الأحد، 27 ديسمبر 2015

دوان شعري بعنوان/عندما يكبر الأسى/بقلم الشاعر حسن منصور

شـادي الأيـك
يا شاديَ الأيْكِ هلْ في القلـبِ مُتَّسَعٌ || أمْ هَــلْ وَجَـدْتَ لِــهـذا اللَّحْــنِ آذانا
مــاذا بِقـــلـبِكَ مـــنْ هَــــمٍّ تُـكابِـــدُهُ || ذابَتْ بهِ الـــرّوحُ أشْـواقـاً وتَحْــنانا
مــاذا بِقـلـبِكَ مـنْ جُــرحٍ تُهَــدْهِــدُه || كالطّفلِ يَغــدو على الأَلْحانِ وَسْنانا
مــاذا بِروحِـكَ مـنْ شـوْقٍ تُغــالِــبُه || طَْـغى فلا تَسْـتـطـيعُ اليومَ كِـتْمـانا
أحْـــزانُ قـلْـبـكَ ألْـحـــانٌ تُرَتّـلُــهــا || تَسْتَقْــطِرُ الدّمْعَ مثلَ الغـيْثِ هَـتّانا
يُبـلّـِلُ النّفْــسَ، يُحْـييهـا، يُطَهِّــرُهـا || كـمـا يُطهِّـــرُ مـاءُ الْمُـــزْنِ أدْرانا
أحْبَبْتُ حُزْنكَ حتّى صِرْتُ صاحِبَهُ || وقــبْلَ شَدْوِكَ مـا أحْـبـبْتُ أحْــزانا
وكُنتُ أغْـتَـصبُ البَسْمـاتِ أنْزِعُـها || منْ بينِ فَكّيْ وُحـوشِ الْهَـمِّ جَـذْلانا
القـلـبُ فـيهِ جــراحُ الـدّهـــرِ نازِفـةٌ || والوَجْـهُ في بِشْـرِه مــازالَ مُـزْدانا
يا شادِيَ الأيْكِ أطْربْتَ النُّفـوسَ بِما || سَكَـبْـتَـهُ مِـنْ عَـذابِ الرّوحِ ألْحـانا
سَمعْــتُ شَدوَكَ والــدّنْيا تُطــاردُنِي ||والبُعدُ لَمْ يُبْقِ لِي في الأرضِ أقْرانا
أسيرُ بينَ جُـمــوعِ الـنّاسِ مُـنْذَهِــلاً || إذْ لَم أجِـدْ منْهُـمُ في العـيْشِ إخْوانا
ولم أجِـدْ سَكَــناً أوْ ظــلَّ لي وَطـــنٌ || إنْ أحْــرزَ النّاسُ إِخْـواناً وَأَوْطــانا
فَــرُحْتُ أبْحــثُ عنْ خِـلٍّ يُشارِكُني ||عـانَى مَلِـيّاً- كَما عانَيْـتُ – أشْجانا
ورُحْــتُ ألْتَمِــسُ الآلامَ أحْــمِـــلُهــا || عــن كلِّ ذي ألـــَمٍ مـــادامَ إِنســانا
وأَغْــبُطُ الطّيرَ ما دامَـتْ مَسـارِحُـهُ || خـضْراءَ مُـمْرِعَةً والرَّوْضُ فَيْنانا
حـتّى سَـمعْـتُـكَ والآجــامُ مُـقـفـــرَةٌ ||وروْضُكَ الغَضُّ أمسى اليوْمَ كُثْبانا
وأنتَ في فَــنَـنٍ جَــفّـتْ نَضــارَتُـه ||هُــوَ الـبَقــيَّةُ مــنْ أمْـسِ الّذي كانـا
سَمعْــتُ شَـدوَكَ إذْ يَنْسـابُ في ألَـمٍ || ورَنّـةٍ في صَداهـا الوَجْـدُ قـد رانا
لوْ لامَسَ الصّخْرَ لانْشَقَّـتْ جَلامِدُه || ورَفَّ فــيهـا نَديُّ الـزّهْــرِ فَــتّانا
أوْ لامَسَ الْمُـزْنَ لانْهَـلّتْ مَدامِعُـها || تَسـقي الفُـــؤادَ بِهـا مـا دامَ ظَمْـآنا
فَهِجْـتَ لِي شَجَـناً في القلْبِ خالَجَهُ || وكُـنْتُ أحْـسَــبُهُ قــد رامَ نِـسْـيانا
أزاحَ صوْتُكَ عـن عـيْني غِشاوَتَها || أعـادَ في خاطِـري عُـمْراً وأزْمانا
وَصـورةً عــذبــةً للعَــيْنِ مـاثِـــلـةً || كأنّهــا لَـمْ تَزَلْ تَحْـيـا هُـــنا الآنــا
أيّامَ كُــنّا وكانَ الـدَّهــــرُ مُـعْــتَـدِلاً || والفَـجْــرُ مُبْتسِمـاً والغُـصْنُ رَيّانا
والرّوْضُ منْ دَوْحهِ في مَلْبَسٍ قَشِبٍ||تَمــيـلُ أعْـطــافُـهُ زَهْــراً وأَفْــنانا
يا شادِيَ الأيْكِ قدْ أرْجعْتَ لِي زَمَناً || يَسري إلى النّفْـسِ أنْسامـاً وَألْوانا
فأنْتَ مثْلي شَهِــدْتَ الفَجــرَ مُنبَـثِقـاً || وأنتَ مِثلي نَهَـلتَ النّورَ هَـيْمانا
وأنْتَ مثْلي طَـويْتَ الْحُـزْنَ مُتَّكِــئاً ||على شِغـافِ فـؤادٍ ذاقَ حِـرْمـانا
ومَـوكِبُ الدّهْـرِ ما زالَـتْ رَكائِــبُه || تَمْضي بِنا قُـدُماً في البُعْدِ إِمْــعانا
تَعــالَ نأْخُــذْ مِنَ الْمـاضي مَــآثِرَهُ || لنَسْـتَـعــيدَ مــعَ الآلامِ ذِكْـــــرانـا
نُطــرِّزُ الغَــدَ بالْـماضي ونَجْـعَــلُه || بابـاً إلى جَــنّةٍ بالْـحُــبِّ تَلْـقـــــانا
فَيرْجِعُ الرَّوْضُ والأغْصانُ ناضِرَةٌ|| وتُمْـرِعُ الأرْضُ آكامــاً وَوِدْيـــانـا
****************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة السادسة، ديوان (عندما يكبر الأسى)ـ دار أمواج ط2 ـ 2014 ص 62 ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق