الخميس، 5 أبريل 2018

القصة القصيرة ♠ زمان يا زمان/بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع ا.د/ محمد موسى

القصة القصيرة
زمان يا زمان
من مذياع سيارته سمع بطل قصتنا المرحومه بإذن الله السيدة أم كلثوم وهي تغني ، ( عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان إرجع يازمان ) ، فسأل نفسه سؤال هل الزمان يذهب ولا يعود ، أم أن الزمان يمكن أن يعود ، بدليل ما قالت ، ونحن نري كل يوم نهاراً يعقبه ليل ، ثم يأتي بعده نهار آخر مشرق بنفس الشس ، والتي لا تتحول أبداً الي هلالٍ ولا محاق كما القمر في الليل بل هي تظل كما هي بدرا ،( بطل قصتنا أستاذ دكتور في الجامعة في تخصص علوم الفضاء) ومع ذلك يقول الشاعر ( قول للزمان إرجع يا زمان ) ، فهل الزمان يتغير ، أم أن الزمان منذ خلقه الله ، زمانٍ كما هو ، والذي يتغير فقط هم سكان كل زمان ، ويبقى المكان في هذا المكان كما كان ، إذن الذي تغير فقط هم سكان هذا الزمان ، ومعنى تغير السكان في كل زمان أن يتغير معهم المفاهيم والقيم ، وتبرز مشكلة إخرى للبطل هل لكل زمان قيمه ، قال لنفسه هناك قيم ثابته في الزمان ولكن فهم هذه القيم يختلف بإختلاف السكان ، وأعطى لنفسه مثال أن الرشوة في زمان القيم تسمى رشوة ، ( وملعون الراشي والمرتشي ) ، ولكن يأتي زمان تسمى إكرامية ، أو الشاي ، أو حاجة بسيطة ، وأرتاح بطلنا الي هذا التفسير ، وعندما رأى الناس في هذا الزمان كيف يبعون بالأيمان الكاذبه ، ويشترون ويبخسون الناس أشيائهم ، تذكر أن رجل حكيم قص عليه يوماً رواية عن ناس زمان ، في حي الغورية وهو من أحياء القاهرة القديمة ، وتوجد بهذا الحي حارات تضم أصحاب المهنه الواحدة ، مثل حارة الكحكين ، وحارة الخيمة ، وحارة الفحامين ، ومن الأسماء تستطيع معرفة المهنه المنتشرة في ذلك الحي ، ففي حارة الفحامين مثلاً ، ينتشر على جانب من الحارة الذين يبعون الفحم ، يوم أن كان الفحم تجارة رائجة ، وعلى الجانب الأخر دكاكين العطارة ، والذين يبعون حتى الأن العطارة والتي تسخدمها ربة البيت في عمل طعام البيت وغيره ، وكذلك أنواع مختلفه من البخور ، وهو من طقوس تقريباً كل البيوت المصرية ، أو قل البيوت العربية كذلك ، فقد رأى بطل القصة إنتشار البخور في سورية والسودان والخليج وتونس والجزائر والمغرب ، حتى أن البعض من هؤلاء البائعين للعطارة ، كان يمارس الطب الشعبي ، فهذه الأعشاب تسخدم في حالات الإمساك ، واللبان الدكر هذا يشرب للقضاء على الكحه ، وزيت الأورنفل لعلاج وجع الأسنان والدروس ، وهكذا أنواع كثيرة موجودة عندهم لكل أوجاع البشر ، والذي إهتم لسماعه بطلنا ، من ذلك الرجل الحكيم ، يتعلق بأخلاق الناس في رمان كان ، كانت أخلاق الناس في هذا الزمان ، تعكس صورة عن الإخلاص في زمان كان ، قص لبطل قصتنا الرجل الحكيم ، العديد من القصص ، إلا أن الذي إستوقف بطلنا ، قصة الحاج عبد الله تاجر العطارة ، في حارة الفحامين في الغورية ، وبجواره دكان الحاج متولي تاجر نفس العطارة ، ففي يوم من الأيام جاء رجل الي الحاج عبد الله ليشتري منه (كزبرة) ، وهي مادة تعرفها ربات البيوت خصوصاً المصريات ، واليوم أغلب ربات البيوت العربيات ، والتي تستخدم في عمل (طشت الملوخية) ، وهي أكلة يعشقها المصريين ، وكذلك العرب ، فقد أكلها بطل القصة في أغلب البلاد العربية التي زارها والبعض يطهيها وهي أوراق كاملة ، ولكن بطل قصتنا يحبها بالطريقة المصرية أي تخرط الأوراق بمخرطة ويفضلها يدوية وليست آلية ، وأكلها في تونس والمغرب مع ( الكسكس ) بدلاً من الأرز كما في مصر ، والمرأة المصرية كما قرأ بطل القصة لها طقوس في تلك الطشة وقد كتب مرة في مذكراته ، أنه لم يلحظ أمه يوماً وهي تعد لهم الطعام ، والطبق الرئيسي هو الملوخية ، تمارس طقوس الشهقة كما قرأ ، فقال يبدو أن هذه الطقوس لا علاقة لها بجمال الملوخية ، بل هي طقوس من فلكلور المصريين ، خصوصاً أنه كان يأكل ملوخية من يدي رجال يصنعوها ، عندما يأكل في الخارج ، وكلما زار بطل القصة ، أحداً من الأجانب أصر أن يطعمه من هذه الأكلة المحببه للمصريين ، وكان كل من يأكلها من الأجانب يعجب بها جداً ، خصوصاً إذا تم إعدادها على شوربة الأرانب ، وهذا إكتشاف مصري بحت ، كما أن أول من أخرج الملوخية لعامة الشعب كان المصريين أيضاً ، والمذهل أن بطل القصة عندما كان يدرس في أوربا ، كان الحنين يأخذه لمصر أم الدنيا ، فعكف في مرة على كتابة بحثٍ عن أصل الملوخية ، وبإختصار كانت تسمى قديماً الملوكية ، حيث لا يأكلها إلا الملوك ، ولا تزرع إلا في حدائق القصور ، وتسربت الي العامة ، وسموها الخضرا الشريفة ، ثم تحورت الي الملوخية ، والذين زرعوها بدلاً من كثير من المحاصيل ، حتى جاء الأمر الأميري بعدم زراعتها خوفاً من نقص القمح والقطن مثلاً ، ولكن ليس هذا هو الأمر الأهم في القصة ، ولكن القصة اليوم تعكس سلوكيات الناس في زمان كان ، فكان أمام دكان الحاج عبد الله جوال من الكزبرة المعدة للبيع ، ولما جاء مشتري لها حدث شئ غريب يستحق الوقوف عنده ، فالحاج عبد الله صاحب هذه التجارة قال: للمشتري لا يوجد عندي طلبك ، ولكن يوجد عند جاري الحاج متولي ، قال: له المشتري ، ولكن هذا الجوال به الكثير منها ، إعتذر له بأدب وأخبره بأن هذه البضاعة مباعة ، ولكن جاره عنده الكثير ، رأى الحاج متولي ما حدث ، وعندما جاء له المشتري أعطاه ما طلب ، ثم سأل الجاج عبد الله ، لماذا لم تبيع له ، وأرسلته لي ، فقال: له الحاج عبد الله لقد إستفتحت هذا الصباح ، ( يعني أني بعت بضاعة هذا الصباح وجاء لي رزق منها ) ، وأنت لم تبيع شئ حتى الأن ، فقلت أرسله لك لكي تستغتح مثلي ، سمع بطلنا هذه القصة ، ولم يعقب إلا بجملة واحدة ( فعلاً زمان كان ) فلا نشتكي من قسوة الزمان وظلم الأيام بل نلوم أنفسنا نحن السكان ، فقد ضيعنا الكثير من جمال الزمان ، وأعتقدنا أن المساحيق التي تغطي الوجوه سوف تجمل الأيام ، والذي إستقر في نفس بطل القصة أن الأدب يمكن أن يتنبأ بقادم الأيام وما يمكن أن يكون القادم من الزمان ، وإذا أردت عودة الزمان فيجب أن يعود معه سكان هذا الزمان.
ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق