الستراتيجية العسكرية وأخلاقيات الحرب عند الإمام علي (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 8-11-2019
أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشي (13 رجب 23 ق هـ/17 مارس 599م - 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م) ابن عم الرسول محمد بن عبد الله وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها النبي محمد على المدينة. وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.
وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.
أن الإنسـان فــي كـل مكان يعكس شخصيته وأخلاقــه وأن الأمام علــي بن أبـي طالب (عليه السلام) هــو الشخصية الثانية بعد الرسول محمد صلى الله علية وأله وسلـــم من ناحية حسـن الخلق وكمال الشخصية كيف لايكون كذلك وهـــو وليد ألكعبه وربيب الرسول وتغذى الغذاء الروحي والمعنوي في بيت النبوه لذلك كانت تصرفاته دروساً فـــي الأخلاق وأن نبل أخلاقه وأخــلاق الفرسان التـــي تحلى بها فـــي المعارك كانت عبـــــراً وقيماً أنسانيه عليا في طيلة الغــــزوات التي أشترك فيها ســـواء مــــع الرســــول الكريـــم ( صلى الله عليه وأله وسلم) والتي بلغت سبعاً وعشرون غزوة وسراياه التي ولى فيها القياده غيره فكانت سبعاً وأربعون سريه (وكذالك الغزوات والمعارك التــــي خاضها بعد وفـــاة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) وفي أثناء خلافته (عليه السلام) حصلت ثلاث معــارك علــــى محاور وسنين مختلفة هي معركة الجمل سنة ( 36هـ)ومعركة صفين سنة( 37هـ)ومعركة النهروان سنة (38 هـ)
أن المتتبع لسيـــرة الأمام ( علية السلام ) سوف يرى صوره بهية فهــو القائد المحنك الشديـد علـى الكفار الذي لاتأخذه في الحــق لومه لائم والرقيق الرحيــم على المؤمنين فهــو نهـر من العطاء ومرجع لألسنة البلغاء وهــو فكر عسكري وموسوعة في العلوم وهو الفارس المغوار الذي أحبه الله سبحانه ورسوله الكريم صلى الله عليه وأله وسلم كيف لايكــون كذلك وقـد قال عليه الرسول فـــي معركة خيبر (( ولله لآعطين الرايه غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) ) حيث تطاولت لذلك الأعناق وتمنى كل واحـــد أن يكون هـــــو صاحب الرايه لكن يأبـــى الله ورسوله ألا أن يكون حامل الرايه هو أسد الله الغالب علي أبن أبي طالب عليه السلام)
شهدت البشرية عبر تاريخها الطويل ، ومنذ أن وطأت قَدم الإنسان هذه الأرض ، حروباً عديدة ، دينيةً تارة ، وقوميةً أُخرى ، وقَبَلية ثالثةً . وليس بالضرورة أن تكون بعض تلك الحروب غير محقّة في أهدافها ، وإن خلَّفت الويلات وتركت الآثار السلبية على حركة الإنسان التصاعدية نحو النمو والرخاء والرقي فحدَّت منها.
في التاريخ، وعندما تتطلع إلى تلك المعارك التي خاضها المسلمون تجد أن هناك وإلى جانب العزيمة والاستبسال والإقدام جوانب رائعة من التخطيط والتنفيذ بحيث أصبحت هناك قواعد ربما نجد بعضها واضحة في العلوم العسكرية المعاصرة رغم أن تلك المعارك قد سبقت عصرنا بقرون. المعركة ذات الأهداف الواضحة والمحددة تكون عاملاً دافعاً لمن يخوض أغوارها وتمنح المقاتلين روح التفاني والاستبسال والثبت إلى آخر أشواطها، ولهذا السبب كان الإمام علي (عليه السلام) يحدد أهداف المعركة ويوضحها لأصحابه قبل أن يخوضها، ولقد قال في أحد حروبه: (ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله، وإلى جهاد عدوّه، والشدة في أمره، وابتغاء مرضاته، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفيء على أهله) .ووفق هذه العبارة المختصرة، فإن أهداف المعركة لخّصها الإمام علي (عليه السلام) في تمكين الشريعة الإسلامية وتطبيق مبادئها السامية، ولذلك عندما تضمحل المصالح الشخصية وتوضع المصلحة الإسلامية العليا هدفاً واضحاً، فإن الأهداف الذاتية الضيقة الملغية من التفكير والممارسة معاً تجعل المقاتل لا يحسب في تحركه سوى تحقيق أهداف الإسلام الكبرى حتى وإن كان خصمه أخاه، ولعل المقطع التالي من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوضح هذه الحقيقة بجلاء: (ولكنا إنّما نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا أطمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عما سواها) إن الإمام علي (عليه السلام) الذي انصهر بالإسلام، كان لا يرى مصلحة فوق مصلحة الإسلام، ولا هدفاً أهم من تدعيم كيان الدولة الإسلامية وتشذيب مسيرتها وهو إذا كان صارماً مع أعداء الإسلام من الكفار والملحدين، فإنه لم يلين قط أمام الذين حاولوا استثمار الدين لصالح شهواتهم، ولذلك حارب المنحرفين الذين أرادوا تحويل الإسلام إلى ملك عضوض بنفس العزم الذي قاتل فيه الكافرين. وهو (عليه السلام) لما كان يضع جنوده وأمراء أجنحته أمام صورة واضحة للأهداف المطلوبة في القتال، فقد كان أصحابه كزبر الحديد، وصناديد لا تلين لهم عزيمة، فالأهداف واضحة، ويقاتلون تحت راية الحق. وقلما ذكر التاريخ جنود أشداء كجنود وأصحاب الإمام علي (عليه السلام).
وعصرنا الحاضر ـ عصر الآلة ـ الذي شهدت فيه الشعوب أعلى مستوى لها من العلم والتقدُّم في جميع المجالات ، سيَّما التسليحية منها ، كثُرت فيه الحروب والنزاعات ، واستُخدمت فيها أنواع أسلحة غريبة لا عهد للإنسانية بها ، لا تُبقي أخضراً ولا يابساً ، ولا إنساناً ولا حيواناً ، فقد استخدمت التقنية لهدم حياة الإنسان أكثر من استخدامها لبنائها .وما يهمُّنا مع كتابة هذه السطور ، هو الوقوف على أخلاقيات المتحاربين أثناء الحرب والقتال ، بصرف النظر عن الدوافع والدواعي والأهداف المنظورة لهم ، علماً بأنَّ المؤسسات الدولية قد أولت الأهمية الكبرى لبعض جوانب ومخلّفات الحرب ، كالأسرى والمدنيين ، بحيث سعت لأن يكونوا بمعزل عن نتائج الحرب ومآسيها مهما كانت .وعصرنا الحاضر قد شهد حروباً مدمِّرة ، حصدت أرواح الملايين من البشر ، ودمَّرت مدناً وقرى وحتى دولاً بالكامل . وكانت دوافع أغلب تلك الحروب تسلُّطية استعمارية بحتة ، يضاف إليها سلب الثروات الطبيعية من الشعوب ، ووضع اليد على المناطق الحسَّاسة والإستراتيجية ، كالممرَّات المائية . وقد مارس أرباب القوة والقهر ـ للوصول إلى أهدافهم ـ أبشع الجرائم وأخسّ الأساليب ، كقصف المدنيين ، وسبي النساء والأطفال ، وتعذيب الأسرى وحتى قتلهم في بعض الأحيان ، والأمثلة على ذلك عديدة ماثلة للعيان في عصرنا الحاضر : كممارسات الصرب في البوسنة ، والصهاينة في فلسطين المحتلَّة والمناطق الأخرى ، وما جرى ويجري في العراق وغيره ...قال (عليه السلام) : ( فَوَاللَّهِ ، مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلاَّ وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ ، فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي ، وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا ) . فقد كان في حروبه كلها يكره أن يكون البادئ بالحرب ، بل كان يبادر إلى وعظ عدوه وخصمه وإرشاده ؛ مُلقياً الحجة ، ومبيّناً له فداحة النتائج ، حتى لا يتذرَّع أحد بعد وقوع الواقعة بأنَّنا لو كنا نعلم أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير ! ولا يخفى ما في مخاطبة هؤلاء من صعوبة ؛ حيث الجهل المطبق والضلال المبين ، خصوصاً في مثل تلك الظروف . قال (عليه السلام) في جملة ما أوصى به معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام : ( فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً ، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ ، ولا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي ولا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ ) .وقال (عليه السلام) مخاطباً جنده قبل لقاء العدو في صِفِّين : ( لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ ) .
ويذكر أهل التاريخ أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما خرج لمحاربة معاوية في صِفِّين ، وكان جند معاوية قد غلبوا جند الإمام إلى شريعة الفرات ؛ بغية منع الماء عنهم حتى يموتوا عطشاً ، رفض الإمام أن يعامل العدو بالمثل بعدما أزاحه عن شريعة الماء مع قدرته على ذلك .
وهكذا لم يكن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عدوانياً في أي معركة من معاركه ؛ لأنَّه كان واثقاً من نفسه أنَّه على الحق ويقاتل من أجله ، ولذلك كان يتقدَّم نحو خصمه بقَدم ثابتة وبرباطة جأش ، لا يأبه معها للجيوش المتجمهرة التي تريد النيل منه ، والتي لا تجد حرجاً في منع الماء عنه وعن جنده ، وتتَّبع سياسة الغدر والخداع ، وتستفيد من الممارسات المشينة كملاحقة الأسرى والمدنيين والمدبرين من المعركة وإيذاء الجرحى .
وكانت الجيوش تلجأ إلى مثل تلك الأمور عند الإحساس بالهزيمة ، أو بقصد إدخال الرعب والقلق النفسي في قلوب المقاتلين للسيطرة على أرض المعركة عند بدئها .
قال (عليه السلام) : ( فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ ـ بِإِذْنِ اللَّهِ ـ فَلا تَقْتُلُوا مُدْبِراً ، ولا تُصِيبُوا مُعْوِراً ، ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ ) .
ولم تقتصر الجرائم من قبل الأعداء على المجروحين والأسرى ، بل كانت تتعدَّى إلى النساء والأطفال والشيوخ ؛ إمعاناً في الثأر للهزيمة وإسقاطاً للمعنويات ، مع العلم أنَّ النساء ليس عليهنّ جناح حتى ولو سَبَبْنَ واعتدين ، فلا يصح الرد عليهنّ فضلاً عن المبادرة إلى إيذائهن وتعذيبهنّ ، ولقد كان العرب يعيِّرون الرجل الذي يرفع يده على المرأة ، بل يعيِّرون حتى أبناءه من بعده . وإلى هذا أشار الإمام (عليه السلام) في الوصية الرابعة عشر ، حيث قال : ( ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ ؛ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُولِ ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ ، فَيُعَيَّرُ بِهَا وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) .
ولم يكن عموم المدنيِّين البعيدين عن ساحة الحرب والنزال ، بمعزلٍ عن نتائج الحرب المروعة ، بل كانت بعض الجيوش تصب جام غضبها ونقمتها عليهم لفقدها بعض المواقع ، أو لمقتل قائد من قوادها ، أو لخسارتها الحرب ، وكأنَّ الناس عليهم أن يدفعوا الضريبة رغم بُعدهم عن ساحة الحرب .
وقد لفت أمير المؤمنين (عليه السلام) نظرَ أصحابه وأهل بيته إلى خطورة هذا الأمر ، وحذّرهم من الوقوع فيه ؛ لأنَّ فيه إغضاباً لله تعالى ، وذلك عندما أُلقي القبض على عبد الرحمن بن ملجم بعد أن ضرب الإمام (عليه السلام) في محرابه .
قال (عليه السلام) : ( يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً ، تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ . أَلا لا تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي ، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ ولا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلّى الله عليه وآله ) يَقُولُ : إِيَّاكُمْ والْمُثْلَةَ ولَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ )
ربما لا نحتاج إلى سوق الشواهد التاريخية التي تؤكد معايشة الإمام لجنوده وقادته، بل إنه كان في جميع المعارك التي خاضها متواجداً في القلب، حيث يحتدم القتال ويلتحم الجيشان، ويبدأ صخب المعركة وقعقعة السلاح. وقد وصفه صعصعة بن صوحان بالتالي: (كان فينا كأحدنا) .إن ثمرة هذا التواجد الميداني الهاب حماس المجاهدين، والتوفر على وضع المعركة والتعرف بدقة على تفاصيلها وما يجب أنه يتخذ من قرارات هامة مصيرية فيها. هذا وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر الصادر من القائد الميداني ربما لا يحتاج إلى وقت طويل كي يصل إلى المجاهدين. وهذه المركزية هي في الحقيقة من أهم العوامل الاستراتيجية في كسب المعركة، حيث تقطع الطريق على الفوضى والبلبلة نتيجة تأخر القرار، وتجعل الطاعة والانضباط هما السائدين في كل مراحل المعركة.
السرية والكتمان
ـــــــــــــــــــ
(لا احتجز دونكم سراً إلا في حرب) ، هذه العبارة المختصرة للإمام علي (عليه السلام) والتي صرّح بها إلى أمرائه من الجيش تلخص أهمية الكتمان في الحرب، وخطورة تسرب الأسرار إلى الجهة المعادية، والإمام (عليه السلام) عندما يحتفظ لنفسه ببعض الأمور التي لا يبوح بها حتى إلى أقرب الناس من الصحابة إنما يلحظ خطورة الوضع العسكري وحساسيته ولذلك يأخذ الحيطة من تسرب بعض المعلومات إلى العدو، حيث لا يشك في أمر أصحابه الأوفياء، ولكنه قد يحتمل وجود بعض المندسين في صفوف جيشه وهو أمر وارد في جميع الجيوش، حيث يعتمد على التجسس في تحصيل المعلومات المهمة حول قوة الجبهة المقابلة، وخططها، وأساليبها في القتال.
ومن وصاياه (عليه السلام) لجيشه هو: (عضوا على النواجذ، وأكملوا اللاّمة، وقلقوا السيوف، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، وعاودوا الكرّ، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا شبجه) . وهذا النص الموجز يلخص دقة التعليمات الضرورية في الحرب:
1ـ فالعض على النواجذ، هي أقصى الأضراس، حيث يساعد على تصلب الأعصاب والعضلات المتصلة بالدماغ، وإزالة الاسترخاء.
2ـ وإكمال اللامة وهي الدرع، يعني تحصين جسد المجاهد، بإحاطة أعضائه البارزة بالحديد وهي الرأس والصدر والسواعد، إضافة إلى تهيئة وسائل الدفاع من درع ورمح وسيف.
3ـ وقلقلة السيوف أي تحريكها للتحقق من عدم تأثرها بالصدأ.
4ـ وإلحاظ الخزر هو أن ينظر المجاهد بعينه بصورة من صور الغضب.
5ـ والطعن شزراً، هو الطعن عن اليمين والشمال.
6ـ والنفح بالضبا، وهو الضرب بطرف السيف.
7ـ ووصل السيوف بالخطا هو التوازن بين حركة السيوف وخطوة المجاهد.
8ـ ومعاودة الكر، أي إدامة الكرّ دون تراجع.
9ـ والسواد الأعظم هو جمهور الشام المحيط بمركز القيادة والمراد منه أن يكون الهجوم على وسط مركز القيادة لأن ذلك يعجّل في حسم المعركة
المصادر
ـــــــــــ
1- الطيقات لابن سعد
2- الكامل في التاريخ لابن الاثير
3- مغازي الواقدي
4- سيرة ابن هشام
5- الامام علي بن ابي طالب للشيخ المفيد
6 وفيات الاعيان لابن خلكان
7- مروج الذهب للمسعودي
8- الاستيعاب في تمييز الاصحاب
9- تاريخ ابن خلدون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 8-11-2019
أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشي (13 رجب 23 ق هـ/17 مارس 599م - 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م) ابن عم الرسول محمد بن عبد الله وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها النبي محمد على المدينة. وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.
وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.
أن الإنسـان فــي كـل مكان يعكس شخصيته وأخلاقــه وأن الأمام علــي بن أبـي طالب (عليه السلام) هــو الشخصية الثانية بعد الرسول محمد صلى الله علية وأله وسلـــم من ناحية حسـن الخلق وكمال الشخصية كيف لايكون كذلك وهـــو وليد ألكعبه وربيب الرسول وتغذى الغذاء الروحي والمعنوي في بيت النبوه لذلك كانت تصرفاته دروساً فـــي الأخلاق وأن نبل أخلاقه وأخــلاق الفرسان التـــي تحلى بها فـــي المعارك كانت عبـــــراً وقيماً أنسانيه عليا في طيلة الغــــزوات التي أشترك فيها ســـواء مــــع الرســــول الكريـــم ( صلى الله عليه وأله وسلم) والتي بلغت سبعاً وعشرون غزوة وسراياه التي ولى فيها القياده غيره فكانت سبعاً وأربعون سريه (وكذالك الغزوات والمعارك التــــي خاضها بعد وفـــاة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) وفي أثناء خلافته (عليه السلام) حصلت ثلاث معــارك علــــى محاور وسنين مختلفة هي معركة الجمل سنة ( 36هـ)ومعركة صفين سنة( 37هـ)ومعركة النهروان سنة (38 هـ)
أن المتتبع لسيـــرة الأمام ( علية السلام ) سوف يرى صوره بهية فهــو القائد المحنك الشديـد علـى الكفار الذي لاتأخذه في الحــق لومه لائم والرقيق الرحيــم على المؤمنين فهــو نهـر من العطاء ومرجع لألسنة البلغاء وهــو فكر عسكري وموسوعة في العلوم وهو الفارس المغوار الذي أحبه الله سبحانه ورسوله الكريم صلى الله عليه وأله وسلم كيف لايكــون كذلك وقـد قال عليه الرسول فـــي معركة خيبر (( ولله لآعطين الرايه غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) ) حيث تطاولت لذلك الأعناق وتمنى كل واحـــد أن يكون هـــــو صاحب الرايه لكن يأبـــى الله ورسوله ألا أن يكون حامل الرايه هو أسد الله الغالب علي أبن أبي طالب عليه السلام)
شهدت البشرية عبر تاريخها الطويل ، ومنذ أن وطأت قَدم الإنسان هذه الأرض ، حروباً عديدة ، دينيةً تارة ، وقوميةً أُخرى ، وقَبَلية ثالثةً . وليس بالضرورة أن تكون بعض تلك الحروب غير محقّة في أهدافها ، وإن خلَّفت الويلات وتركت الآثار السلبية على حركة الإنسان التصاعدية نحو النمو والرخاء والرقي فحدَّت منها.
في التاريخ، وعندما تتطلع إلى تلك المعارك التي خاضها المسلمون تجد أن هناك وإلى جانب العزيمة والاستبسال والإقدام جوانب رائعة من التخطيط والتنفيذ بحيث أصبحت هناك قواعد ربما نجد بعضها واضحة في العلوم العسكرية المعاصرة رغم أن تلك المعارك قد سبقت عصرنا بقرون. المعركة ذات الأهداف الواضحة والمحددة تكون عاملاً دافعاً لمن يخوض أغوارها وتمنح المقاتلين روح التفاني والاستبسال والثبت إلى آخر أشواطها، ولهذا السبب كان الإمام علي (عليه السلام) يحدد أهداف المعركة ويوضحها لأصحابه قبل أن يخوضها، ولقد قال في أحد حروبه: (ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله، وإلى جهاد عدوّه، والشدة في أمره، وابتغاء مرضاته، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفيء على أهله) .ووفق هذه العبارة المختصرة، فإن أهداف المعركة لخّصها الإمام علي (عليه السلام) في تمكين الشريعة الإسلامية وتطبيق مبادئها السامية، ولذلك عندما تضمحل المصالح الشخصية وتوضع المصلحة الإسلامية العليا هدفاً واضحاً، فإن الأهداف الذاتية الضيقة الملغية من التفكير والممارسة معاً تجعل المقاتل لا يحسب في تحركه سوى تحقيق أهداف الإسلام الكبرى حتى وإن كان خصمه أخاه، ولعل المقطع التالي من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوضح هذه الحقيقة بجلاء: (ولكنا إنّما نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا أطمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عما سواها) إن الإمام علي (عليه السلام) الذي انصهر بالإسلام، كان لا يرى مصلحة فوق مصلحة الإسلام، ولا هدفاً أهم من تدعيم كيان الدولة الإسلامية وتشذيب مسيرتها وهو إذا كان صارماً مع أعداء الإسلام من الكفار والملحدين، فإنه لم يلين قط أمام الذين حاولوا استثمار الدين لصالح شهواتهم، ولذلك حارب المنحرفين الذين أرادوا تحويل الإسلام إلى ملك عضوض بنفس العزم الذي قاتل فيه الكافرين. وهو (عليه السلام) لما كان يضع جنوده وأمراء أجنحته أمام صورة واضحة للأهداف المطلوبة في القتال، فقد كان أصحابه كزبر الحديد، وصناديد لا تلين لهم عزيمة، فالأهداف واضحة، ويقاتلون تحت راية الحق. وقلما ذكر التاريخ جنود أشداء كجنود وأصحاب الإمام علي (عليه السلام).
وعصرنا الحاضر ـ عصر الآلة ـ الذي شهدت فيه الشعوب أعلى مستوى لها من العلم والتقدُّم في جميع المجالات ، سيَّما التسليحية منها ، كثُرت فيه الحروب والنزاعات ، واستُخدمت فيها أنواع أسلحة غريبة لا عهد للإنسانية بها ، لا تُبقي أخضراً ولا يابساً ، ولا إنساناً ولا حيواناً ، فقد استخدمت التقنية لهدم حياة الإنسان أكثر من استخدامها لبنائها .وما يهمُّنا مع كتابة هذه السطور ، هو الوقوف على أخلاقيات المتحاربين أثناء الحرب والقتال ، بصرف النظر عن الدوافع والدواعي والأهداف المنظورة لهم ، علماً بأنَّ المؤسسات الدولية قد أولت الأهمية الكبرى لبعض جوانب ومخلّفات الحرب ، كالأسرى والمدنيين ، بحيث سعت لأن يكونوا بمعزل عن نتائج الحرب ومآسيها مهما كانت .وعصرنا الحاضر قد شهد حروباً مدمِّرة ، حصدت أرواح الملايين من البشر ، ودمَّرت مدناً وقرى وحتى دولاً بالكامل . وكانت دوافع أغلب تلك الحروب تسلُّطية استعمارية بحتة ، يضاف إليها سلب الثروات الطبيعية من الشعوب ، ووضع اليد على المناطق الحسَّاسة والإستراتيجية ، كالممرَّات المائية . وقد مارس أرباب القوة والقهر ـ للوصول إلى أهدافهم ـ أبشع الجرائم وأخسّ الأساليب ، كقصف المدنيين ، وسبي النساء والأطفال ، وتعذيب الأسرى وحتى قتلهم في بعض الأحيان ، والأمثلة على ذلك عديدة ماثلة للعيان في عصرنا الحاضر : كممارسات الصرب في البوسنة ، والصهاينة في فلسطين المحتلَّة والمناطق الأخرى ، وما جرى ويجري في العراق وغيره ...قال (عليه السلام) : ( فَوَاللَّهِ ، مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلاَّ وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ ، فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي ، وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا ) . فقد كان في حروبه كلها يكره أن يكون البادئ بالحرب ، بل كان يبادر إلى وعظ عدوه وخصمه وإرشاده ؛ مُلقياً الحجة ، ومبيّناً له فداحة النتائج ، حتى لا يتذرَّع أحد بعد وقوع الواقعة بأنَّنا لو كنا نعلم أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير ! ولا يخفى ما في مخاطبة هؤلاء من صعوبة ؛ حيث الجهل المطبق والضلال المبين ، خصوصاً في مثل تلك الظروف . قال (عليه السلام) في جملة ما أوصى به معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام : ( فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً ، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ ، ولا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي ولا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ ) .وقال (عليه السلام) مخاطباً جنده قبل لقاء العدو في صِفِّين : ( لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ ) .
ويذكر أهل التاريخ أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما خرج لمحاربة معاوية في صِفِّين ، وكان جند معاوية قد غلبوا جند الإمام إلى شريعة الفرات ؛ بغية منع الماء عنهم حتى يموتوا عطشاً ، رفض الإمام أن يعامل العدو بالمثل بعدما أزاحه عن شريعة الماء مع قدرته على ذلك .
وهكذا لم يكن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عدوانياً في أي معركة من معاركه ؛ لأنَّه كان واثقاً من نفسه أنَّه على الحق ويقاتل من أجله ، ولذلك كان يتقدَّم نحو خصمه بقَدم ثابتة وبرباطة جأش ، لا يأبه معها للجيوش المتجمهرة التي تريد النيل منه ، والتي لا تجد حرجاً في منع الماء عنه وعن جنده ، وتتَّبع سياسة الغدر والخداع ، وتستفيد من الممارسات المشينة كملاحقة الأسرى والمدنيين والمدبرين من المعركة وإيذاء الجرحى .
وكانت الجيوش تلجأ إلى مثل تلك الأمور عند الإحساس بالهزيمة ، أو بقصد إدخال الرعب والقلق النفسي في قلوب المقاتلين للسيطرة على أرض المعركة عند بدئها .
قال (عليه السلام) : ( فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ ـ بِإِذْنِ اللَّهِ ـ فَلا تَقْتُلُوا مُدْبِراً ، ولا تُصِيبُوا مُعْوِراً ، ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ ) .
ولم تقتصر الجرائم من قبل الأعداء على المجروحين والأسرى ، بل كانت تتعدَّى إلى النساء والأطفال والشيوخ ؛ إمعاناً في الثأر للهزيمة وإسقاطاً للمعنويات ، مع العلم أنَّ النساء ليس عليهنّ جناح حتى ولو سَبَبْنَ واعتدين ، فلا يصح الرد عليهنّ فضلاً عن المبادرة إلى إيذائهن وتعذيبهنّ ، ولقد كان العرب يعيِّرون الرجل الذي يرفع يده على المرأة ، بل يعيِّرون حتى أبناءه من بعده . وإلى هذا أشار الإمام (عليه السلام) في الوصية الرابعة عشر ، حيث قال : ( ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ ؛ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُولِ ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ ، فَيُعَيَّرُ بِهَا وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) .
ولم يكن عموم المدنيِّين البعيدين عن ساحة الحرب والنزال ، بمعزلٍ عن نتائج الحرب المروعة ، بل كانت بعض الجيوش تصب جام غضبها ونقمتها عليهم لفقدها بعض المواقع ، أو لمقتل قائد من قوادها ، أو لخسارتها الحرب ، وكأنَّ الناس عليهم أن يدفعوا الضريبة رغم بُعدهم عن ساحة الحرب .
وقد لفت أمير المؤمنين (عليه السلام) نظرَ أصحابه وأهل بيته إلى خطورة هذا الأمر ، وحذّرهم من الوقوع فيه ؛ لأنَّ فيه إغضاباً لله تعالى ، وذلك عندما أُلقي القبض على عبد الرحمن بن ملجم بعد أن ضرب الإمام (عليه السلام) في محرابه .
قال (عليه السلام) : ( يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً ، تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ . أَلا لا تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي ، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ ولا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلّى الله عليه وآله ) يَقُولُ : إِيَّاكُمْ والْمُثْلَةَ ولَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ )
ربما لا نحتاج إلى سوق الشواهد التاريخية التي تؤكد معايشة الإمام لجنوده وقادته، بل إنه كان في جميع المعارك التي خاضها متواجداً في القلب، حيث يحتدم القتال ويلتحم الجيشان، ويبدأ صخب المعركة وقعقعة السلاح. وقد وصفه صعصعة بن صوحان بالتالي: (كان فينا كأحدنا) .إن ثمرة هذا التواجد الميداني الهاب حماس المجاهدين، والتوفر على وضع المعركة والتعرف بدقة على تفاصيلها وما يجب أنه يتخذ من قرارات هامة مصيرية فيها. هذا وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر الصادر من القائد الميداني ربما لا يحتاج إلى وقت طويل كي يصل إلى المجاهدين. وهذه المركزية هي في الحقيقة من أهم العوامل الاستراتيجية في كسب المعركة، حيث تقطع الطريق على الفوضى والبلبلة نتيجة تأخر القرار، وتجعل الطاعة والانضباط هما السائدين في كل مراحل المعركة.
السرية والكتمان
ـــــــــــــــــــ
(لا احتجز دونكم سراً إلا في حرب) ، هذه العبارة المختصرة للإمام علي (عليه السلام) والتي صرّح بها إلى أمرائه من الجيش تلخص أهمية الكتمان في الحرب، وخطورة تسرب الأسرار إلى الجهة المعادية، والإمام (عليه السلام) عندما يحتفظ لنفسه ببعض الأمور التي لا يبوح بها حتى إلى أقرب الناس من الصحابة إنما يلحظ خطورة الوضع العسكري وحساسيته ولذلك يأخذ الحيطة من تسرب بعض المعلومات إلى العدو، حيث لا يشك في أمر أصحابه الأوفياء، ولكنه قد يحتمل وجود بعض المندسين في صفوف جيشه وهو أمر وارد في جميع الجيوش، حيث يعتمد على التجسس في تحصيل المعلومات المهمة حول قوة الجبهة المقابلة، وخططها، وأساليبها في القتال.
ومن وصاياه (عليه السلام) لجيشه هو: (عضوا على النواجذ، وأكملوا اللاّمة، وقلقوا السيوف، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، وعاودوا الكرّ، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا شبجه) . وهذا النص الموجز يلخص دقة التعليمات الضرورية في الحرب:
1ـ فالعض على النواجذ، هي أقصى الأضراس، حيث يساعد على تصلب الأعصاب والعضلات المتصلة بالدماغ، وإزالة الاسترخاء.
2ـ وإكمال اللامة وهي الدرع، يعني تحصين جسد المجاهد، بإحاطة أعضائه البارزة بالحديد وهي الرأس والصدر والسواعد، إضافة إلى تهيئة وسائل الدفاع من درع ورمح وسيف.
3ـ وقلقلة السيوف أي تحريكها للتحقق من عدم تأثرها بالصدأ.
4ـ وإلحاظ الخزر هو أن ينظر المجاهد بعينه بصورة من صور الغضب.
5ـ والطعن شزراً، هو الطعن عن اليمين والشمال.
6ـ والنفح بالضبا، وهو الضرب بطرف السيف.
7ـ ووصل السيوف بالخطا هو التوازن بين حركة السيوف وخطوة المجاهد.
8ـ ومعاودة الكر، أي إدامة الكرّ دون تراجع.
9ـ والسواد الأعظم هو جمهور الشام المحيط بمركز القيادة والمراد منه أن يكون الهجوم على وسط مركز القيادة لأن ذلك يعجّل في حسم المعركة
المصادر
ـــــــــــ
1- الطيقات لابن سعد
2- الكامل في التاريخ لابن الاثير
3- مغازي الواقدي
4- سيرة ابن هشام
5- الامام علي بن ابي طالب للشيخ المفيد
6 وفيات الاعيان لابن خلكان
7- مروج الذهب للمسعودي
8- الاستيعاب في تمييز الاصحاب
9- تاريخ ابن خلدون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق