الخميس، 2 أبريل 2020

عمر بن الخطاب//بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/ د.صالح العطوان الحيالي

التابعي سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 16-3-2020
سالم بن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الإمام الزاهد، الحافظ، مفتي المدينة، أبو عمر، وأبو عبد الله،
وكان سعيد بن المسيب يقول: أشبه ولد عمر به عبد الله، وأشبه ولد عبد الله به سالم. وهو من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم. ومن أهم ملامح شخصيته
عفته وزهده وإيثاره الآخرة على الدنيا رِفَ في زمانه بزهده وورعه، وقال عنه الإمام مالك: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه.
وحدّث عن: أبيه، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، وحدث عن غيرهم، وروى عنه: ابنه أبو بكر، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، والزهري، وعبيد الله بن عمر.
ولد رضي الله عنه في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وأمه أم ولد-وهي الأمة التي أنجبت ولدا من سيدها-، وقد سَمَّاه أبوه سالـمًا على اسم الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لعلمه وفضله، فعن ابن المسيب رضي الله عنه أنه قال: "قال لي ابن عمر: أتدري لم سمَّيْتُ ابني سالـمًا؟ قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة. يعني أحد السابقين"، وكان أبوه يحبه حبًّا شديدًا، فإذا قيل له في ذلك أنشد:
يلومونني في سالم وألومهم *** وجلدة بين العين والأنف سالم
وكان سالم رضي الله عنه ذا شأن عظيم ومكانة كبيرة عند أهل زمانه، قال مالك: "لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه".
ودخل سالم رضي الله عنه على سليمان بن عبد الملك الخليفة، وعلى سالم ثياب غليظة رثَّة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في المجلس، فقال له رجل من أخريات الناس: ما استطاع خالُك أن يلبس ثيابًا فاخرة أحسن من هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟! وكان على المتكلم ثياب سَرِيَّةٌ، لها قيمة، فقال له عمر بن عبد العزيز: "ما رأيتُ هذه الثيابَ التي على خالي وَضَعَتْهُ في مكانِك، ولا رأيتُ ثيابَك هذه رَفَعَتْكَ إلى مكان خالي ذاك".
بل إنه لفضله وعلمه مثل عدد آخر من التابعين ساهم في تغيير شعور اجتماعي عند أهل المدينة كان يجعلهم يأنفون من الإنجاب من الإماء، ولكن حين رأوا عددًا من أكابر علمائهم وفقهائهم ولدوا لأمهات الأولاد زالت هذه النفرة، قال الأصمعي عن ابن أبي الزناد: "كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم القراء السادة: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، والقاسم بن محمد رضي الله عنه، وسالم بن عبد الله رضي الله عنه، ففاقوا أهل المدينة علمًا وتقى وعبادة وورعًا؛ فرغب الناس حينئذ في السراري".
وقد كان سالم بن عبد الله رضي الله عنه ذا منزلة كبيرة في رواية الحديث وأقوال الصحابة، قال العجلي عنه: "مدني تابعي ثقة"، وقال أحمد وابن راهويه: "أصح الأسانيد: الزهري، عن سالم، عن أبيه"، وقال ابن سعد: "كان ثقة كثير الحديث عاليًا من الرجال".
روى عن أبيه وأبي هريرة وأبي رافع وأبي أيوب وعن زيد بن الخطاب وغيرهم رضي الله عن الجميع.
وروى عنه ابنه أبو بكر، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والزهري، وصالح بن كيسان، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيد الله بن عمر بن حفص، وأبو واقد الليثي الصغير، وعاصم بن عبيد الله، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وآخرون رضي الله عنهم.
ومن زهده رضي الله عنه في الحياة الدنيا أنه كان لا يكاد يأكل إلا الخبز والزيت، نظر إليه هشام بن عبد الملك في الحج وقال له: يا أبا عمر ما طعامك؟ قال: الخبز والزيت، فقال هشام: كيف تستطيع الخبز والزيت؟ قال: أخمره فإذا اشتهيتُه أكلتُه.
وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: يا سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما خرج، خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجت؛ فسَلْنِي حاجة، فقال له سالم: حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: بل من حوائج الدنيا، فقال له سالم: ما سألتُ من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يطلب أن يكتب إليه بشيء من رسائل عمر بن الخطاب، فكتب: "أن يا عمر اذكر الملوك الذين تَفَقَّأَتْ أعينُهم الذين كانت لا تنقضي لذتهم، وانفقأت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها، وصاروا جيفًا في الأرض وتحت أكنافها، أن لو كانت إلى جَنْبِ مسكين لتأذَّى بريحهم".
كان سالم بن عبد الله ناصحًا له ولرسوله وللأئمة المسلمين، ولما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز كتب إليه يقول: يا عمر، فإنه قد ولى الخلافة والملك قبلك أقوام فماتوا على ما قد رأيت، ولقوا الله فرادى بعد الجموع والحفدة والحشم، وعالجوا نزع الموت الذي كانوا منه يفرون، فانفقأت عينهم التي كانت لا تفتأ تنظر لذاتها، واندفنت رقابهم غير موسدين بعد لين الوسائد وتظاهر الفرش والمرافق والسرر والخدم، وانشقت بطونهم التي كانت لا تشبع من كل نوع ولوث من الأموال والأطعمة، وصاروا جيفا بعد طيب الروائح العطرة حتى لو كانوا إلى جانب مسكين ممن كانوا يحقرونه وهم أحياء لتأذي بهم ولنفر منهم بعد إنفاق الأموال على أغراضهم من الطيب والثياب الفاخرة اللينة، كانوا ينفقون الأموال إسرافًا في أغراضهم وأهوائهم ويقترون في حق الله وأمره فإن استطعت أن تلقاهم يوم القيامة وهم محبوسون مرتهنون بما عليهم وأنت غير محبوس ولا مرتهن بشيء فافعل واستعن بالله ولا قوة إلا بالله سبحانه...
وما ملك عما قليل بسالم ..... ولو كثرت أحراسة ومواكبه
ومن كان ذا باب شديد وحاجب ..... فعما قليل يهجر الباب حاجبه
وما كان غير الموت حتى تفرقت ..... إلى غيره أعوانه وحبائبه
فأصبح مسرورًا به كل حاسد وأسلمه أصحابه وحبائبه
وطلب منه عمر بن عبد العزيز حينما تولى الخلافة سنة 99هـ أن يكتب له سيرة جده عمر بن الخطاب ليهتدي الناس بهداه، فكتب إليه سالم إن عمر كان في غير زمانك ومع غير رجالك، وإنك إن عملت في زمانك ورجالك بمثل ما عمل به عمر في زمانه ورجاله، كنت مثل عمر وأفضل.
وفاته
لم يزل سالم بن عبد الله بن عمر ناصحًا لله ولرسوله، معلمًا لغيره ما تعلمه من علم، عاملاً بما يعلم؛ حتى وافته المنية سنة ست ومائة في آخر ذي الحجة وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة، وكان حج بالناس تلك السنة ثم قدم المدينة فوافق موت سالم بن عبد الله فصلى عليه، ورأى كثرة قال أخبرنا محمد بن عمر عن أفلح وخالد بن القاسم قالا صلى هشام بن عبد الملك على سالم بن عبد الله بالبقيع لكثرة الناس فلما رأى هشام كثرة الناس بالبقيع فقال لإبراهيم بن هشام المخزومي: اضرب على الناس بعث أربعة آلاف فسمي عام الأربعة آلاف قال فكان الناس إذا دخلوا الصائفة خرج أربعة آلاف من المدينة إلى السواحل فكانوا هناك إلى انصراف الناس وخروجهم من الصائفة. ويعلم من حياته أنه ولد ومات في المدينة المنورة.
المصادر
1-الطبقات الكبرى لابن سعد
2- سير أعلام النبلاء للذهبي
3- تهذيب التهذيب لابن حجر
4- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم
5- صفة الصفوة لابن الجوزي
6- البداية والنهاية
7- تهذيب الكمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق