الاثنين، 28 أغسطس 2017

الدور التاريخي/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع د.صالح العطوان الحيالي 25.8.2017

الدور التاريخي والحضاري لمدينة الموصل
--------------- د.صالح العطوان الحيالي 25.8.2017
الموصل ، من المدن العربية العريقة والمشهورة ، يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد ، تحدها من الشمال تركيا ومن الشرق محافظة اربيل ومن الغرب سوريا وتتصل مع محافظة صلاح الدين من الجنوب ، لها أسماء عدة أشهرها ( الحدباء ) لاحتداب نهر دجلة ، واعوجاج في جريانه .
وتسمى الفيحاء والبيضاء واشتهرت باسم ( أم الربيعين ) لاعتدال الجو في فصليها الربيع والخريف ) وتسمى ( الخضراء ) لاخضرار ارضها ، وتسمى ( البيضاء ) لان دورها كانت تبنى بالجص الابيض والرخام وقبل الاسلام كانت تسمى ( بيت العرب ) .
والموِصل كما قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان : محطّ رِحال الركبان ، ومنها يقصد إلى جميع البلدان ، فهي باب العراق ، ومفتاح خُراسان ، ومنها يقصد إلى أذربيجان ، وكثيراً ما سمعت أن بلدان الدنيا العِظام ثلاث : نيسابور لأنها باب الشرق ، ودمشق لأنها باب الغرب ، والموصل لأن القاصد إلى الجهتين قلَّ ما لا يمرّ بها .
بعد صدور قانون المحافظات في 1969 اعتبرت الموصل مركز
( محافظة نينوى ) وإحدى الاقضية التسعة التي تتشكل منها المحافظة نالت شهرة واسعة بسبب تاريخها وموقعها الجغرافي وأثرها الاقتصادي ومكانتها العلمية وعطائها الحضاري ، أنجبت العديد من العلماء والفقهاء والسياسيين والأدباء والفنانين والمؤرخين والأبطال ، صمدت أمام حصار المغول لها في 660 هجرية ، وحصار نادرشاه في 1743 م ، ولمكانتها هذه ، كان العرب يسمونها ( باعربايا ) أي بلاد العرب ، قال الاصمعي :( كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا ، وهي الموصل ، لقدرها عندهم ، وعن ريف الجزيرة ، ومايليها لانها تعدل في الخصب ( باعربايا)
واسم الموصل له عدة معاني بعضهم قال لانها وصلت بين دجلة والفرات ، وقالوا إنها وصلت عدة طرق على مر التاريخ .
( والموصل ، اسم أطلقه عليها سكانها العرب الذين استوطنوها ، فهو مشتق من الوصل ، لانها كما قدمنا تقع على ملتقى عدة طرق تصل بين الشرق والغرب ، وتلتقي فيها طرق التجارة في اختلاف العصور ، وفي اخبار هذه الفترة خلط بعض المؤرخين اخبار الموصل واخبار نينوى ، فاذا تكلموا عن الموصل ذكروها باسم الموصل تارة ونينوى تارة أخرى
كما ان بعضهم يذكر اخبار نينوى وماكانت عليه في العهد الآشوري باسم الموصل ، وهكذا تداخلت اخبار المدينتين )
ويؤكد ذلك أ. د ابراهيم العلاف : ( اقترنت الموصل كمدينة ، بنينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية (2000ق.م – 612 ق.م )
هاتان الصورتان في تل قليعات ( الحصن الغربي ) على نهر دجلة امامهما السور الذي قاوما منه الغزاة ايام حصار نادر شاه وغيره لمدينة الموصل ..وفي زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخلها المسلمون عام 16 هجرية بقيادة عبدالله بن المعتم وارسل ( ربعي بن الافكل العنزي ) الى الحصنين ، وهما نينوى والموصل :
تسمى نينوى الحصن الشرقي ، وتسمى الموصل الحصن الغربي ، واقبل ابن الافكل فاقتحم عليهم الحصنين وكلبو ابوابهما ، فنادوا بالاجابة الى الصلح ) وأكد على ( الحصنين ) المؤرخ ابن الاثير ( وقيل : إن عياض بن غنم لما فتح بلدا ، على ما نذكره ، أتى الموصل ففتح أحد الحصنين ، وبعث عتبة بن فرقد الى الحصن الآخر ، ففتحه على الجزية والخراج ، والله أعلم ) وأصبحت الموصل مركز استقطاب للعرب المسلمين ، وصارت مركزا تجاريا واقتصاديا وثقافيا ، ولخصوبة تربتها وغزارة الامطار فيها ووفرة محصولاتها الزراعية ، بخاصة الحنطة والشعير ، وصفت بــ ( سلة خبز العراق ) .
في عام 1918 م دخلها الانكليز بعد سقوط الدولة العثمانية ، وعند تقسيم المشرق العربي حسب اتفاقية ( سايكس بيكو ) السرية ، كانت من حصة فرنسا في بداية الامر ، ثم تنازلت عنها لبريطانيا .
وبسبب محاولة البعض سلخ الموصل - كمدينة عربية - عن تاريخها واعتبارها ( كردستان الجنوبية ) ، سأنقل عن المؤرخ الإستاذ الدكتور ، إبراهيم خليل العلاف جزءاً من تاريخها وشخصيتها ، في مرحلتي ما قبل الإسلام وما بعده .
الموصل : مرحلة ما قبل الإسلام
أكد العديد من المؤرخين أن مدينة الموصل من المدن العربية العريقة التي سكنها العرب قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام ، وكانت تسمى ( بلاد العرب ) أو بيت العرب ، وتشير الدراسات التاريخية أنها منذ القدم كانت ( مصدرا للتموين ) بسبب موقعها الجغرافي ووفرة مياهها كونها مطلة على نهر دجلة الخير ، كانت منطقة الموصل منذ عصور ما قبل التاريخ ، موطن عطاء حضاري متقدم ، ومما ساعد على ذلك موقع الموصل الجغرافي ، وخصوبة أرضها ، وجودة مناخها ، ولوجود نهر دجلة ، فضلاً عن غناها وقدراتها في تقديم الكثير من المنجزات الحضارية وخاصة فيما يتعلق باكتشاف الزراعة ونشوء القرى والمدن والقصبات ( اقترنت الموصل كمدينة ، بنينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية (2000ق. م – 612 ق.م ) وكما تشير الدراسات التاريخية المتداولة ، فان الأقوام الجزرية السامية كم سُميت خطأً من قبل العالم النمساوي شلوستر) ، التي انطلقت من الجزيرة العربية ، خلال فترات مختلفة من التاريخ ، قد وجدت طريقها إلى الموصل ، وان منطقة الموصل كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام بخصوبتها ، وطيب مناخها ، فكانوا يسمونها ( باعربايا ) أي بلاد العرب ويذكر ابن الفقيه رواية للأصمعي تقول : (( كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب ( باعربايا ) وهي الموصل لقدرها عندهم ، وعن ريف الجزيرة ، وما يليها لانها تعدل في الخصب باعربايا
( فكانت الموصل ملجأ العرب والخلفاء ، ومصدر تموين للعراق كلما قل عندهم القوت ، تقدمت فيها الصناعة والتجارة والعلوم ، وهي معتزة بعروبتها ، صامدة بوجه الدخلاء ، كبحت جماحهم وانتصفت للعرب من اعدائهم ، كما صدت الروم عن بلاد الجزيرة )
( ولقد اتجهت نحو الموصل مجاميع كبيرة من القبائل العربية قبل الإسلام وجاء ذلك ضمن سياق هجرات عرفتها الجزيرة العربية ، ابتدأت بهجرة الأكديين ، والاموريين ، والكلدانيين ، والآشوريين ، واستمرت حتى القرن الثامن عشر الميلادي ، حين هاجرت قبائل شمر إلى العراق وسوريا. وكان وراء هذه الهجرة عوامل عديدة يتعلق بعضها باشتداد المنازعات والخصومات القبلية في الجزيرة العربية ، في حين تعلق البعض الآخر بأن خصوبة منطقة الموصل والجزيرة الفراتية وكثرة مياهها وطيب مناخها ، دفع تلك القبائل الى أن تهجر مواطنها القاحلة في الجزيرة العربية وتتجه نحو الشام والعراق
ومن أبرز القبائل التي أستوطنت الموصل أياد ، وتغلب ، ونمر ، وشيبان وقضاعة ، ان مما يوضح طبيعة الصلة بين الموصل والجزيرة العربية ، وجود بعض الروايات التاريخية ، التي تشير الى أن بعض الاحناف العرب الذين رفضوا عبادة الأصنام ، ولم يدخلوا في اليهودية والنصرانية ، قد أوصلتهم أسفارهم وهم يبحثون عن العقيدة الصحيحة الى الموصل ، وكان من أبرز هؤلاء الأحناف ( زيد بن عمرو بن نفيل ). وقد ذكر المؤرخ والمفسر المعروف إبن كثير أن زيداً ذهب الى الشام يلتمس ويطلب من أهل الكتاب الاول ، دين إبراهيم ويسأل عنه ولم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها ))
ولاستكمال الحديث عن ( عربايا ) يقول الدكتور جابر خليل ابراهيم عن فترة الاحتلال الاخميني 539 ق. م _ 331 ق. م ( وقد عرفت آشور في هذا العصر ، كما جاء في تقسيمات الملك دارا الادارية ، باسم ( عربايا ) التي يعنيها معظم الباحثين باعالي بلاد الرافدين وسوريا والتي كان يمر عبرها الطريق الملكي ، فقد كان سكانها من القبائل العربية التي تدفقت من الجزيرة العربية واتجهت نحو أعالي بلاد وادي الرافدين وبلاد الشام وامتدت الى نصيبين وديار بكر بعد غياب الدولة الآشورية التي حدت من تقدمهم نحو مدنها يوم كانت في قمة مجدها)
ويضيف ، ( ويذكر هيرودتس ان دارا أخضع جميع سكان آسيا واعترفوا بسلطانه عبيدا ، الا العرب ، فلم يخضعوا لنفوذه بل كانو يشكلون قوة اضطرته الى عقد محالفات معهم حتى ان دارا ذكر بلادهم ( عربايا ) بين الاقاليم المكونة لامبراطوريته ) .
هذا الاقليم العربي الممتد الى أعالي بلاد الرافدين أصبح حاضرة الاقوام العربية بعد سقوط نينوى عاصمة الآشوريين في عام 612 ق. م ( ولا سيما بعد ان أصبحت مدينة الحضر ( حترا ) حاضرة للاقوام العربية التي كانت المنطقة الواقعة فيها تعرف ببلاد عربايا في فترة الاحتلال الاخميني )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق