الجمعة، 21 فبراير 2020

الصحابي صدي بن عجلان /بقلم الكاتب الاديب الراقي/الشاعر المبدع/د.صالح العطوان الحيالي

الصحابي صدي بن عجلان المشهور بابي امامة الباهلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 15-2-2020
صدي بن عجلَان بن الْحَرْث بن سهم بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة ابو امامة الباهلي المشهور بكنيتة أبي أمامة الباهلي (21 ق-هـ - 81 أو 86 هـ) هو صحابي وراوٍ للحديث من قبيلة باهلة. أرسله الرسول محمد إلى قبيلته ليدعوها إلى الإسلام فأسلمت
فقد تحدث لجماعة عن "حجة الوداع"، فسُئل عن عمره يوم ذاك، فذكر أنه كان ابن ثلاثين سنة، وقد رواه البخاري في "التاريخ الكبير"، وسنده حسن أو صحيح.
هذا الصحابي الجليل كان من قبيلة لا ذكر لها بين القبائل في الجاهلية ( قبيلة باهلة) ولما جاء الإسلام وجعل الكرامة للتقوى وقضى على هذا التميز القبلي وقد أجاد ابن حجر حيث قسم الناس في الجاهلية إلى أربعة أقسام : جعل في الأولى ( شريف في الجاهلية شريف في الإسلام ) وجعل في الثانية ( مشروف في الجاهلية شريف في الإسلام ) بينما جعل في المرتبة الثالثة ( شريف في الجاهلية مشروف في الإسلام ) والمرتبة الرابعة (مشروف في الجاهلية مشروف في الإسلام ).
ولهذا فإن أبا أمامة الباهلي صحيح وإن كان مشروفاً في الجاهلية إلا أنه أصبح شريفاً في الإسلام فاستحق أن يكون في المرتبة الثانية. متقدماً على من كان ( شريفاً وجيهاً في الجاهلية مشروفاً في الإسلام) يقول أبو أمامة : « أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باهلة أدعوهم إلى الإسلام فأتيتهم فرحبوا بي فقلت إني رسول رسول الله لتؤمنوا به.فكذبوني وردوني وأنا جائع ظمآن فنمت فأُتيت في منامي بشربة من لبن فشربت وشبعت. فقال الباهليون : أتاكم رجل من أشرافكم وخياركم فرددتموه قال فجاءوا بطعام وشراب فقلت لا حاجة لي منه إن الله قد أطعمني وسقاني فنظروا إليه فآمنوا ودخلوا في الإسلام « لقد نال هذا الفضل العظيم حيث كان سبباً في هدي قبيلته فكان خيراً له من حمر النعم.
لقد كان كثير الصوم ملتزماً بما وصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يا رسول الله مُرني بعمل. قال عليك بالصوم فإنه لا مثيل له فكان أبو أمامة رضي الله عنه وامرأته وخادمه لا يلقون إلا صياماً. كان رضي الله عنه لا يحب إظهار العبادة فلقد مر ذات يوم على المسجد فوجد رجلاً وهو ساجد يبكي ويدعو الله فقال يا هذا لو كان هذا في بيتك حتى لا يراك أحد.
صحِب النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وروى عنه، وحدَّث عن عمر، وعثمان، وعلي، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وغيرهم، رضي الله عنهم.
وروى عنه خالد بن معدان، وسالم بن أبي الجعد، ورجاء بن حَيْوة، وشهر بن حَوْشب، ومحمد بن زياد الألهاني، وآخرون، رحمهم الله.
روى له الجماعة، وله في الصحيحين (250) حديثًا، وأحاديث وأخبار وأقوال في مصادر أخرى عديدة، فكان من المكثرين من الرواية، وأكثرُ حديثه عن الشاميين.
عاش عصر النبوة، وعصر الخلافة الراشدة، وجزءًا كبيرًا من عصر بني أمية، حتى خامس خلفائهم، ورُوِي أنه كان ممن بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وهي المسماة ببيعة الرضوان، وكانوا (1400) صحابي، شارك في غزوات عديدة، ويأتي ما يفيد أنه كان محاربًا محنكًا، وقد أورد أبو نُعَيم في "الحلية" ما يستنتج منه أنه حضر بدرًا، وأخرج الطبراني ما يدلُّ على أنه شهد أُحُدًا، لكن بسند ضعيف، وله مع رسول الله أخبارٌ طيِّبة، وكان موضع ثقتِه - عليه الصلاة والسلام؛ فهو أحد رجالات الدعوة المتمكنين في صدر الإسلام، وقد ورَد بإسناد حسن رواه الطبرانيُّ أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قومه لدعوتِهم إلى الإسلام، ونهيهم عن أكل الميتة وما إليها، فذهب إليهم ودعاهم إلى ذلك، فكذَّبوه وردُّوه، وكان جائعًا ظمآن، فما أطعموه ولا سقَوْه، فنام ورأى أنه أُتي بشربة لبن فشرب وشبع، ثم قالوا: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه، اذهبوا إليه وأطعِموه، فذكَر لهم أنه أُطعِم وسُقِيَ في المنام فهو شبعان ريان، ولم يطعَمْ لهم شيئًا ولم يشرَبْ، ورأوا من حاله ما يُصدِّقُ ذلك، فأسلَموا عن آخرهم!
اخباره مع النبي صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أخبارِه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ما رواه أحمدُ بإسناد صحيح وآخَرون أنه أراد غزوةً فقال: يا رسول الله، ادعُ لي بالشهادة، فقال: ((اللهم سلِّمْهم وغنِّمْهم))، قال: فغزونا، فسلِمْنا، وغنِمْنا، وقلت: يا رسول الله، مُرْني بعمل، قال: ((عليك بالصومِ؛ فإنه لا مِثْلَ له))، فكان أبو أمامةَ وامرأتُه وخادمُه لا يُلفَوْن إلا صيامًا.
ثم إنه طلَب من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرَه بأمر آخرَ عسى الله أن ينفَعَه به، فقال له: ((اعلَمْ أنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفَع اللهُ لك بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة))؛ (صحيح الجامع الصغير رقم 1069).
ومن خلال صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّدَ مِن صفاته جانبًا جميلاً، فذكر أنه "كان من أضحكِ الناس سنًّا وأطيبه نفسًا"؛ (رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" رقم 153، والطبراني في المعجم الكبير رقم 7838، وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف، ولعله يتقوَّى بطريق أخرى للحديث ورد في المصدر الأول منه).
وله أخبار أخرى يفهم منها أنه كان مطَّلعًا على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، خبيرًا بالمجتمع المدني؛ فهو يسأل ويروي ويشارك في مناحي الحياة المختلفة.
كان فارسًا شجاعًا عارفًا بالخطط الحربية مع مكرٍ ودهاء، حائزًا على ثقة مسؤوليه، يُستعمل في المواقف الصعبة، فكان طليعةَ الجيش الذي فتح دمشق، وقد اختاره أبو عبيدة بن الجراح وبعثه بين يديه، وحكى كيف أنه عندما فُتح باب المدينة فجرًا قتل البواب وعاد، في خدعة لطيفة وتوزيع أدوارٍ مع صاحبين له.
مواقفه
ـــــــــ
وفي السنة الثالثة عشرة أمَّر أبو بكرٍ يزيدَ بنَ أبي سفيان على جيش عظيم، ووجَّهه إلى الشام من ضمن مَن وجههم إلى هناك، وعندما اجتمع للروم جمعٌ بـ "العربة" من أرض فلسطين وجَّه إليهم يزيدُ أبا أمامة، فهزَمهم وغنِم منهم، وقتل منهم بِطريقًا عظيمًا، فكان ذلك أولَ قتال بالشام بعد سرية أسامة بن زيد، ثم أتوا المدائن (قرب غزة) فهزمهم أيضًا، ثم "مرج الصفر" التي استُشهِد فيها جماعة من المسلمين وتمكَّن هو من الانسحاب.
وكان يتردد على الخلفاء والولاة، ويشارك في الحياة السياسية ناصحًا وموجِّهًا، وفي الحياة العِلمية والاجتماعية كذلك، وقد مر أنه حاوَر عليًّا ومعاوية في أمرهما، وأخرج البخاري في تاريخه الكبير قول حُميد بين ربيعة: إنه رأى أبا أُمامة خارجًا من عند الوليد بن عبدالملك في ولايته سنة ست وثمانين، كما أنه عاد خالدَ بن يزيد بن معاوية وهو أميرُ حِمص فألقى إليه متَّكأ من حرير، فتنحَّى عنه ونصحه، وفي آخر حياته مرض واستأذن الوالي أن يخرج من مدينة حمص إلى قرية قريبة منها.
كان عالِمًا مصلحًا، يُحدِّث ويعلم ويبلِّغ ما شاء، ويقول: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم القرآن وحثنا عليه"، وصار له تلامذةٌ يقصِدونه من الآفاق، قال سليم بن عامر: "كنا نجلِسُ إلى أبي أمامة فيحدثنا حديثًا كثيرًا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول: اعقِلوا وبلِّغوا عنا ما تسمعون"، وذكر سليمان بن حبيب أنه قال لهم: "إن هذه المجالسَ من بلاغ الله إياكم، وإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ ما أرسل به إلينا، فبلِّغوا عنا أحسنَ ما تسمعون"، وكان حريصًا على الدعوة والتبليغ، يحدِّث كالرجل الذي عليه أن يؤدِّي ما سمع، دخل جماعة عليه في مسجد حمص فقال لهم: "إن دخولَكم عليَّ رحمةٌ لكم، وحجَّةٌ عليكم، ولم أرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من شيء أشدَّ خوفًا على هذه الأمَّة من الكذب والعصبيَّة، ألا وإياكم والكذبَ والعصبية، ألا وإنه أمرنا أن نبلِّغَكم ذلك عنه، ألا وقد فعَلْنا فأبلِغوا عنا ما بلَّغناكم".
وكان حكيمًا مجتمعَ العقل، رأى في سيوف بعض المجاهدين حُلِيًّا فقال: "أما واللهِ لقد فُتِحت الفتوحُ بسيوف ما حِلْيتُها الذهبُ والفضة، ولكن حِليتُها العَلابِيُّ والآنُكُ والحديدُ"؛ (أي العَصَب والرَّصاص)
شهد فتح مصر وسكنها، ثم انتقل إلى الشام ونزل حمص، روى عِلمًا كثيرًا، غزا وتعبَّد ودعا بعزيمة وإيمان وصبر، وكان يحُثُّ على وحدة الصف، ويحذِّر من الفُرقة، ويقول عن الأزارقة: "إنهم شرُّ قتلى"، وقد ذُكر أنه كان مع عليٍّ في "صِفِّين"، وأورد محمد بن سعد قوله: "شهدت صِفِّين فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون مولِّيًا، ولا يسلبون قتيلاً"، ولا يعني هذا بالضرورة أنه شارك في الحرب، ولعل كونه مع علي في صِفِّين في أول الأمر قبل بدء الحرب؛ فقد نقل ابنُ كثير في "البداية والنهاية" أن أبا الدرداء وأبا أمامة لم يشهَدا قتالاً، بل لزِما بيوتهما، وذلك بعد أن سمعا مقالتَيْ معاوية وعلي بنفسيهما، في محاورة جرت بينهم، بل ذكر من قبل أنه كان المحرِّضين على المطالبة بدمِ عثمان.
اقتباسات
ـــــــــ
«اعقِلوا، وبَلّغوا عنّا ما تسمعون"، و"إنّ هذه المجالس من بلاغ الله إيّاكم، وإن رسول الله قد بلّغ ما أرسل به إلينا، فبلّغوا عنّا أحسنَ ما تسمعون»
(كان يقولها لمن يُحدِّثهم عن الرسول).
«عليكم بالصبر فيما أحببتُم وكرهتم، فنعم خصلة الصبر، ولقد أعجبتكم الدنيا وجرّت لكم أذيالها، ولبست ثيابها وزينتها إنّ أصحاب نبيّكم كانوا يجلسون بفناءِ بيوتهم يقولون: "نجلس فنُسَلّمُ ويُسَلّمُ علينا»
«المؤمنُ في الدنيا بينَ أربعةٍ: بين مؤمن يحسده، ومنافق يُبغضه، وكافر يُقاتله، وشيطان قد يُوكَلُ به.»
«حبّبوا الله إلى الناس، يُحْبِبْكُم الله.»
وفاته
ـــــــ
توفي سنة إحدى وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة, ويقال: مات سنة ست وثمانين.
المصادر
ـــــــــ
1- أُسْد الغابة في معرفة الصحابة- بن الأثير .
2- الإصابة في تمييز الصحابة-ابن حجر العسقلاني
3- البداية والنهاية- بن كثير
4- التاريخ الكبير- البخاري.
5- تهذيب الكمال في أسماء الرجال-المزي
6- حلية الأولياء-أبو نعيم الأصبهاني.
7- سير أعلام النبلاء- شمس الدين الذهبي
8- صفة الصفوة-عبدالرحمن الجوزي
9- الطبقات الكبرى/ محمد بن سعد.
10- الكامل في التاريخ-بن الأثير الجزري 2/277.
11- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد- نور الدين الهيثمي
12- مختصر تاريخ دمشق - لابن عساكر- محمد بن مكرم بن منظور
13- الاستيعاب في معرفة الأصحاب
14- ابن مندة - معرفة اسامي ارداف النبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق