعر مروراً بالفن التشكيلي والتصوير الضوئي والخط العربي وانتهاء بالفلكلور والحرف.
سوق مجنة
ــــــــــــ اسمها مشتقّ من الجن أو الجنون، أو الجَنَّة التي هي البستان، وقد كانت ذات جمال ومياه. وتعقد بأسفل مكة بمرّ الظهران، وهو وادي فاطمة في أيامنا هذه. يذهب الناس إليها بعد عكاظ ويقيمون بها العشر المتبقية من ذي القعدة حتى يروا هلال ذي الحجة فينتقلوا إلى ذي المجاز. وقيل كانوا يقيمون بها عشرين يومًا من ذي القعدة قبل أن ينتقلوا إلى ذي المجاز للحج.
وهذه السوق لكنانة وأرضها من أرض كنانة، وكان يجلب إليها ما يجلب إلى تلك الأسواق من متاع. وهذه السوق وإن كانت أقل شأنًا من عكاظ وذي المجاز إلاّ أنها تستوي معهما في نظر المُحرِمين من العرب ، وتتمتع منهم جميعًا بالاحترام ، حتى كانت قريش وغيرها من العرب تقول: لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلاّ محرمين بالحج.
من أسواق الجاهلية الثلاثة الكبرى في موسم الحج، كان يرتاده النبي محمد صلى الله عليه وسلم لدعوة القبائل العربية للإسلام. يقصده العرب بعد أن تنفض سوق عكاظ، يتممون فيه ما قصدوا له من تجارة وفداء وتفاخر، ومجنة، وإن قرنت في أغلب الأحيان مع عكاظ وذي المجاز، إلا أنها دون السوقين شأناً. وقد أشار الشريف بندر بن علي الراجحي، أحد المهتمين بالآثار، في تقارير، إلى أن السوق شهد عدة اعتداءات أخفت معالمه وسرقت كثيراً من آثاره، لا سيما النقوش والأحجار الفخارية التي تعود للعصرين الجاهلي والأموي. وأضاف: أن "السوق لم يلق اهتمام الجهات المسؤولة فباتت الاعتداءات تهدده من كل جانب".
سوق ذي المجاز
ــــــــــــــــ سميت بذلك لأن إجازة الحجيج تكون منها إلى عرفات. وهي على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب. وقيل هي بمنى بين مكة وعرفات وهو غير بعيد. وهذه السوق من ديار هذيل وهم أهلها وجيرانها. تقوم هذه السوق حين يهلّ ذو الحجة فينصرف الناس من سوق مجنة إليها، ويقيمون بها حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التّروية، سمِّي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء ، ويملؤون أوعيتهم للمرحلة التالية ، لأن عرفة ليس بها ماء. وتأتي هذه السوق في الأهمية بعد عكاظ، وترجع أهميتها إلى أنها من مواسم الحج عندهم، تؤمها وفود الحجاج من سائر العرب ممَّن شهد الأسواق الأخرى أو من لم يشهدها. ويجري فيها ما يجري في غيرها من البيع والشراء وتناشد الأشعار والمفاخرة والمفاداة.
وقد ورد في الخبر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمّها في المواسم داعيًا إلى دين الحق ، وإن لم يجد آذانًا صاغية أول العهد، فالناس مشغولون بما عهدوا.
من الأسواق التي اقترنت بسوق عكاظ ومجنة، ويعتبر أحد الأسواق الأدبية في الجاهلية، وكثر وروده في الشعر، وكانت العرب ترحل إليه بعد فراغها من سوق مجنة؛ لقربه من جبل عرفات، وهو من الأسواق التي تردد إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم عدة مرات، ليعرض الإسلام على القبائل العربية التي كانت تجتمع فيه. كان المكان قبل نشأة السوق موضع ماء، وهي بئر تعرف بذي المجاز، وتتوسط مجرى هذا الشعب، وهي بلا شك منحت المكان أهمية كبيرة، مهدت السبيل لنشأة السوق، وهذا مألوف في أصقاع الجزيرة العربية أنْ ترادف الأسواق المياه.
ولا تزال الشواهد الأثرية المنتشرة في أرجاء السوق ماثلة، كما لا يخلو الموقع من قطع أثرية صغيرة، حيث قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية بتسييج المنطقة التي يقع فيها السوق؛ لحمايتها بوصفها من الآثار المهمة في المملكة.
دومة الجندل
ـــــــــــــــــــــــــ من أوائل أسواق العرب قبيل الإسلام، يقع في مدينة الجوف السعودية، و"دوماء جندل" كما كان يطلق عليها قديماً لم تكن مجرد سوق يقصدها العرب في موسم واحد بل كانت مفرقاً مهماً من مفارق الطرق، وموضعاً يقصده أصحاب القوافل الذاهبون من جزيرة العرب إلى العراق وإلى بلاد الشام. والسوق عبارة عن أطلال محلات قديمة مبنية من الحجر ضمن المنطقة الأثرية أسفل قلعة مارد في مركز المدينة القديم، وتمّ إعادة وترميم بناء بعض المحلات بشكل قديم وجميل، ولا يزال يتوافد عدد كبير من الزوار إليه من داخل المدينة وخارجها.
هَجَر والمشقّر
ـــــــــــــــ اشتمل اسم هجر والمشقّر سابقاً على أرض البحرين عامة، واشتهرت منطقتها بالتمر، واستخراج اللؤلؤ الطبيعي، وكانت أكثر مكانة من دومة الجندل؛ لاتصالها التجاري ببلاد الهند وفارس، ولاختلاف أصناف بضائعها، حيث كان يوجد فيها ما لا يوجد في غيرها.
يشير المؤرخ السعودي عبد الخالق الجنبي في كتابه "هجر وقصباتها الثلاث" إلى أن "أصل تسمية "هجر" هو "الجرهاء"، وأن موقعها الجغرافي وفق ما ذكره المؤرخون يقع في حدود ما بين البصرة شمالاً إلى الأطراف الشمالية من عمان، وتضم البحرين وقطر والإمارات في هذا الوقت، وكانت المدينة الجرهائية تقع ضمنها، ويتخللها نهر عظيم يسمى "المحلم"، تجري فيه الملاحة من قبل ساكنيها مثلما كانت تجري الملاحة في نهر العرب في البصرة، ليصلوا من خلاله إلى البحر ويمارسوا ما عرف عنهم من التجارة.
وتقام فعاليات سوق هجر التراثي اليوم في محافظة الأحساء السعودية، التي هي الاسم الحديث لهجر، حيث يضم قصر إبراهيم الأثري عروضاً للحرف اليدوية، ومعارض تشكيلية وضوئية، وفعاليات ثقافية وشعرية.
سوق المشقّر
ــــــــــــــــــ من أشهر أيام العرب في الجاهلية، سمي بهذا الاسم نسبة لمعركة الصفقة الشهيرة التي انتصر فيها العرب على الفرس بالقرب من حصن المشقر. والمشقر مكان قريب من هجر، وهو حصن عظيم يقع إلى شمالها، ويعتبر من أشهر أبنية العصر الجاهلي في الصنعة والإحكام، كما ويُطلَق اسم المشقَّر على مواضع أخرى من بلاد العرب، لكن أشهرها أنه حصن في البحرين.
يقام سوق المشقر من أول جمادى الآخرة، وكان البيع في السوق بالملامسة والإيماء والهمهمة، وقد ذكر المُشقر كثير من الشعراء.
يقول الأعشى: "فإن تمنعوا منا المشقر والصفا....... فإنا وجدنا الخط جمّاً نخيلها"
يقع حصن المشقر حالياً في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية المعروفة باسم الأحساء، وتحديداً شرقي مدينة الهفوف في قرية تعرف باسم قرية القارة.
سوق عُمان
ـــــــــــــــــــ قيل: "من تعذر عليه الرزق فعليه بعُمان".. لسوق عمان عند العرب أهمية كبيرة؛ لكونها تتوسط بين بلاد فارس والهند والحبشة؛ ولاجتماع السوق على بضائع هذه الممالك الثلاث، حيث كانت العرب تقصده بعد الفراغ من سوق هجر، وكان يقام حتى آخر جمادى الأولى. اشتهرت عمان بالوَرسِ الأصفر الذي يصبغ به وبالعنبر، وبقيت سوقها تقام في موسمها حتى أيام الرشيد.
سوق صُحار
ــــــــــــــــ تعتبر صحار من أعمر مدن عُمان وأكثرها مالاً، وهي مدينة ساحلية طيبة الهواء والماء كثيرة الفواكه والخيرات، كما ذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان".
كانت تجلب السلع إليها من مختلف أقطار الجزيرة العربية، وتقام سوقها بعد انقضاء سوق حُباشة، وليست صحار من الأسواق العامة، بل هي سوق تجارية محضة، حيث كانت تشكل ميناءً عالمياً يربط بين الموانئ الخليجية وموانئ الهند والصين.
سوق دبي
ـــــــــــ تقع على ساحل البحر، وهي مدينة عظيمة ومشهورة، لها ذكر في أيام العرب وأخبارها وأشعارها، وكانت قديماً تتبع قصبة عمان، وتمتاز ببضائعها الأجنبية التي يحملها التجار من بلادهم بحراً وبراً، ومنها كانت تنفذ تجارات العرب إلى الخارج، والبيع فيها بالمساومة؛ لأن السوق يختلط فيها العرب والأجانب.
سوق المِرْبَد
ــــــــــــــ أشهر أسواق العرب بعد الإسلام، وتقع في مدينة البصرة.
والمربد: محبس الإبل ومربطها، والمربد أيضًا بيدر التّمر لأنه يُرْبَدُ فيه فيشمَّس، والرُّبدة لون إلى الغبرة. ومربد البصرة هذا متسع للإبل تَرْبُدُ فيه للبيع، وكان في الأصل سوقًا للإبل منذ أيام الخلفاء الراشدين حتى إذا كان عهد الأمويين ، اتسع وصار سوقًا عامة تتخذ فيه المجالس ويخرج إليها الناس كل يوم وتتعدد فيه الحلقات ، يتوسطها الشعراء والرجّاز ويؤمّه الأشراف وسائر الناس، يتناشدون ويتفاخرون ويتهاجون ويتشاورون ،، وكان له شأن كبير في ذلك العصر حتى قال جعفر بن سليمان الهاشمي : العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة وداري عين المربد. وظلّ على مجده هذا حتّى خربت البصرة وتقلّص عمرانها فخرب وصار بينه وبين البصرة نحو ثلاثة أميال على عهد ياقوت الحموي الذي ذكر هذا في معجم البلدان. وكان للمربد شأن عظيم في اللّغة قريب من شأن عكاظ لولا امتياز عكاظ بموقعه في وسط الجزيرة العربية، وبعده عن مناطق العجمة.
ومهما يكن من أمر فقد كان له أثره الكبير في اللغة والأدب، حيث كان يعجُّ بالفصحاء الأعراب، وأعلام الرواة العلماء ، يجمعون الفصاحات ويتصيدون الشواهد التي أسس النحاة عليها قواعدهم وأصلحوها. كما كانت فيه حلقات الرجَّاز مثل رؤبة بن العجاج وأبي النجم العجلي، والشعراء مثل جرير والفرزدق وذي الرمَّة والراعي النميري.
وكان المربد أيضًا ساحة شهيرة لفن خطير من فنون الشعر هو النقائض.
واستمر المربد يؤدي رسالته وغرضه حتى العهد الأول من العصر العباسي.
والمربد هو السوق الذي ورث مكانة سوق عكاظ وحلّ محلّه، لأن الإسلام لما حلّ بالجزيرة العربية ضعف شأن الشعر لانصراف الناس إلى الفتوح وانشغالهم بالقرآن والسُّنة وأحكام الدّين، فتضاءل أمر سوق عكاظ ، وأخذ مربد البصرة يتنامى، فكان قبلة العلماء والشعراء، يأخذون عن مرتاديه ويدوِّنون ما يسمعون فكانت تلك أزهى عصوره.
من الأسواق التي برزت بعد الإسلام، وقد احتفظت بكثير من خصائص أسواق الجاهلية، وزادت عليها بخصائص أسبغتها الحضارة الجديدة، وغدت السوق مرآة تصور حياة العرب في الجاهلية والإسلام. تقع السوق على الجهة الغربية من البصرة وأقرب إلى البادية، وكانت في الأصل سوقاً للإبل، وفي عهد الأمويين صارت سوقاً عامة تتخذ فيها المجالس حتى غدت معرضاً لكل قبيلة تعرض فيها شعرها ومفاخرها وتجارتها. ازدهرت بالشعراء والأدباء والعلماء، وبخلاف الأسواق الأدبية الأخرى التي كانت مخصصة لأقوام الجزيرة العربية، كانت سوق المربد متسعة لأعراق مختلفة من فرس وصينيين وهنود وأقباط وعرب. وتقيم وزارة الثقافة في العراق منذ عام 1971 وإلى يومنا هذا، مهرجان المربد الشعري، حيث يشارك فيه عديد من الشعراء والأدباء العراقيين والعرب، ويستمد المهرجان عنوانه من سوق المِربَد التي كانت تقع في قضاء الزبير ضمن محافظة البصرة.
سوق صنعاء
ــــــــــــ تعد أسواق صنعاء من أقدم الأسواق في الجزيرة العربية، إذ يبلغ عمرها 2500 سنة، ووجد ما يشير إلى ذلك في "النقوش السبئية"، وقد سميت المنطقة بذلك الاسم نظراً لاشتهارها بالصناعات المختلفة؛ كصناعة السيوف والنقود وأدوات الحراثة في عهد التجارة مع الدولتين "السبئية" و"المعينية".
ويشير الدكتور علي سيف، أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء، في تصريحات للصحافة المحلية، إلى أن "أسواق صنعاء القديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، وكان يقصدها التجار من كل مكان، فكان هناك سوق يسمّى بـ"سوق العراقيين" وآخر بـ"سوق الشاميين" إلى جانب الأسواق الحرفية الأخرى التي كانت قبل الإسلام". وقد أفادت منظمة اليونسكو أن مباني تاريخية مهمة في مدينة صنعاء القديمة مصنفة ضمن مواقع التراث العالمي تعرضت لأضرار جسيمة، بسبب الحرب الدائرة في اليمن.
سوق حُباشة
ــــــــــــــ يقع سوق حباشة على جنبات وادي قنونا، ويعد من أشهر أسواق تهامة لدى العرب في الجاهلية وآخرها اندثاراً، وتشير الروايات التاريخية إلى أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام قد نزل به، وباع فيه واشترى وهو تاجر قبل البعثة النبوية، واستمر السوق إلى ما بعد بعثة الرسول سنة 198هـ. يتميز السوق بموقعه على أهم طرق التجارة القديمة من اليمن إلى مكة ثم الشام، وكان هذا الطريق يمر بصنعاء ومأرب ثم مكة ويثرب، حتى يصل بصرى جنوب سوريا.
يشير الباحث الآثاري عبد الله الرزقي في دراسة خاصة إلى أن "سوق حباشة تقع في مفترق وملتقى طرق تجارة وحجاج، وهي سوق مخضرمة شهدت الجاهلية والإسلام، ولكونها تقع بالقرب من وادٍ كثير النخل والماء، ولكونه يقع بين مواقع تعدين مثل الذهب والرصاص والكحل الإثمدي، فإن ذلك ساعد على رواج المصنوعات المعدنية والتي كانت من أهم موجوداتها".
والحُباشة: جماعة من الناس ليسوا من جنس واحد؛ ولعلها سميت بذلك لكثرة ما يجتمع بها من مختلف القبائل.
يشار إلى أن هذه الأسواق كان لها أثر كبير في توحيد عادات العرب ولغتهم، وفي تطور حياتهم الثقافية والأدبية، ولكن مع تغيّر المجتمع العربي وتبدّل مفاهيم الحياة الاجتماعية والسياسية عند العرب، أخذت هذه الأسواق بالتلاشي والاندثار.
وقد أثرت هذه الأسواق في اللغة والأدب تأثيرًا كبيرًا فعملت على تقريب لهجات القبائل، وكان قيام قريش على هذه الأسواق ـ عدا المربد ـ هو الذي هيّأ اللغة القرشية لأن تصبح كاللهجة الرسمية، وتصبح أفصح اللُّغات، فتتبوأ المكان الأعلى، لأنهم كانوا يسمعون لغات القبائل على اختلافها فيختارون الحسن وينفون القبيح، حتى خلصت لغتهم وأصبحت نقية وتهيأت لنزول القرآن بها.
كما كان لهذه الأسواق أثر بارز في الدين؛ لأن المناسك كلها تقوم بإمامة قريش أهل الحرم، فنتج عن ذلك توحيد في اللغة وتوحيد في الدين والعادات، هذا إلى جانب الانتعاش الاقتصادي وتنويع السلع من مختلف أنحاء الجزيرة وفارس والهند والحبشة. وكان المشجّع على قصد هذه الأسواق أنها تعقد في الأشهر الحرم ، فكان الأمن فيها مكفولاً ، فأمن مرتادوها، وكثر قاصدوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق